الحديث المتواتر والآحاد



فتوى رقم ( 4696 ) :

س : لماذا نسلم بقبول رواية امرأة واحدة للحديث مع أننا في الشهادة في الحالات العادية نطبق قول الله عز وجل : سورة البقرة الآية 282فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وفي علم الحديث يطلب التثبت أكثر ، وخاصة أن هناك أحاديث كثيرة جدا في الصحيحين عن عائشة ، فهل يعتمد مثلا قول ابن حجر في تجريح رجل ولا يؤخذ قول الله عز وجل : سورة البقرة الآية 282أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا نسأل الله عز وجل أن يوفقكم في الرد الشافي على هذا الموضوع الذي يراودني دائما ولا أحدث به أحدا؟
ج : أولا : الصحيح أنه لا يشترط في قبول الرواية العدد ، بل يكفي في أداء الحديث وقبوله واحد ، سواء كان رجلا أو امرأة إذا كان عدلا ضابطا مع اتصال السند وعدم الشذوذ والعلة القادحة ؛ لاكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم في البلاغ بإرسال واحد كمعاذ بن جبل إلى اليمن ، ودحية الكلبي بكتابه إلى هرقل ، ونحو ذلك ، وكعلي بن أبي طالب إلى مكة في السنة التاسعة من الهجرة لينادي الناس في موسم الحج ألا يحج بعد العام مشرك وألا يطوف بالبيت عريان ، وأما النساء فقد أمر الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغن ما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة ، فقال تعالى : سورة الأحزاب الآية 34وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ولولا قبول روايتهن للقرآن والسنة لما أمرهن بالبلاغ ، وقد كانت إحداهن تشترك أحيانا مع أخرى في البلاغ وتنفرد به أحيانا ، كما هو واضح لمن تتبع الروايات عنهن ، ولم ينكر ذلك أحد عليهن ولا على من أخذ عنهن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه رضي الله عنهم ، فكان قبول الرواية عنهن وعن إحداهن ثابتا بالكتاب وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع صحابته رضي الله عنهم واستمر على ذلك العمل في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير وفيما بعدها ، بل أجمع الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم على قبول رواية المرأة مطلقا منفردة ومشتركة مع غيرها كالرجل إذا توفر فيها شروط القبول .
ثانيا : ليست الشهادة والرواية على حد سواء من كل وجه ، بل تفترقان في أمور منها : أن الرواية إخبار عن أمر عام للراوي وغيره لا ترافع فيه إلى الحكام بخلاف الشهادة فإنها في قضايا عينية تخص المشهود عليه وله ، يترافع في مثلها إلى الحكام غالبا ، ومنها : أن الرواية لا يشترط في قبولها العدد كما تقدم بخلاف الشهادة فقد يشترط فيها أربعة من الرجال كما في حد الزنا والقذف وقد يشترط رجلان كما في القتل عمدا ، وقد يكتفى برجل وامرأتين كما في الحقوق المالية ، وقد يكتفى بامرأة واحدة كقول المرضعة في ثبوت الرضاع ، ومنها : أن الشهادة لكونها خاصة بالمشهود عليه والمشهود له لا تتعداهما إلا بالتبعية المحضة ردت بالقرابة والعداوة وتطرق التهم ، بخلاف الرواية فإنها يكفي فيها ما يغلب على الظن صدق المخبر من العدالة والضبط ، سواء كان الراوي رجلا أم امرأة ، واحدا أم أكثر ، ومنها أن بين كثير من المسلمين عداوة قد تحمله على شهادة الزور بخلاف الرواية عنه صلى الله عليه وسلم . قال ابن القيم في الجزء الأول من [بدائع الفوائد] : الفرق بين الشهادة والرواية : أن الرواية يعم حكمها الراوي وغيره على ممر الزمان ، والشهادة تخص المشهود عليه وله ولا تتعداهما إلا بطريق التبعية المحضة ، فإلزام المعين يتوقع منه العداوة وحق المنفعة والتهمة الموجبة للرد فاحتيط لها بالعدد والذكورية وردت بالقرابة والعداوة وتطرق التهم ، ولم يفعل مثل هذا في الرواية التي يعم حكمها ولا يخص ، فلم يشترط فيها عدد ولا ذكورية ، بل اشترط فيها ما يكون مغلبا على الظن صدق المخبر ، وهو العدالة المانعة من الكذب واليقظة المانعة من غلبة السهو والتخليط ، ولما كان النساء ناقصات عقل ودين لم يكن من أهل الشهادة ، فإذا دعت الحاجة إلى ذلك قويت المرأة بمثلها ؛ لأنه حينئذ أبعد من سهوها وغلطها لتذكير صاحبتها لها . اهـ . ثالثا : الذين قاموا بنقد رواة أحاديث دواوين السنة ودواوين السيرة والتاريخ تعديلا وجرحا جماعة من أئمة الحديث معروفون ، لهم بصيرة ثاقبة في ذلك ، عاصروا من نقدوهم وحكموا فيهم بما عرفوا عنهم ولم يفرقوا في منهج نقدهم بين رجل وامرأة ، بل هما سواء لديهم في الجرح والتعديل ، أما من جاء بعدهم ممن لم يعاصر أولئك الرواة كابن حجر العسقلاني رحمه الله ، فإن شأنه مع أولئك الرواة نقل أقوال من عاصرهم من الأئمة فيهم ، ومناقشة سندها إليهم والترجيح بينها إذا تعارضت ونحو ذلك ، وليس إليه تعديلهم أو تجريحهم ، لعدم معاصرته إياهم .
وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء