تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 45

الموضوع: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تفريغ محاضرات
    فك الوثاق
    بشرح كتاب الرقاق
    فضيلة الشيخ
    أبي إسحاق الحويني
    حفظه الله
    [1]
    ترجمة الإمام أبي عبد الله البخاري وثناء شيوخه عليه.
    _____________________________

    إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
    أما بعد:
    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
    اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
    ______________________________ ______
    أخرج الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه في أول كتاب الجزية والموادعة من حديث جبير بن حية -رحمه الله- قال:" ندبنا عمرُُ بن الخطابِ -رضي الله عنه- إلى غزو كسرى، وأمَّر علينا النعمان بن مقرِّن، فلما وصلنا إلى أرض العدو خرج علينا عاملُ كسرى في أربعين ألفًا وقال لترجُمانِهِ: ليكلمني أحد منكم، فقال له المغيرةُ بن شعبه -رضي الله عنه- سل عما شئت، قال ما أنتم؟ _ولم يقل لهم من أنتم احتقارًا لهم_ فقال المغيرة نحن ناسٌ من العرب كنا في بلاءٍ شديد وشقاءٍ شديد، فبينما نحن كذلك إذ بعث رب السماوات والأرضيين تعالى ذكره وجلت عظمته رسولاً من أنفسِنا نعرفُ أباه وأمه فدعانا إلى عبادة الله -سبحانه وتعالى- قال: كنا نلبَس الشعر ُوالوبر ونعبدُ الشجرَ والحجر حتى أتانا رسول ربِنا تعالى ذكرُهُ وجلت عظمته فدعانا إلى الله -سبحانه وتعالى- وأمرنا أن نقاتلَكُم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- عن رسالة ربنا -تبارك وتعالى- أن من مات منا دخل جنةً لم ير مثلها قط، ومن عاش منا ملك رِقَابَكُم"
    من آخر كلام المغيرة -رضي الله عنه- آخذ الخيط في هذه الحلقة التي أجعلها مقدمة بين يدي شرحي لكتاب الرقاق من صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري _رحمه الله تعالى ورضي عنه_.
    مشكلتنا الكبيرة هي ضعف الانتماء. نحن أمة ولادة، ليست هناك أمةٌ من الأمم على الإطلاق فيها من نباهة الرجال وصدق انتمائهم مثل ما لأمتنا.
    تلخيص المغيرة القضية كلها وتبين دور الأمة وما بعثت له.
    لخص المغيرة القضية كلها وبين دور هذه الأمة وأنها بعثت لتعم عبادة الله -عز وجل- الأرض، وأنه لا يجوز أن يرفع رأسه في الأرض إلا هذه الأمة التي وحدَّت ربها -عز وجل- وأن الكافر لا يجوز أن يرفع رأسه لأنه لا يستحق أن يأكل وأن يشرب من هذا الخير الذي جعله الله -عز وجل- بين يديه إما أن يدفع الجزية صاغرًا وإما أن يعبد الله -تبارك وتعالى.
    هذه الرجولة والرجولة معنى كبير ليست مرادفاً للذكورة، إن بعض النساء فيه من صفات الرجولة ما ليس عند الذكور.
    الرجولة:نباهةٌ وفداءٌ ونجدةٌ ونبلٌ ومروءة.
    كان الصحابة الأوائل الذين قاموا بهذا الدين رجالاً كما وصفهم الله -عز وجل-﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾.... (الأحزاب23) وفي مسند الإمام أحمد -رحمه الله- بسندٍ صحيحٍ وصححه بن حبان وغيره من حديث جابر -رضي الله عنه- قال( ظل رسول الله عشر سنين يدعو الناس إلى الله ويتتبع الناس في بيوتهم وفي المواسمأي في مواسم الحج- يقول من يؤويني ومن ينصرني حتى أبلِّغ رسالة ربي وله الجنة؛ حتى إن الرجل ليخرج من مُضَرَ فيأتيه قومه فيقولون له احذر غلام قريش لا يفتنك، وكان يمشي بينهم يدعو إلى الله -عز وجل- يشيرون إليه بالأصابع –أي احتقارًا له- كما قال الله تعالى ﴿وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴾(القلم51).
    ( يُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ )أي ينظرون إليكم النظر الشظر احتقارًا ويقولون إنه لمجنون.
    قال جابر -رضي الله عنه- (حتى بعثنا الله -عز وجل- إليه من يثرب، فأتيناه فآمنا به وصدقناه، وكان الرجل منا يسمع منه الكلام فينقلب إلى أهله فيتلوه عليهم فقلَّ بيت من بيوت المدينةطيبة- إلا وفيه نفر من المسلمين يظهرون الإسلام، ثم إإتمرنا جميعًا وكانوا سبعين رجلاً فقلنا إلى متى يُطرد النبي فيه جبال مكة ويُخاف. _هذا معنى الرجولة: إلى متى يطرد وإلى متى يخاف_ فواعدناه شعب العقبة فلما وافوه في موسم الحج، قالوا يا رسول الله علام تبايعنا؟ قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر ولا تخافون في الله لومة لائم، وإذا أتيت إليكم تمنعوني مما تمنعون منه نساءَكُم وأبناءَكُم ولكم الجنة؛ فقام أسعد بن ظُرارة وكان أصغر السبعين- فقال: هلم، قال: للذين معه على رسلكم، فوالله إنا لم نضرب إليه آباط المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ولكن إخراجه هو مفارقة العرب كافة وقتل خيارِكم وأن تعضَكُم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وإما إذا آنستم منكم جبنًا فيبنوا فهو أعذر لكم.
    المراد بكلام أسعد بن ظُرارة-رضي الله عنه-:
    يقول إن تبني هذه الدعوة معناها أننا سنفارق العرب وسنقاتل العرب فيقتل خيارنا وأن تمسنا السيوف، إما أنكم رجال تصبرون على ذلك ولكم الجنة، وإذا خشيتم من أنفسكم جبنًا فبينوا من الآن حتى يكون أعذر لكم عند الله -عز وجل- أي لا تقل أنا رجل ولست برجل لا تقل أنا أستطيع وأنت غير مستطيع.
    ( فلما قال أسعد ذلك قالوا أمط عنا يدك يا أسعد فوالله لا نقيل هذه البيعة ولا نسليها فقمنا إليه فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة)
    أمتنا أمة ولادة، نحن أمة متخصصة في صناعة الرجال، نحن أمة جنباتها ملآنة بالمواهب فما الذي جرى؟! إننا نسمع اليوم أصوتًا ينعق أصحابها بسب السلف الأوائل، وتحقيرهم وإظهارهم كأنهم قوم لا يفهمون.
    يحدث فضيلة الشيخ ,عن برنامج رآه في بعض القنوات الفضائية عن الإمام البخاري عنوان الحلقة (النقل والعقل)
    قبل أن آتي إلى هنا كنت عند بعض إخواني فرأيت في بعض القنوات الفضائية برنامجًا يعني لم يستغرق نظري إليه أكثر من خمس دقائق ثم انصرفت عنه، في هذه الدقائق الخمس كان الحوار عن الإمام البخاري، وكانت الحلقة فيما يبدو عن النقل والعقل،.
    فأورد المتحدث مسألتين، وتكلم عن البخاري وأن ليس كل كلام جاء في البخاري نسلم به..
    المقطع الأول من كلامه كان يتعلق بحديث المسور بن مخرمة وهو مروان بن الحكم في صلح الحديبية،.
    هذا حديث رواه الإمام البخاري -رحمه الله- في هذا الحديث لما جاء عروة بن مسعود الثقفي وكان إذ ذاك كافرًا وكان فيه مفاوضات بديل بن ورقاء جاء قبل عروة بن مسعود وفاوض النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال له ما قالت قريش، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لبديل نحن ما جئنا لقتال وإن شاءت قريش ماددتهم مدة أخرى على أن يخلوا بيني وين البيت، بيني وبين الناس، وإلا والله لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرج سالفتي –أي صفحة العنق- سأقاتلهم ولو لم يبق معي أحد، ولو قاتلت أنا وحدي، سأقاتل على هذا الأمر؛ قال بُديل: سأبلغهم ما قلت؛ ثم جاء الدور على عروة بن مسعود الثقفي، قبل أن ينطلق عروة جاء أشراف قريش، قال لهم: ألستم بالوالد –أنتم مني بمنزلة الوالد- قالوا بلى، قال: ألست بالولد-أنا منكم بمنزلة الولد- قالوا بلى، قال هل تتهمونني، قالوا لا، قال دعوني حتى أذهب إليه، فجاء عروة بن مسعود الثقفي إلى النبي وهو جالس مع أصحابه وفيهم أبو بكر -رضي الله عنه- فبدأ عروة كلامه متنفخًا متبجحًا قال: يا محمد إنها واحدة من ثنتين سيحدث حرب وقتال بينك وبين قومك، فهل رأيت أحدًا اجتاح قومه قبلك؟ وإن كانت الأخرى فوالله ما أرى حولك إلا أوباشًا خليقًا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر أنحن نفر وندعه! انصص بظر اللات، فلما سمع عروة هذا الكلام انزعج فهذا سب بليغ لآلهتهم فقال من هذا؟ قال النبي إنه ابن أبي قحافة، فقال عروة له لولا أن لك علي يدًا لأجبتك انتهى الكلام .
    رأى عروة أعجب من العجب.
    جيء بوضوء، النبي -عليه الصلاة والسلام- يتوضأ، رأى عروة أعجب من العجب، ما سقطت قطرة ماء على الأرض، الصحابة يتلقفون بقايا وضوءه ما تنخم النبي نخامة فوقعت في يد رجل إلا دلك بها وجهه وجلده، ولا يرفعون الصوت عنده، ولا يحدون النظر إليه تعظيمًا له، رأى عروة هذا المنظر فرجع إلى قومه –
    أن تستحضر الآن طريقة كلامه الأولى، كما قلت جاء متنفخًا من مركز قوة، قريش منعته عن الوصول إلى البيت وحبسته-
    رجع عروة إلى قريش ورفع التقرير التالي:[ قال يا قوم والله لقد وفدت على الملوك وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي فوالله ما رأيت أصحاب ملك يعظمون مليكهم كتعظيم أصحاب محمدٍ محمدًا، فوالله ما سقطت قطرة ماء على الأرض، ولا تنخم نخامة فوقعت في يد رجل إلا دلك بها وجهه وجلده، ولا يحدون النظر إليه تعظيمًا له، ولا يرفعون الصوت عنده، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها].
    من قليل كان يقول لمحمد _صلي الله عليه وسلم _ ما أرى حولك إلا أوباشا أي لا تتكثر بهم فإنهم أوباش من رعاع الناس وسقطتهم فلا تتكئ عليهم فلما رأى هذا المنظر علم أن أمثال الذين يتقاتلون على نخامته لا يسلمونه أبدًا حتى تخرج الروح.
    اعتراض المتكلم علي الحديث وسبب تكذيبه له:
    اعتراض المتكلم، يقول بأي شيء نقدم الإسلام إلى الناس نخامة! هذا شيء يقرف، تقع النخامة في يد رجل يدلك بها وجهه وجهه وجلده! هذا شيء يقرف ! هذا الحديث مكذوب .
    لماذا كذبه؟
    لأنه لم يذق طعم الحب الذي ذاقه الصحابة ومن ذاق عرف، ويا لائمي لو كان قلبك عند قلبي لعذرتني.
    ثم ضرب_ فضيلة الشيخ_ مثلاً في دنيا الناس.
    مثلا في دنيا الناس الآن الأم لما أبنها الصغير يلفظ الطعام من فمه, ومع ذلك تأكله الأم ولا تشعر بهذا القرف الذي يتكلم عنه هذا المتكلم. الإنسان العاشق، الإنسان المحب لا يسيره إلا مراضي من يحب، كل شيء يأتيه من حبيبه فهو حسن، لا يرى في حبيبه عيبًا إذا كانت محبته كاملة، فمن رأى في حبيبه عيبًا فمحبته معلولة،.
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    أكثر الذين يعترضون على أحاديث النبي بلا كتاب منير ولا بينة واضحة.
    فيعترض بمثل هذا، لكنه كما قلت لا ذاق ولا عرف. إن أكثر هؤلاء يعترضون على أحاديث النبي بلا كتاب منير ولا بينة واضحة وليس عندهم من الأصول العلمية التي كانت عند علمائنا ما يتكئون عليه في تسديد الفهم، لم يقرءوا بل لعل واحد من هؤلاء لا يحسن أن يقرأ في كتاب الله آية على الوجه الذي نزلت به
    الحديث الثاني - الذي كذبه: وقال هذا مكذوب حديث عمرو بن ميمون- قال:" رأيت الرجم في الجاهليةقبل أن يسلم- رأيت قردة زنت، فاجتمعت القرود ورجمتها ورجمتها معهم" يقول هذا الكلام مكذوب, لأن الرجم في بني آدم وليس في الحيوانات وليس في القرود،.
    القصة هكذا أوردها الإمام البخاري مختصرة، لكن هذه القصة أوردها –أبو بكر الإسماعيلي- في مستخرجه على البخاري من طريق آخر عن عمرو بن ميمون مطولة.
    الشاهد:
    هل يمكن لإنسان أن يتصور أن البخاري -رحمه الله- مع ما رزقه من الفهم العالي جدًا كما سيمر بنا وسترون إن شاء الله -عز وجل- العجب العاجب من تبويبات البخاري ومن فهم الإمام البخاري لأحاديث النبي هذا الإمام الذي عقدت عليه الخناصر وصار كلمة إجماع وصار اسمه مع مدار القرون كالشمس في رابعة النهار يجهل أن الحيوانات غير مكلفة!؟
    في أي موضع روى البخاري هذا الحديث؟
    هل أورده في كتاب الحدود مثلاً في باب الرجم؟
    حتى يُقال أورده في باب الرجم إذاً هو يرى أن القرود لما رجمت كانت مكلفة! لا.
    أين وضع البخاري هذا الحديث في صحيحه،؟
    وضعه في كتاب مناقب الأنصار تحت تبويب باب القسامة في الجاهلية.
    ما قصد البخاري قط أن يقول إن القرود رجمت لأنه لو أراد هذا المعنى لوضعه في كتاب الحدود باب الرجم. الإسناد صحيح لأنه ورد من طريق آخر.
    المتكلم يقول:مهما كان الإسناد صحيحًا فالمتن فيه علة، ماهي العلة؟ قال: القرود غير مكلفة.
    الشيخ حفظه الله يعقب علي تكذيب المتكلم لحديث عمر بن ميمون:
    صح الإسناد إلى عمرو –إلى القائل-إذاً قال هذا القول، لأنه صح الإسناد إليه، فعمرو بن ميمون قال هذا الكلام، يبقى في رؤية عمرو نفسه، إذا أخطأ عمرو بن ميمون في توصيف القصة لا يُقال الحديث كذب ، إنما يُقال أخطأ عمرو بن ميمون فقط، تكذب من؟ عمرو بن ميمون الصادق الأمين، رجل أمانته في الذروة وضبطه كالمسمار في الساج، نقل كلامًا أو نقل منظرًا رآه بعينيه، أتقول هو كذاب، لا يحل لك أن تقول ذلك إذا ثبت السند إليه أنه قال هذا الكلام، لكن ممكن تقول غلط عمرو بن ميمون لكن لا تقول الحديث كذب، ولا تقول البخاري فيه أحاديث مكذوبة، إنما تقول غلط عمرو بن ميمون،.
    هل عمرو بن ميمون غلط؟ وهل هذا التابعي الجليل كان يجهل أن الرجم موضوع عن الحيوانات وأنه لا يكون إلا في المكلفين؟
    لا لكن المنظر الذي رآه عمرو رأى فيه شبهًا بما يكون عند بني آدم فلا قصد زنا ولا قصد حدًا، هذا هو الموضوع ونحن نعرف أن القرد شبيه ببني آدم في كثير من حركاته، حتى قال القائل أن الإنسان أصله قرد , عندما تنظر إلى القرد تجد حركاته وأكله وشربه يمشي على رجلين مثل بني آدم وإن كان لا يسير مسافة طويلة، له أصابع مثل بني آدم، يأكل ويقشر الأكل مثل بني آدم بالضبط.
    وعلماء الحيوان يقولون: أن عند القرد من الغيرة على العرض مثل بني آدم ويقولون أن القرد إذا تزوج لا يعدو إلى امرأة أخرى أو إلى قردة أخرى فيه مواصفات.
    تفصيل قصة القردة :
    عمرو بن ميمون رأى أن القصة الذي لا يعرفها في تفصيل أبو بكر الإسماعيلي يقول إن كان فيه قرد عجوز وزوجته قردة شابة نائمة على ذراعه جاء قرد شاب بصبص لها_ وأصل البصبصة تحريك الذيل فانسلت برفق وخفة من على ذراع القرد العجوز وذهبت مع القرد الشاب،.
    يقول عمرو بن ميمون فواقعها وأنا أنظر .
    بعدما قضت مأربها قامت رجعت بخفة ,ووضعت رأسها على يد القرد العجوز، فعندما أحس القرد برأسها على ذراعه وشمها صرخ، جعل يصرخ ويشير إليها، قال فأتت القرود بالقرد الذي واقعها وأنا أعرفه، حفروا لهما حفرة في الأرض وظلوا يرجموهم بالحجارة إلى أن ماتوا، هذا الذي رآه عمرو بن ميمونة وهو حق وصدق، هذا توصيف عمرو لأن هذا رجم، .
    ما هو رجم الزاني المحصن ؟
    الرجم الذي اتفق عليه علماء المسلمين من أهل السنة والجماعة:
    إذا زنا وثبت عليه الزنا بالطرائق الشرعية المعروفة يحفر له وللزانية معه حفرة إلى نصف الجسم، لا يظهر إلا بعض الصدر والرأس ثم يُرجم بالحجارة حتى يموت، هذا الرجم الذي اتفق علماء المسلمين من أهل السنة والجماعة على إثباته بالأدلة الصحيحة الكثيرة، فعندما تنظر إلى حقيقة الرجم عند بني آدم وإلى حقيقة ما رآه عمرو بن ميمونة تستطيع تقول هذا رجم،.
    لكن ما قصد عمرو زنا ولا قصد حداً، إنما هذه مسألة شبه.
    البخاري لا يعترض عليه باتهام، خذا مثل هذا الزخم في الفضائيات وفي الإذاعات وفي الجرائد والمجلات هذا الزخم كثير جدًا أناس يعترضون وليس عندهم حجة بينه. إذا كان الكلام يمكن تأويله على وجه صحيح فلا يرد وهذا كلام معروف عند أهل العلم.
    يقول الشيخ _ حفظه الله_ أمتنا أمة عظيمة ولادة ومنها_ الإمام البخاري-
    قصدي إخواننا أن أمتنا أمة عظيمة ولادة، من هذه الأمة ذاك الإمام –الإمام البخاري- وقبل أن أدلف وأدخل على كتاب الرقاق أنا أريد أن أبين من هو البخاري، إن أكثر الناس يعرف لقبه ولا يعرف اسمه فضلاً عن حياة البخاري، و حياة البخاري لا أستطيع أن أسهب فيها، أنا ترجمت للبخاري قبل ذلك من حوالي ثلاث سنوات في مسجد ترجمة مسهبة استغرقت ثماني ساعات –ثمان مجالس- في ترجمة الإمام البخاري وأنا ما أسهبت وما أخذت راحتي في الكلام، فأنا لا أستطيع بطبيعة الحال أن أتوسع ذاك التوسع الكبير في ترجمة البخاري، لكن لعل الترجمة قد تستغرق منا الحلقة القادمة أيضًا، وما بأس بذلك فإن هذا فيه شحذ للهمم،.يعرف قدر عمل المرء بجلالة العامل، كلما كان العامل جليلاً كبير القدر كان الذي يخرج منه على مثل وزنه،.
    على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ
    وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
    السبب الذي من أجله سيذكر الشيخ _حفظه الله_ ترجمة الإمام البخاري.
    وأقول هذا تحفيزًا للشباب وتحفيزًا لطلبة العلم ليعلموا أن الزود عن دين الله -عز وجل- لم يكن في عصر نحن في أمس الحاجة إليه كهذا العصر الذي قُنِنَ فيه المروق والزندقة والكفر والفجور، وتصدر الآن قوانين في جنبات الأرض أن لكل إنسان أن يتكلم بما يريد، يقولون هذه حرية رأي، لا تحجب رأيي، أنا أقول و إن لم يعجبك رد، إنما لا تمنعني، و هذا فيه من الخلل والخطل ما لا يخطر لك على بال، هذا فيه تضييع الدين كله، وتضييع مكارم الأخلاق لأن كل إنسان يتكلم بما يريد، كيف يتكلم بما يريد، لا يجوز لأحد أن يتكلم إلا بحق، أن يتكلم كلامًا صوابًا، عندما نرجع إلى السلف الأوائل ونضرب المثل بهم بعض الناس يمتعطون ويشمئز:
    حتى قال قائلهم يومًا وقد ذكر بعض الصحابة: قال[ هؤلاء أعراب يبولون على أعقابهم.]فهل رأيت أناس ينظرون إلى أصحاب نبيهم بمثل هذه النظرة؟
    إلى أمثال هؤلاء أقول وأضرب المثل الآتي:
    عندما نضرب المثل بالصحابة وأنا إنما أضربه على سبيل الاستئناس وإلا فالحجة عندي قائمة بسير السلف الصالحين وعندهم من الهمة العالية ما أقول لولا أن الإسناد صحيح لكدت لا أصدق، لكن صح الإسناد إليهم وسنذكر نماذج من هؤلاء الصحابة والتابعين والعلماء.لكن هناك صنف من الناس عندما تضرب له المثل بالكافرين يخضع ويمكن أن يقتنع، فأنا عندما أضرب المثل أقصد به هؤلاء.
    سبب ضياع الدنيا و أي ملة أو مذهب.
    مالذي ضيع الدنيا؟ الذي يضيع أي ملة أو مذهب؟ ترك الانتماء، الانتماء أساسه الحب، صدق الانتماء هو طوق النجاة حتى نخرج من هذه العثرة التي نعيشها الآن.
    تناقلت المجلات العلمية هذا الخبر، لكن قبل ذكر الخبر ذكر الكاتب الذي ترجم هذه المقالة الكلام الآتي قال: أرسلت اليابان بعثات إلى أوروبا، وأرسل العرب بعثات إلى أوروبا في نفس التوقيت، فتقدمت اليابان ولا زال العرب يركبون ظهر السلحفاة.
    فما هو السر؟
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    سرد الشيخ _حفظه الله _ لقصة أوساهير الياباني ليدلل بها على أن صدق الانتماء طوق النجاة:
    ذكرأن طالبًا اسمه "أوساهير" خرج من اليابان إلى ألمانيا ليدرس علم المحركات. يقول أوساهير لو استمعت إلى نصائح أساتذتي الألمان لما خرجت بشيء- ذهب ليحصل علي الدكتوراه في المحركات- يقول: عندما ذهب للجامعة أعطوه كتب نظرية وما أدخلوه معملاً من المعامل، يقول أن أي صناعة الوحدة الأساسية فيها –أي صناعة لها وحدة أساسية و هي الموديل- هذا المحرك كيف يعمل؟ لا أدري ما وحدته الأساسية؟ لا أدري.طالب يحضر دكتوراه على نفقة الدولة له راتب، أخذ راتبه في هذا الشهر، ذهب إلى معرض محركات إيطالي، اشترى محرك 2 حصان استوعب راتبه كله. اشترى المحرك كان ثقيلًا جدًا، ذهب به إلي السكن، قال وضعته أمامي على المنضدة وأنا أنظر إليه كأنه تاج من الجوهر وأقول لو استطعت أن أفك لغز هذا المحرك لغزونا أوروبا، كان الذي يعنيه منذ خرج "محنة اليابان" بعد الحرب العالمية ما حدثت وانكسار الإمبراطورية اليابانية وتوقيع معاهدة الاستسلام أمام الحلفاء وكان منظرًا لا ينساه أبدًا أهل اليابان هذا الانكسار "توقيع وثيقة الاستسلام" ثم حرمان اليابان من الصناعات العسكرية وإطلاق يدها في الصناعات السلمية. هذا الشاب كان يتجرع آنذاك مرارة الهزيمة، كل الذي كان يعنيه هو مجد اليابان، ما قصد لا دكتوراه ولا قصد أن يصير شيئًا في البلد. كان لهم أستاذ في البعثة، أتي بالمحرك ووضعه على المنضدة وجلس يفكر كيف يفكه كيف يفهمه أنزل خرائط المحركات، درسها دراسة جيدة، بدأ يفك الإطار الخارجي –جسم المحرك من الخارج- وبدأ يرسم كل قطعة يفكها من المحرك ويعطيها رقمًا –كي يعرف يركبها مرة ثانية فك المحرك كله وركبه كله وشغله اشتغل، قال كاد قلبي أن يتوقف من الفرح. استغرقت هذه المسألة منه ثلاثة أيام، ذهب إلى أستاذه في البعثة وقال له أنا فعلت كذا وكذا، قال له حسنًا هناك محرك عطلان، إن كنت فعلاً اجتهدت وفهمت اعرف لي سبب عطل هذا المحرك ، أخذ المحرك، فكه فوجد إن به تروس متآكلة بدأ يشتغل يدوي بالمطرقة والمبرد بدأ يعمل تروس، ركب التروس، قام بتشغيله اشتغل. أخذت هذا الأمر منه عشرة أيام، نسي أن عنده دكتوراه، المجد الشخصي نسيه لأن عنده هم كبير اسمه اليابان المهزومة. فأستاذه الذي كان بمثابة الأب الروحي له قال له يجب أن تلتحق بمصانع صهر النحاس والحديد والألومونيوم، التحق بهذه المصانع، وكان يخدم العمال، لأنه يريد أن يأخذ منهم علم. مع أنه من أسرة ساموراي –لها مجد في اليابان- لكن طالما المسألة تتعلق بمجد اليابان أنزل تحت النعال. ظل في المصنع ثمان سنوات يعمل في مصانع صهر الحديد والنحاس والألومونيوم. الميكادو -رئيس اليابان أو رئيس الطائفة - سمع بجد هذا الطالب بعث له خمسة الآف جنيه إسترليني. كان يحلم أن ينشئ مصنعًا للمحركات على أرض اليابان، عندما أخذ الخمسة آلاف لم يشتري شيئاً لنفسه, لأن عنده هم كبير، هذا الهم أنساه همه الخاص، اشترى معدات مصنع بالخمسة الآف جنيه إسترليني؛ لكن بقيت مشكلة: من أين يأتي بأجرة الشحن ,انتظر أول الشهر، أخذ راتبه وبعض المدخرات عنده ودفع أجرة شحن هذا المصنع. عندما نزل على أرض اليابان الميكادو بعث له، قال له أريد أن أراك، فقال له أنا لا أستحق أن تراني حتى أنشئ مصنعًا على أرض اليابان. قابل الميكادو,بعد تسع سنوات كاملة يعمل في دأب وصمت مع مجموعة معه وبعد تسع سنوات أخذ عشر محركات وذهب إلى الميكادو في قصره، شغل له المحركات فجاء هديرها عاليًا -أصوات المحركات- فعندما سمعها الميكادو انحنى تحية وقال هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي صوت محرك ياباني خالص، الآن غزونا أوروبا.
    وأنا أضرب المثل لأمثال هؤلاء، رجل مجده الشخصي ذاب في مجد الأمة. هذا واحد ولا يساوي قلامة ظفر عندنا، لكن عندما يُضرب المثل للأسد بالكلب يحمر أنف الأسد من الغيظ
    ولا ترد الأسود حياض ماء *** إذا كان الكلاب يلُغن فيه.
    عندنا نماذج مبهرة، لكن المشكلة أن أكثر الأمة لا تعرف هذه النماذج ولم تطّلع عليها بسبب العقوق الذي فشي في أجيال المتأخرين للسلف الفاضلين.
    من هذا الخيط ألتقط الكلام وأدلف إلى ترجمة الإمام البخاري -رحمه الله- صاحب الكتاب الذي أجمع أهل العلم الفاقهين الفاهمين الذي يعرفون ما يقولون أنه ليس هناك كتاب بعد كتاب الله -عز وجل- أصح ولا أمتن ولا أجود من كتاب الإمام البخاري -رحمه الله- وأنا أرجو ألا يتصور من يسمعني أن الدرس درس علمي لطلبة العلم فقط.لأ، هذا الدرس للجميع وسأحاول إن شاء الله أن أيسر طرح المادة، لكن أنا أحتاج منك إذا سمعتني ألا تلتفت إلى غيري، أعطني قلبك، أعطني أذنك، ركز معي، سوف تستفيد إن شاء الله -تبارك وتعالى.
    ترجمة الإمام البخاري_ رحمه الله_.
    اسمه ونسبه:الإمام البخاري اسمه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة، وبردزبة هكذا ضبطها الأمير أبو نصر بن ماكولة رحمة الله عليه، وبردزبة باللغة البخارية -لغة بخارى- تعادل الزراع باللغة العربية.
    مولده: ولد الإمام البخاري -رحمة الله عليه- في شوال سنة مائة وأربعة وتسعين هجرية،.
    ماوقع له في مطلع حياته وهو صبي صغير:
    ذالك أنه فقد بصره. وطبعًا كل ما سأذكره عن الإمام البخاري صحيح، الكلام الذي سأذكره إسناده صحيح لأن الإمام الذهبي -رحمة الله عليه- نقل جل ترجمة البخاري من كتاب شمائل البخاري لأبي جعفر محمد بن حاتم الوراق الذي كان يكتب للبخاري -رحمه الله- فالإمام الذهبي يقول أن كل -جل- ما أنقله عن البخاري فمن هذا الكتاب. وهنجار له كتاب اسمه تاريخ بخارى أيضًا ذكر فيه شيء من ترجمة الإمام البخاري -رحمة الله تعالى عليه. وقع للبخاري في بداية حياته -وهو صغير - حدث أنه فقد عينيه فبكته أمه طويلاً، فنامت في ذات يوم بعدما غلبها البكاء على صبيها فرأت إبراهيم الخليل -عليه السلام- في المنام فقال لها يا هذه إن الله -عز وجل- رد بصر ولدك إليه من كثرة بكائك أو قال من كثرة دعائك، شك أحد رواة هذا الخبر وأظنه البلخي كما ذكر الذهبي -رحمه الله- فاستيقظت الأم وإذا ابنها -الإمام محمد بن إسماعيل- قد رد الله تعالى عليه بصره. أمه هي التي ربته..
    وأنا أريد أن أقف قليلاً على هذه الجزئية. لماذا ضاع شبابنا؟
    ضاع شبابنا باختصار لأن الأمهات تركن أجلّ مهنة والتي لا يستطيعها رجال الأرض جميعًا حتى لو أرادوا، تركوا مهمة تربية النشء وأصغت المرأة المسلمة إلى أعدائها الذين أوهموها أنها صارت كالبهيمة تحمل وتلد وترضع، قالوا لها أنت نصف المجتمع، نريدك في كل مكان، نريدك قاضية وعمدة ونريدك في كل المجالات فخرجت المرأة وتركت الثغر خاليًا وزاحمت الرجال فيما لا تحسنه كثيرًا مع الرجال. وهذا الثغر الذي تركته المرأة خاليًا لا يستطيع رجال الأرض أن يملؤه فدخل أعداؤنا من الثغر الخالي كما زحف خالد بن الوليد في يوم أحد على المسلمين لما تركوا الرماة الجبل وكانوا حامية المسلمين وكانوا ظهور المسلمين وخالفوا وصية النبي لما قال لهم لا تبرحوا مكانكم ولو رأيتم الطير تتخطف العسكر، لكنهم لما رأوا فرار المشركين نزلوا ليحرزوا الغنائم وتركوا الجبل خاليًا فدار خالد بن الوليد دورته ودخل من الثغر الخالي وكانت المحنة التي يعرفها أكثركم إن شاء الله تعالى.
    فأوهموها إنها تحمل تلد ترضع تساوي البهيمة فاغترت وخرجت. النساء العاملات تطلع من البيت تأخذ الولد تذهب به إلي الحضانة وتذهب إلى العمل، هذه الحضانة مكان إقامة فقط , حتى تخرج الأم من العمل وتأخذ الولد لأنها ليس عندها وقت فراغ، عهدت بتربية الولد إلى غيرها، ولا يربي أبدًا مثل الأم. ضمة الأم ولدها إلى صدرها يمد جسور الود والرأفة والرحمة بين الولد وبين الأم.
    هناك أمهات أخرجوا لنا أئمة كبار( أم الإمام سفيان الثوري )
    أم الإمام سفيان الثوري -سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري- أبو عبد الله إمام الحديث والفقه والزهد، كانت أمه تقول له عند خروجه من الكتاب؟ تقول له يا بني إذا كتبت عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة؟ فإن وجدت وإلا فلا تتعلم تقول له عندما تكتب الحديث انظر هل أخذت شيئًا الحديث إلى واقعك وإلى حياتك أم أنت تكتب لمجرد الكتابة، إذا كنت فعلاً تستفيد مما تكتب وتتدين بما تكتب أكمل، وإلا أرح نفسك لا تتعلم. كل المسألة أنك تقيم حجج الله عليك عارف ولا تعلم. قالت لسفيان:[ يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي].أشتغل بالغزل وأبيعه وأصرف عليك فكان سفيان -رحمة الله عليه_. نساء عرفن لماذا خلقن.
    عظه وعبرة:
    الدنيا خطوة رجل مؤمن، قفزة واحدة تكون في الآخرة -مدة حياتك. ما تقول لربك إذا لقيته؟ تقوله ضيعت نسلي. يلقى المرء ربه خائنًا لم يعلم ولده ميثاق العبودية الذي أخذه الله على الناس. ألا تفعل ما نهاك وأن تقف على حدود ما أمرك. الذي يعلم هذا الكلام الأم الواعية.
    حفصة بنت سيرين أم الهزيل :
    ظلت ثلاثين سنة لا تخرج من بيتها إلا لضرورة. لكن تمكث في بيتها، المكث في البيت يصفي القلب ولا يجعل المرء يتلبس بشرور المجتمع الخارجي. المرأة التي تجلس في بيتها ملكة متوجة لأنها لم تلابس الشر الذي في الخارج فهذا يعينها على سلامة قلبها وتسديد رميتها وقصدها.
    جارية الحسن بن صالح بن حي.
    أنظر مثلاً أنا أذكر الآن في كتاب الثقات للعجلي -رحمه الله- في ترجمة الحسن بن صالح بن حي كان عنده جارية ثم باعها. الحسن بن صالح وعلي بن صالح أخوان وأمهم والجارية بيت علم وعبادة. كان الحسن وعلي وأمهما قسموا الليل ثلاثة أقسام الحسن يقول الثلث الأول، وعلي يقوم الثلث الثاني، وأمهم تقوم الثلث الأخير، فلما ماتت الأم اقتسم الحسن وعلي الليل، كل واحد يقوم نصفه، فلما مات علي قام الحسن بالليل كله. الجارية في بيت فاضل ,مثل هذا تعودت ,تقوم الليل الحسن باع الجارية فاشتراها أهل بيت فالجارية كالعادة متعودة ,علي قيام الليل في ساعة معينة من الليل فاستيقظت وظلت تنادي على أهل الدار: يا أهل الدار الصلاة الصلاة. قالوا لها أوأذن للفجر؟ فقالت لهم ولا تقومون الليل؟ قالوا نعم.في الصباح رجعت إلى الحسن، قالت ردني إليك فإنك بعتني إلى قوم سوء لا يقومون الليل، فردها الحسن بن صالح.
    بنت سعيد بن المسيب لما تزوجها أبو وداعة:
    ثم في اليوم الثاني أراد الخروج فقالت إلى أين؟ قال ذاهب إلى مجلس سعيد. قالت له اجلس أعلمك علم سعيد.
    بنت الإمام مالك :
    كان يُقرأ الموطأ على الإمام، مالك ما كان يقرأ على أحد، أي أحد يرد أن يقرأ الموطأ يأتي إما يقرأ بنفسه إما يأتي بأحد يقرأ له، كانت بنت مالك تجلس خلف الباب فإذا أخطأ القارئ تدق عليه، الباب أي أنه أخطأ، فيقول له مالك ارجع فإنك أخطأت قولاً واحدًا.
    عندما تكون المرأة مهتمة بالعلم الشرعي، تحب العلم الشرعي إما قراءة أو سماعًا، فهذا يورثها محبة لدينها وانتماءًا إليه. فعندما تعرف أن هذه الأمة لن تنتصر إلا بسلامة نشئها، وتعرف لماذا خلقت فهذا بداية النجاة. وعندنا كثير.
    ابن عساكر -رحمه الله-
    كان له ثمانين شيخة من شيوخه أخذ العلم عنها.
    أم الإمام البخاري.
    فأم الإمام البخاري ربت الإمام والورع الذي عند الإمام والزهد وسماحة النفس والخلق فضلاً عن العلم كله بسبب تربية هذه الأم الفاضلة، عندما مات والد الإمام البخاري وهذا بركة أكل الحلال، دعي ابنه الإمام محمد بن اسماعيل، قال له يا بني تركت لك ألف ألف درهم -مليون درهم- ما أعلم درهمًا فيه شبهة. والد الإمام البخاري لم يكن أحد العلماء ولكنه كان بصحبة أهل العلم يحبهم ويسير معهم ويحضر مجالسهم، كان يحضر مجالس مالك وحماد بن زيد وابن المبارك وصافحه بكلتا يديه مثلما البخاري سنأتي أيضاً علي هذه المسألة ونقف عندها بعض الوقت.
    حفظه للقرآن:
    الإمام البخاري -رحمة الله عليه- كعادة الصبية بدأ بحفظ القرآن، أتمه وهو ابن سبع سنوات وليس من الحكمة في تعليم الصغار أن نحفظهم شيء بجانب القرآن، فليمض القرآن أولاً، يحفظ الأول القرآن ولا يشتغل لا بحديث ولا بحفظ أي شيء آخر من المتون حتى يتم حفظ القرآن أولاً.
    ماحدث له وهو ابن إحدى عشر سنة .
    وهو ابن عشر سنين أو إحدى عشر سنة حدث له موقف في بلده، كان في بخارى شيخ كبير الحجم اسمه الداخلي الداخلي جالس يحدث فحدث عن أبي الزبير عن إبراهيم النخعي، فاعترض البخاري، قال له إن أبا الزبير لم يحدث عن إبراهيم، قال له اسكت يا غلام، قال البخاري قال انظر في أصلك الأصل ( الكتاب) لأن الداخلي كان يحدث من حفظه، فدخل الداخلي نظر في الكتاب وجد أن الأمر كما قال هذا الغلام، قال كيف قلت يا غلام قال إنما هو فلان عن فلان. أصبت يا غلام وأصلح الأصل الذي عنده.
    قال له محمد بن أبي حاتم الوراق ابن كم لما رددت على الداخلي؟ قال كنت ابن إحدى عشرة سنة. زمان الأسانيد هذه أنساب الكلام لم يكن أحد يتكلم إلا بإسناد،.
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    عدد شيوخ البخاري
    الإمام البخاري -رحمة الله عليه- شيوخه تجاوزوا ألف شيخ، كتب عن كل شيخ أكثر من عشرة آلاف حديث عند البخاري أكثر من مليون حديث. بعض الناس يقول كيف يكون مليون حديث كم عدد الأحاديث؟ أقول كل كلام سواء كان حديثًا مرفوعًا أو كان من قول الصحابة أم قول التابعين أو تابعيهم أو كان في السيرة هذا حديث، لايلزم أن الأحاديث تكون منسوبة إلى النبي مرفوعة، بل كل كلام يروى بسند كان يسمى حديثًا ما فيه حديث عندنا اسمه حديث مرفوع وحديث موقوف وحديث مقطوع، كل ما يقال فيه مرفوع إلى النبي -، الموقوف إلى الصحابة -رضي الله عنهم، المقطوع إلى التابعين.
    فأنت نفسك اليوم لو عندك حافظة و تنقل أقوال الناس وكل واحد قال كلمة نقلتها بسند أكيد سيكون عندك أكثر من مليون، المسألة مسألة عادية،
    مدي حفظهم للأسانيد:
    لكن الغريب في المسألة أنهم كانوا يحفظون الأسانيد كما نحفظ نحن ﴿قل هو الله أحد﴾، لا يختلط لهم إسناد في إسناد، ولا كلام في كلام أبدًا. هذا طبعًا عند الحفظة أمثال الإمام البخاري -رحمة الله عليه- ابن أحد عشر سنة يرد على الداخلي والداخلي هذا كان كبير الحجم كما قلت في بخارى آنذاك. حاولت أن آخذ نتفًا من ترجمة الإمام البخاري من كتاب سير أعلام النبلاء للحافظ شمس الدين الذهبي -رحمه الله- بحيث أنني رجوت أن أعلق ممكن أقرأ الفقرة أو الكلام ثم أعلق عليه تعليقًا يسيرًا حتى نستطيع أن نصل إلى آخر ترجمة البخاري -رحمه الله._
    يقول في ذكر ثناء الناس على البخاري، نريد أن نبين من الذي امتدح البخاري ستجد أن أكثر الذين امتدحوا البخاري هم شيوخه وليس أقرانه ولا تلامذته ومدح الشيخ للتلميذ هذا شيء عظيم لأن الشيخ فوق، والتلميذ هو الذي يرجو الشيخ ويرجو أن الشيخ يعطف عليه وليس العكس لا يوجد مذلة ولا حاجة لهؤلاء المشايخ أن يثني على تلميذ لكن التلميذ في حاجة ماسة أن يثني عليه شيخه.
    يقول أبو عمر سليم بن مجاهد:
    كنت عند محمد بن سلام البيكاندي -أحد شيوخ البخاري- فقال لو جئت قبل لرأيت صبيًا يحفظ سبعين ألف حديث، قال - سليم بن مجاهد- فخرجت في طلبه حتى لحقته فقلت له أنت الذي يقول إني أحفظ سبعين ألف حديث، قال نعم وأكثر ولا أجيئك بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرفتك مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم ولست أروي حديثًا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي من ذلك أصل أحفظه من كتاب الله -عز وجل- ومن سنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم.
    هذا عند أي رجل مارس العلم ودرس آلة العلم يعلم أنه في غاية الصعوبة إن ليس مجرد الحديث السرد لا مثلاً إذا قال عن أبي هريرة -رضي الله عنه- يقول لك من هو أبو هريرة وما اسمه وأخباره في الجاهلية وأخباره في الإسلام ومولده ووفاته، يعطيك ترجمة كاملة عن صحابي الحديث أو عن أي راو من الذين رووا هذا الحديث إلى الصحابة، والمتن الذي رواه يستطيع الإتيان بشواهد لهذا المتن من كتاب الله -عز وجل- ومن سنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- و لا يستقل بهذا إلا رجل أوتي من الفهم أعلاه.
    يقول محمد بن يوسف:كنت عند أبي رجاء، قتيبة بن سعيد وهو أحد شيوخ البخاري وأحد شيوخ الإمام أحمد بن حنبل أيضًا، فسئل عن طلاق السكران فلما سئل قتيبة عن طلاق السكران فإذا هو أبصر الإمام البخاري -رحمه الله- فقال لسائله هذا أحمد بن حنبل وابن ألمديني وابن راهوايه قد ساقهم الله إليك وأشار إلى محمد بن إسماعيل البخاري.
    وكان مذهب الإمام البخاري: أن المرء إذا غُلب على عقله حتى لا يذكر ما يحدث به أنه لا يجوز من أمره شيء، وهذا هو المذهب الصحيح الراجح أن المسائل بالنية وما انعقد عليه القلب وليس بمجرد اللفظ.
    أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه كلاهما من العلماء المجتهدين الذين يطلق عليهم العلماء اسم المجتهد المطلق، فمذهب أحمد بن حنبل موجود ومشهور، لكن مذهب إسحاق بن راهويه اندثر،
    المذاهب الأربعة ليست منحصرة في أربعة فقط:.
    الأئمة ليسوا محصورين في أربعة، وليست مذاهب الأئمة في الفقه محصورة في أربعة فقط، بل هي كثيرة، لكن أصحاب الأئمة الأربعة قاموا بمذاهبهم ونقحوها وقعدوا القواعد لها وأتوا بالأدلة على الجزئيات التي قال الأئمة أن فيها أحكام شرعية إلى آخره.
    إسحاق بن راهويه نفسه كان يجري في مضمار أحمد في الفقه:
    .بل قال الإمام أحمد -رحمه الله- لم يعبر إلينا الجسر أحد من خرسان -إلى بغداد أي- مثل إسحاق بن راهويه، وإن كان يخالفنا في أشياء فلا زال النظراء يختلفون.
    فهذا من الأدب فلا مانع أن يختلف معه ، إذا كانت المسألة فرعية يمكن يسوغ فيها الاختلاف، الفهم نعمة من الله، ممكن الرجل الكبير الجليل يضل عن مسألة يعرفها بعض تلاميذه.
    وفي ترجمة الإمام البخاري قصة حدثت مع إسحاق بن راهويةالذي نتكلم عنه الآن إسحاق ابن إبراهيم -رحمه الله تعالى- جاءه رجل فاستفتاه عن طلاق السكران -نعم- احتار إسحاق ولم يستطيع الإتيان بالدليل كان البخاري جالس، فقال له لا يقع طلاقك، لأن النبي قال:" إن الله تجاوز لأمتي ما وسوست به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم." فهذا تكلم بمعزل عن القلب - أي هو غير مريد لما يقول_.
    مثلاً : حدثت مشادة بين رجل وزوجته يريد أن يقول لها اخرجي الآن قال لها أنت طالق، ما قصدها ولا كان يريد أن يقولها، لكن من شدة غضبه قال هذه الكلمة وقلبه بمعزل كامل عن هذا المعنى. هذا لا يقع طلاقه.
    فالإمام البخاري عندما قال هذا الكلام سُرَ إسحاق، وإسحاق هذا مجتهد مطلق ومع ذلك قد يعزب عنه ما يدركه بعض تلاميذه، فالمسألة مسألة مواهب واستحضار والأدلة الجزئية في العلم لا تتناهى كثيرة جدًا.
    فالأمر كما قال الشافعي -رحمه الله- ما منا من أحد إلا وتعزب عنه سنة لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أي تغيب عنه.
    قتيبة بن سعيد شيخ البخاري لما سئل عن مسألة قال جاءك أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وعلي بن ألمديني. أحمد وإسحاق فقهاء من أهل الحديث، علي بن ألمديني لم يكن فقيهًا لكنه من أجل شيوخ البخاري في الحديث.
    البخاري يقول "ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين علي بن ألمديني". مادور علي بن ألمديني في الفتوى، يريد أن يقول له هذا الحديث تصحيحاً وتضعيفًا وهذا الفقه لأنه لا يجوز لأحد أن يحتج على حكم شرعي بحديث ضعيف، لا بد أن يكون الحديث صحيحًا.
    البعض يقول أن بدعة صحيح وضعيف أوجدها الشيخ الألباني وما رد به الشيخ حفظه الله.
    وبعض الناس يتكلم قائلاً إن بدعة صحيح وضعيف هذه الذي أوجدها الشيخ الألباني -رحمه الله- والأئمة قبل ذلك كانوا يحتجون بالأحاديث الضعيفة، يقول إن سنن أبي داود فيها ضعيف والنسائي والترمذي وابن ماجه فيها ضعيف، يقولك باب أقول ردًا على مثل هذا الكلام، يقول باب كذا ويضع تحته حديث ضعيف.
    رد الشيخ حفظه الله : يكفي في ردي هذا أن الشافعي -رحمه الله- في خمسين مسألة قال لو صح الحديث لقلت به..
    الحافظ بن حجر العسقلاني: جمع هذه المسائل في كتاب، لم أر الكتاب ولا أعلم بوجوده في أي خزانة من خزانات العالم في حسب اطلاعي، لكن الحافظ بن حجر ذكر اسم الكتاب في فتح الباري في شرح صحيح البخاري، اسمه (المنحة فيما علق الشافعي الحكم به على الصحة). فالشافعي كما يقول هذا المتكلم أن الأئمة القدامى لايوجد أحد يقول صحيح وضعيف، إنما يأخذون بأي شيء يأتي لهم وهذا كذب صريح على الأئمة.
    ويكفي -كما قلت- كلام الشافعي، أمامه حديث قال لو صح لقلت به معني هذا أنه لم يصح الحديث عنده فلم يقل به. فهو لما قال له علي بن ألمديني قصد صحيح الحديث وضعيفه، لأن علي بن ألمديني طبيب العلل في علم الحديث، البخاري لقي كما ذكرت لكم أكثر من ألف شيخ أجلاء فضلاء كبار ومع ذلك يقول ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن ألمديني.
    ويقول عبد الله بن سعيد بن جعفر: لما مات أحمد بن حرب النيسابوري ركب محمد وإسحاق يشيعان جنازته، محمد أي البخاري ، وإسحاق بن راهويه شيخ البخاري فكنت أسمع أهل المعرفة بنيسابور ينظرون ويقولون محمد أفقه من إسحاق، محمد بن إسماعيل أفقه من شيخه إسحاق بن راهويه، وطبعًا إسحاق بن راهوايه في الحديث كالمسمار في الساج قمة من القمم حفظًا وجلالة وإتقانًا فضلاً عن فقهه الذي اشتهر به.
    يقول عمر بن حفص الأشقر سمعت عبدان :عبدان لقب لشيخ البخاري أحد شيوخ البخاري اسمه عبد الله بن عثمان ابن جبلة، هو محدث وأبوه محدث، لقبه عبدان لأنه كان له كنيتين كل كنية عبد، أبو عبد الله، وأبو عبد الرحمن، فقيل عبدان- يقول عبدان -أحد شيوخ البخاري- ما رأين بعيني شابًا أبصر من هذا وأشار إلى محمد بن إسماعيل البخاري.
    وقال نعيم بن حماد : أحد شيوخ البخاري وهو الذي روى عنه البخاري حديث القرد، البخاري حدث به عن شيخه نعيم بن حماد، طبعًا بن حماد فيه كلام من جهة حفظه، ولكنه متابع عند أبي بكر الإسماعيلي- قال نعيم بن حماد: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة.
    وقال عبد الله بن يوسف: للبخاري يا أبا عبد الله انظر في كتبي، عبد الله بن يوسف التنيسي الذي يروي عن الليث بن سعد وعن مالك بن أنس أحد شيوخ البخاري، قال عبد الله بن يوسف للبخاري: يا أبا عبد الله انظر في كتبي وأخبرني بما فيه من السقط، قال: نعم. جعل البخاري مراجعًا لكتبه، ما ذاك إلا لجلالة البخاري عنده، وإلا ما يسمح أي شيخ للتلميذ أن يفعل بكتبه ما يشاء.
    ويقول محمد بن أبي حاتم الوراق: اجتمع أصحاب الحديث فسألوني أن أكلم إسماعيل بن أبي أويس، إسماعيل هذا أحد شيوخ البخاري وابن أخت الإمام مالك بن أنس، فإسماعيل كان عسرًا أي عسير في التحديث فالجماعة أصحاب الحديث يريدون أن يتوسطوا لإسماعيل بن أبي أويس، فكلموا الإمام البخاري أنه يجعل إسماعيل يزودهم في الحديث، قال ففعلت - البخاري يقول لما طلبوا مني ذلك فعلت، فدعا إسماعيل الجارية وأمرها أن تخرج صرة دنانير وقال يا أبا عبد الله فرقها عليهم، فقلت له -البخاري يقول لشيخه- إنما أرادوا الحديث، قال: قد أجبتك إلى طلبك بالزيادة -زيادة الحديث - غير أني أحب أن يضم هذا إلى ذاك ليظهر أثرك فيهم. يرفع الإمام البخاري حتى يظهر أثرك فيهم ويعلمون حظوتك عندي.
    يقول أحمد بن عبد السلام :قال ذكرنا قول البخاري -قول البخاري لعلي بن ألمديني-( ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي،) نقلوا هذا الكلام لعلي بن ألمديني، فقال علي بن ألمديني وهو شيخ البخاري دعوا هذا فإن محمدًا ما رأى مثل نفسه.
    يقول محمد بن أبي حاتم الوراق: سمعت أبا عبد الله يقول -البخاري - ذاكرني أصحاب عمر بن علي الفلاس بحديث، وعمر بن علي من شيوخ البخاري فضلاً عن أنه كان ناقدًا، لم يكن راوي فقط إنما كان أحد نقاد الحديث وهو من العلماء المتكلمين في الرواة، مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والدار قطني الذين يقولون فلان ثقة فلان كذاب فلان سيء الحفظ فلان مختلط إلى آخره، رجل فضلاً عن أنه راوية إلا أنه كان مميزًا أيضًا.
    فأجلس البخاري مع أصحاب عمرو بن علي الفلاس الذين هم في طبقة البخاري وحدثوا بحديث فالبخاري قال لا أعرفه أي لا أعرف هذا الحديث فسروا بذلك، فذهبوا لعمرو بن علي الفلاس يبشروه قال لهم كل حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل فليس بحديث، وهذا شهادة بالحفظ الكامل من مثل عمرو بن علي الفلاس للإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى.
    يقول أيضاً محمد بن حاتم الوراق عن علي بن حجر: علي بن حجر وهو أيضا من شيوخ البخاري قال: أخرجت خرسان ثلاثة، أبو زُرعه الرازي ومحمد بن إسماعيل وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ومحمد عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم.الدارمي أحد شيوخ البخاري, وهو صاحب السنن المشهورة المعروفة بسنن الدارمي.
    قال وأوردت على علي بن حجر كتاب أبي عبد الله: فلما قرأه قال كيف خلفت ذلك الكبش؟وكان يلقب البخاري بالكبش يحيى بن صاعد، يحيى بن صاعد هذا كان إمامًا كبيرًا في الحديث لما كان يذكر البخاري ما كان يسميه إلا الكبش النطاح، الكبش النطاح لأنه إذا نطح واحد يسقطه أرضًا يعني لا يثبت له أحد في المناظرة ولا في المذاكرة فعلي بن حجر يلقبه بالكبش، ويحيى بن صاعد يلقبه بالكبش.
    يقول عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي - أحمد بن حنبل- يقول ما أخرجت خرسان مثل محمد بن إسماعيل.
    وبُندار -محمد بن بشار. أحمد بن حنبل شيخ البخاري. وبُندار لقب له،( ومعنى بُندار) أي( الميزان). لأن محمد بن بشار أخذ علم علماء بلده قبل أن يأخذ علم الناس في الخارج، فلقبوه بُندارًا فهذا لقب، عندما تجد في أي حديث، سند من الأسانيد قال حدثنا بُندار أو عن بُندار يكون محمد بن بشار، مثل غُندر ، غُندر هذا لقب لراوٍ ثقة كبير اسمه محمد بن جعفر لقبه بغُندر ابن جريج -عبد الملك بن جريج- وهو من طبقة الإمام مالك رحمة الله علي الجميع. كان محمد بن جعفر يتكلم فيقول اسكت يا غُندر، (غُندر بلغة أهل الحجاز)أي( المشاغب)، فلقب بغُندر. فهذه ألقاب، علماء الحديث لهم كتب في الألقاب،مثل ابن منده وغيره كل لقب من ألقاب المحدثين يأتي باللقب ثم يخبر من هو وأحيانًا قد يترجم له ترجمة خفيفة.
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    الكلام في ثناء العلماء على شيوخ البخاري كثير جدًا، وأنا الحقيقة إنما أنتقي بعض ما ذكره الإمام الذهبي من ثناء شيوخ البخاري رحمة الله تعالى عليه، و وهذا الكلام له تتمة
    وكما ذكرت لكم في بداية الحلقة ربما تأخذ من ترجمة البخاري -رحمة الله عليه- الحلقة القادمة أيضًا حتى نقف على النكات التربوية في حياة الإمام البخاري -رحمة الله عليه- وأنا لا أريد أن أكلف إخواني شططًا المنتظرين على الهاتف من مدة فأنا سأفسح المجال لبعض أسئلتهم وإن شاء الله نكمل في المرة القادمة بإذن الله تعالى، الكلام معنا طويل لاتملوا ولا تستعجلوا نريد نرتب هذا الدرج، نريدكم تستطعموا العلم، ونسير علي الطريق الصحيح من زمان طويل نسمع كلام متناثر لكن نريد نطلب علم صح.
    توضيح الشيخ حفظه له لعنوان الحلقات (فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق)
    وفي نفس الوقت أريد أن أقول إن هناك بعض الناس سألوا عن العنوان الموضوع للحلقات (فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق) فظنوه كتابًا لي موجود في الأسواق. لا فهذا اسم الشرح الذي سأضعه إن شاء الله على كتاب الرقاق من صحيح البخاري، أي نسخة من نسخ صحيح البخاري كافية، من يريد يتابع معي وسيرى خيرًا كثيرًا في هذه المتابعة يأتي بصحيح البخاري إما المتن فقط أي الأحاديث مجرده من الشرح وإما المتن والشرح و أفضل كتاب في شرح البخاري (فتح الباري شرح صحيح البخاري) للإمام المصري وهذه ليست عصبية أرجو ألا يتصور أحد أنها عصبية للإمام المصري أحمد بن علي بن حجر العسقلاني -رحمة الله عليه- أنفق الحافظ بن حجر خمسًا وعشرين سنة من حياته في شرح هذا الكتاب. خمسة وعشرين سنة ربع قرن ابن حجر العسقلاني يشرح كتاب البخاري ولذلك نفس الحافظ في أول حديث مثل آخر حديث وأتى فيه بالعجب العاجب.
    مراد الشوكاني بقوله لا هجرة بعد الفتح.
    حتى قيل للشوكاني -رحمه الله- ألا تشرح صحيح البخاريفقال لا هجرة بعد الفتح -أي بعد فتح الباري- هو أطلق الحديث و المستمع يفهم ماذا يريد أن يقول قال لا هجرة بعد الفتح، فهذا الشرح نفيس جدًا. فيحبذا يكون عندك المتن وعندك شرح الحافظ بن حجر العسقلاني تحته.
    وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يسدد رميتي وأن يعينني على تيسير هذا الكتاب الجليل وعلى بيان فضله وأن علماء المسلمين لما زكوه بحق فهو يستحق هذا وزيادة.
    إجابة الأسئلة:
    س:أقسم زوجي أنه سيتزوج عليّ، هل عليه كفارة ؟
    ج: نعم عليه كفارة قال : النبي " من حلف علي يمين ٍفرأي غيرها خيراُ منها فليكفر عن يمينه وليأت التي هي خير" وكفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام والإطعام من أوسط ماتطعمون أَهْلِيكُمْ:كما قال تعالي(فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ﴾المائدة89
    س: عندي تعب في معدتي، يجعلني أتقيئ في أثناء الصيام فهل يجوز صيامي وصلاتي أم لا؟
    لاشيء في ذلك قال النبي " من ذرعه القيء فلاشيء عليه"وكذلك الصلاة, والوضوء من القيء مستحب.
    س: يسأل أنه يكسل عن الصلاة وعن كيفية الثبات علي الهداية؟
    هذه مسألة غير متصورة لأن الصلاة هي الفارق بين الإسلام والكفر, فلاشيء اسمه يكسل أحد عن الصلاة فالصلاة لا تسقط إلا بالجنون أو كان نائماً والنوم عذر مؤقت عندما يستيقظ يصلي,أما المجنون إذا كان جنونه متصلاً تسقط الصلاة عنه, إذا كان جنونه متقطع يُجن ويُفيق يُلزم بالصلاة , كي لا يتصور السائل أن ترك الصلاة مسألة بسيطة أو هينة حتى لو كان لا يُحس بالصلاة يُصلي ولايترك الصلاة, ويُستعان علي الالتزام بأشياء من أهمها, الصُحبة الصالحة الإيجابية لأن الصُحبة علي ثلاثة أنواع: طرفان ووسط يوجد صًحبة إيجابيةً ويوجد صُحبة سلبية فهذا طرفان ,وسط صُحبة طيبة لكن ليس لها تأثير صاحب إيجابي تشعر كلما التقيت به ترتقي , وصاحب سلبي يشدك إلي أسفل ويوجد صاحب طيب لكن لا تأثير له مقابلته كعدمها لذلك نقول الصُحبة السلبية تُنفي تماماُ أما الصاحب الذي لا تأثير له فلا بأس به , وجوده أفضل من جليس السوء لكن من الأفضل البحث عن صُحبة إيجابية, فعندما تسمع أن هناك درس أو خطبة جمعة من أحد الشيوخ يؤثر فيك يُعلي من همتك سافر له ولو لم يكن في بلدك,إن قلبك يستحق أن تجوب الأرض تطلب عافيته, إذا كنت تريد أن تتنزه تذهب قلبك يستحق أكثر من ذلك مجالس العلم , الأذكار الموظفة, وأنت لا تستطيع الثبات علي هذه المسألة,إلا إذا كان هناك صُحبة إيجابية, ترفعُك إلي فوق, وأسأل الله أن يُقيض من الصُحبة الصالحة من ينفعُك.
    س:أنا لا أقرأ القرآن إلا أثناء ذهابي للعمل وبعد الانتهاء يراودني إحساس بأنني قرأته رياءاً فمالعمل مع أن هذا الإحساس يمنعني من القراءة لعدة أيام سواء في البيت أو في الشارع؟
    هذا أكبر خطأ فماذا يريد الشيطان أكثر من ذلك, يأتي علي أهل الديانة ويشككه في العمل, من أجل أن يترك العمل, وهذا نوع من الوسواس,القهري اقرئي,لا تتركي ورد القرآن, ولا عمل البر أبداُ, بدعوي أن هذا فيه رياء, الإنسان يقرأ القرآن في الخارج,إذا أحب أن يُثني عليه الناس, قبل فعل الفعل فهذا هو الرياء, فإذا ورد هذا الأمر قبل إخراج المصحف فلا يخرجه , أما إذا لم يردالخاطر أخرج مصحفي وأقرأ مباشرةُ, وهذا الضابط بين الرياء والإخلاص.
    س: مالذي يحق للرجل من المباشرة إذا كانت زوجته حائض أو نفساء؟
    إذا كانت زوجتك حائضا أو نُفساء , تجنب الفرج ولك مادون ذلك, ليس هناك جناح عليك في أي شيء تفعله, إلا القُبل والدُبر كما نصت عليه الأحاديث.
    س:أصلي إماماً راتباً بالناس ولكن في بعض الأوقات تنزل مني قطرات ماء فما الحكم ؟
    إذا كان من العذر الدائم له, يأخذ حكم أهل الأعذار, ولكنه مادام أنه يقول كل يومين أو ثلاثة فحُقَ له أن يحتاط لنفسه,فلابد من دخول الخلاء قبل الفرض بمدة,حتى يستطيع مع الحركة أن يتخلص من قطرة البول التي تنزل, ثم يُعيد الاستنجاء مرًة أخري ثم يُصلي, طالما أنه إمام راتب فلابد أن يحتاط, ويصلي بالناس صلاةً صحيحةً, وإذا كان من أهل الأعذار فصلاتًه صحيحةً أيضاً, والقاعدة تقول:" من صحت صلاته لنفسه, صحت لغيره."
    تنبيه الشيخ _حفظه الله علي بدعة عيد الأم_:
    عيد الأم بدعة, والاحتفال به لا يجوز, وأريد أن أقول أن أي إعلانات سواء في قناة الناس أو في قنوات أخري تتكلم عن عيد الأم وعن شراء العباءات, من أجل عيد الأم كل هذا لايجوز أيضاً,لأن بعض الناس كثيراً مايحدثني أن هناك مخالفات في الإعلانات, أو غيرها فيرد الشيخ معقباً أنه ليس عنده تلفاز, ولا يشاهد شيئاً عن البرامج التي تعرضها القناة,أي أخ يتصل بي ويقول الإعلان الفلاني فيه مخالفة فأبلغ القائمين علي العمل مباشرةً, والحقيقة أن يبدون تعاونا في ذلك الأمر لكن للأسف هذا الأمر لم يُعرض علينا حتى نبدي فيه الرأي ولو عرضوه علينا لأبدينا فيه الرأي, فنرجو من الأخوة القائمين تكثيف الجُهد, ولا يعرضون شيئاً علي القناة إلا إذا كان مشروعاً,لأن الناس أصبحت تثق بحمد الله في هذه القناة, وفي غيرها من القنوات الجادة مثل قناة الحكمة الفضائية ونسأل الله عز وجل أن يُكثر من سواد هذه القنوات كي نعلم المسلمين دينَهم, فأي شيء يُعرض علي هذه القناة لا سيما مع ظهورها وظهور المشايخ الأجلاء فيها يُعطي نوع من المصداقية, فكل شيء يُعرض يقولون أكيد الشيوخ يعرفون هذا,لأنهم لو لم يعرفونه ماسمحوا بظهوره والواقع خلاف هذا, أنا والمشايخ إذا وصلنا شيء ننبه عليه ولا نخشى في الله لومة لائم.
    والله _عز وجل أسأل_ أن يجعل ماقلناه زاداً إلي حسن المصير إليه, وعتاداً إلي يُمنِ القدومِ عليه, إنه بكل جميلٍ كقيل, وهو حسبُنا ونعم الوكيل, وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.

    * * *
    تابعونا ونسألكم الدعاء
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  6. #6

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    تسجيل متابعة

    بارك الله فيكم

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    وفيكم اللهم بارك
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    هل يوجد تفريغ لكل السلسلة؟؟؟
    بارك الله فيك علي تفريغ درس الشيخ بعنوان ايها التائه قف من بركسل (بلجيكيا)

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    نرجوا من الاخت وضع رابط للشروح بنظام الورد او اي نظام
    بجميع اروس المفرغة لو سمحت

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    بارك الله فيك أختي أم محمد الظن ونفع الله بك الأمة

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    أخي الطائر الحنون لقد انتهيت من ثلاثين درس من السلسة وجاري إكمالها ان شاء الله
    http://alheweny.org/aws/play.php?catsmktba=8962
    هذا رابط فك الوثاق المفرغ
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    [2]تابع ثناء شيوخه عليه


    فلا زلنا مع ترجمة الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري -رحمه الله- بمناسبة أننا سنشرح جزءًا من كتابه الصحيح ألا وهو كتاب الرقاق، وقد اخترت لهذا الشرح اسمًا على عادة العلماء الأوائل أنهم كانوا يختارون اسمًا لشروحهم، وقد سميته "فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق". وذكرت شيئًا من ترجمة الإمام في المرة الماضية وثناء شيوخه عليه، و أستكمل اليوم إن شاء الله ذكر بعض ثناء الشيوخ عليه لأنني كما قلت في المرة الماضية ثناء الشيخ على التلميذ شيء عظيم لأن الشيخ لاسيما في هذه الأزمان لا يحتاج أن يجامل تلميذه، وبثناء الشيوخ على التلميذ يحظى التلميذ بمكانته، وقد كان الإمام -رحمة الله عليه- محل إجماع من أهل العلم، ما أعلم أحدًا غمز الإمام البخاري -رحمه الله- إلا ما يكون بسبب داء المعاصرة، والمعاصرة حرمان كما يقول أهل العلم ولربما ذكرنا شيئًا من هذا في موطنه إن شاء الله تعالى.
    يستكمل الشيخ _ حفظه الله_ بعض ثناء شيوخ الإمام البخاري عليه.
    قال محمد بن أبي حاتم الوراق: و هو أبو جعفر وهو تلميذ البخاري وهو الذي كان يكتب ما يمليه عليه الإمام من تصانيفه لاسيما الجامع الصحيح.
    قال محمد بن أبي حاتم الوراق: سمعت محمد بن إسماعيل -أي البخاري -رحمه الله- يقول: لما دخلت البصرة صرتُ إلى بُندار،( وبُندار) كما ذكرت في المرة الماضية اسمه محمد بن بشار وبُندار لقب له، والبُندار (هو الميزان )لأنه جمع علم شيوخ بلده ثم رحل بعد ذلك إلى طلب العلم.
    يقول البخاري: أنه لما دخل البصرة ووافى مجلس بُندار و هو محمد بن بشار، قال فلما وقع بصره عليّ، قال: من أين الفتى؟. لم يكن بُندارٌ يعرف البخاري ولم يلقه قبل ذلك. فقال: من أين الفتي؟، قال: فقلت له من أهل بخارى، فقال لي: كيف تركت أبا عبد الله؟. يسأله عن البخاري, أي يسأل البخاري عن البخاري لأنه لم يلتق بالبخاري قبل ذلك. قال البخاري: فأمسكت -أي لم أعرفه بنفسي، لم أقل له أنا البخاري_ فقال له التلاميذ في الحلقة يرحمك الله هذا أبو عبد الله أي هذا هو البخاري الذي تسأل عنه. قال: فقام وأخذ بيدي وعانقني وقال مرحبًا بمن أفتخر به منذ سنين. وهذا كما قلت إنما سمع فقط عن البخاري فكيف لو جالسه وناظره ورأى ما عنده من العلم.
    قال محمد بن بشار أيضًا -بُندار: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زُرعة الرازي( بالري) والدارمي عبد الله بن عبد الرحمن (بسمرقند،) ومحمد بن إسماعيل البخاري (ببخارى) ومسلم (بنيسابور)، مسلم و هو الإمام مسلم بن الحجاج -رحمة الله عليه.
    البخاري كان يذهب لشيخ اسمه عبد الله بن منير يقول: خرج رجل من أصحاب عبد الله بن منير إلي بُخَاريَ في حاجة له، فلما رجع قال له بن منير: لقيت أبا عبد الله؟ قال لا، فطرده من مجلسه وقال ما فيك خير إذ قدمت بخارى ولم تصل إلى أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. وكان الحقيقة عبد الله بن منير يقول: محمد بن إسماعيل أستاذي برغم أنه هو شيخ الإمام البخاري -رحمه الله تعالى.
    وكان ابن صاعد يسمي البخاري الكبش النطاح. لأن البخاري لم يكن يثبت له أحد في المناظرة، إذا حصل نوع من المناظرة في الحديث سواء كان في الحفظ أو في علل الأحاديث أو في أسماء الرواة أو كناهم ,ما كان أحد يثبت للبخاري أبدًا، فشبهه ابن صاعد بالكبش النطاح.
    قال ابن أبي حاتم الوراق: سُئٍلَ عبد الله بن عبد الرحمن و هو الإمام الدارمي، الإمام الدارمي أحد شيوخ الإمام البخاري. لما مات الدرامي وبلغ نعيه البخاري .
    بكي البخاري وأنشد قائلاً
    إن عشت تُفجعُ بالأحبة كُلِهِم
    وفناءُ نفسِكَ لا أبَ لكَ أفجعُ.

    ( إن عشت تُفجعُ بالأحبة كُلِهِم )أي أن الإنسان طويل العمر عنده مشكلة ، أنه يودع كل يوم حبيبًا، إذا أنه من آخرهم حياتًا، فدائمًا إذا دفن رجلاً يحبه يحزن عليه حتى يذهب بعضه ثم يدفن رجلاً يحبه ثم يدفن رجلاً يحبه، فهو قد عاين الأحباب جميعًا إذ طال عمره.
    (وفناءُ نفسِكَ لا أبَ لكَ أفجعُ) أي فناء نفسك أفجع، أو ينبغي أن تتفجع عليها أكثر من تفجعك على من تحب.
    سُئِلَ الإمام الدارمي -رحمه الله- وله كتاب اسمه السُنن، سُنن الدارمي مشهور- عن حديث محمد بن كعب (لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه عليه) وهذا الحديث لا يصح، وقيل له محمد يزعم أن هذا صحيح أي إلى محمد بن كعب، أي ليس مرفوعًا إلى النبي -، الكلام هنا منسوب إلى محمد بن كعب، وإلا فالحديث المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال هذا الكلام لا يصح إذ تفرد بروايته الديلمي، ومفاريد الديلمي عادة إما مكذوبة إما منكرة وإما ضعيفة. فقيل له أن محمدًا -أي البخاري- يزعم أن هذا صحيح، فقال: محمد أبصر مني، هذا كلام شيخه عنه، لأن همه النظر في الحديث أما أنا فمشغول مريض، ثم قال: محمد أكيس خلق الله، إنه عقل عن الله ما أمره به ونهى عنه في كتابه وعلى لسان نبيه -. إذا قرأ محمد القرآن شغل قلبه وبصره وسمعه وتفكر في أمثاله وعرف حلاله وحرامه.
    والإمام الدارمي أيضًا طلب كتاب البخاري في الأدب المفرد: البخاري له كثيرة، سنذكر شيئًا من مصنفاته في موطنها، من هذه الكتب كتاب اسمه الأدب المفرد،.
    سبب تسمية الأدب المفرد بهذا الاسم.
    وسُميَ الأدب المفرد بهذا الاسم:لأن البخاري في صحيحه أفرد كتابًا سماه كتاب الأدب، فحتى لا يختلط على الناس في العزو تقول أخرج البخاري في الأدب، هل الأدب الذي في الصحيح أو الأدب الذي أفرده عن الجامع الصحيح من أجل ذلك سماه كتاب الأدب المفرد.
    طلب الدارمي -رحمه الله- كتاب الأدب للإمام البخاري -رحمه الله- فأراد أن ينظر فيه وينظر كيف صنف البخاري كتابه هذا وحبسه عنده ثلاثة أشهر، فلما قال القائل فلما أخذ مني الكتاب هل وجدت فيه حشوًا أو حديثًا ضعيفًا؟ فقال ابن إسماعيل لا يقرأ على الناس إلا الحديث الصحيح، وهل يُنكَرُ على محمد!.
    كلام شيوخ البخاري -رحمه الله- كلام كثير في هذا، وطبعًا إذا كان هذا كلام شيوخه فكيف بأقرانه؟ فكيف بتلاميذه,؟.
    مثل الإمام مسلم بن الحجاج -رحمه الله- صاحب الصحيح: لما سأل البخاري عن علة حديث، وذكرها له البخاري، قال له دعني أقبل قدميك يا أستاذ الأستاذين وطبيب الحديث في علله، أشهد أنه لا يبغضك إلا حاسد. هذا كلام الإمام مسلم -رحمه الله- مع شيخه الإمام البخاري.
    ابن خُزيمة و يعتبر من تلاميذ البخاري ومن أقرانه في نفس الوقت مثل مسلم يقول: [ما أعلم تحت أديم السماء أحدًا أعلم بالحديث وأحفظ من محمد بن إسماعيل البخاري.] هذا فضلاً أو ناهيك عن تلاميذه الآخرين مثل الإمام الترمذي الذي تخرج به.
    ورع الإمام البخاري -رحمه الله- وعبادته وفضله:
    كان -الإمام البخاري_ يقول:[إني لأرجو أن ألقى الله -تبارك وتعالى- ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا.]
    الإمام الذهبي -رحمه الله- علق على كلام البخاري:قال صدق: فمن نظر إلى كلامه في الرواة علم ذلك. لأن البخاري -رحمه الله- كان يستخدم الكلام اللطيف، حتى في الجرح -جرح الرواة، يقول مثلاً في الراوي" فيه نظر"لا يقول "كذاب "مثلاً،" مغفل" أو ما يشبه هذه العبارات التي تشعر بالقوة، في الجرح، أن يقول ليس بثقة -لا- كان قليلاً ما يستخدم هذه العبارات، كانت عباراته على أية حال عبارات رقيقة، أقوى عبارة استخدمها البخاري أن يقول البخاري "منكر الحديث" فكان يقول أرجو أن ألقى الله -عز وجل- وأنه لا يحاسبني أني اغتبت أحدًا.
    إشكال وإيضاحه:
    هل الكلام في رواة الحديث يعد من الغيبة المحرمة؟
    يوجد راوي سيء الحفظ، حفظه ليس مضبوطاً، يمكن يدخل الكلام في بعضه، يدخل الأحاديث في بعضها،الحديث المكذوب يجعله صحيحًا أو يجعل كلام الناس فينسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مثلما,حدث لثابت بن موسى الزاهد
    ضرب الشيخ_ حفظه الله _ مثلاً لراويٍ سيء الحفظ(ثابت بن موسى الزاهد)
    كان ثابت بن موسى الزاهد، رجلاً مغفلاً سيء الحفظ، في ذات مرة من المرات وكان متعبدًا وشغلته العبادة عن حفظ الحديث لأن حفظ الحديث يحتاج إلى مداومة النظر ويحتاج إلى نهمة الطالب وهذا تثبيت الحفظ كما قال البخاري -رحمه الله- فانشغل ثابت بن موسى بهذه العبادة ولم يضبط الحديث، ذات يوم من الأيام ثابت بن موسى الزاهد دخل مسجدًا من المساجد وكان أحد المحدثين واسمه شَرِيك بن عبد الله النَخعي كان يحدث الطلبة بحديث، فقال لهم حدثنا الأعمش عن أبي سفيان -أبو سفيان طلحة بن نافع- عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي قال: وبعد كلمة قال:دخل ثابت بن موسى الزاهد من باب المسجد ، فخاطبه شَرِيك( بيتبسط معه) فقال له "من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار"، يمزح معه يريد أن يقول له أنت وجهك منور وأنت طول الليل أكيد تصلي ، فظن ثابت أن هذا هو الحديث، أن هذا "من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار" هو كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- فخرج من المسجد وجعل يقول حدثنا شريك قال حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال:قال رسول الله "من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار."
    هل قال: النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الكلام؟
    لا لم يقله الذي قال هذا هو شريك، كان يمزح معه، لكنه لم يضبط المسألة لأنه كان سيء الحفظ فجعل كلام شريك من كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام.
    الذي يترتب علي ترك كل راوٍ سيء الحفظ لسوء حفظه.
    فلو تركنا كل راو سيء الحفظ نتركه لسوء حفظه إذاً لضاعت الشريعة كلها، فما كان العلماء يقبلون أي خبر من أي راوٍ من الرواة إلا إذا كان حافظًا ضابطًا وإلا ستضيع السنة كلها،.
    الدور الذي قام به علماء الحديث حيال حفظ السنة.
    1-قام علماء الحديث ونظروا في الرواة الذين نقلوا إلينا الأحاديث وسألوا عن كل راو أهل بلده وأهل العلم، فقيل فلان كذاب أو ثقة أو سيء الحفظ أو ساقط العدالة فكان علماء الحديث يكتبون هذا الكلام ودونوه في كتب. 2- ترتيب كل الرواة الذين رووا الأحاديث على حروف الهجاء، من بدأ اسمه بحرف الألف، من يبدأ أسمهم بحرف الباء، حرف التاء... إلى آخر الثمانية وعشرين حرف.
    3-ويذكرون أقوال أهل العلم في كل راو. بذلوا مجهودًا خارقًا حتى يحفظوا سنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
    فبعض الناس قال: كونك تقول الراوي سيء الحفظ تكون قد اغتبت هذا الراوي، وبدأ يظهر حزب من الأحزاب مضاد لعلماء الجرح والتعديل الذين يقولون في الرواة سيء الحفظ أو مغفل إلى آخر عبارات الجرح.
    قال أحد الشعراء الذي كان يقف لابن معين و لعلماء الجرح والتعديل:
    أرى الخيرَ في الدنيا يقلُ كثيرُهُ
    وينقُصُ نقصًا والحديثَ يزيدُ.
    فلو كان خيرًا كان كالخيرِكُلِهِ
    ولكن شيطانَ الحديثِ مَرِيدُ.
    ولابن معينٍ في الرواةِ مقالةٌ
    سيُسألُ عنها والمليكُ شهيدُ
    فإن تكُ حقًا فهي في الأصلِ غِيبةٌ
    وإن تكُ زورًا فالقِصاصُ شَدِيدُ

    يشير بآخر هذا الكلام إلى حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-( لما سُئِلَ فقيل يا رسول الله ما الغيبة؟ قال الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، قال أرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) وبهته من البهتان_ أي الكذب_إذاً معني الحديث هذا أن كل علماء الجرح والتعديل دخلوا في باب الغيبة، لأنه العالم قال أن فلان هذا سيء الحفظ وهو كان فعلاً سيء الحفظ، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال (فإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته).
    كيف نخرج من هذه المسألة؟
    لأن هناك أحاديث للنبي -عليه الصلاة والسلام- وصف بعض الناس بما فيه وكان قدحًا كما في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت( استأذن رجل على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال بئس أخو العشيرة، أو قال بئس رجل العشيرة، فلما دخل الرجل ألان النبي له الكلام وأجلسه)ثم بعد انصراف الرجل, استشكلت عائشة هذا. (قال بئس أخو العشيرة) أي ذمة وسبه فلما دخل عليه ألان له الكلام، كيف يحدث هذا فحدث عندها استشكال فسألت رسول الله قالت: يا رسول الله قلت ما قلت وصنعت ما صنعت -قلت فيه كلامًا شديدًا وصنعت فيه معروفًا واستعملت اللطف وحسن الخلق معه.
    فقال( يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من يُتقى لفحشه)
    إذا عندنا حديثان ظاهرهما التعارض. (..ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته)، الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال (بئس أخو العشيرة) أليس هذا حق؟ نعم حق. فهذا على مقتضى الكلام الأول يعتبر غيبه! قال: لا. كيف ذلك إذاً وفق لنا بين الأحاديث، وهل هناك تعارض بين الحديثين؟لا.
    الأوجه التي تجوز فيها الغيبة.
    بعض العلماء وهو الإمام محمد بن عوجان المالكي وهو أحد تلاميذ الحافظ بن حجر العسقلاني صاغ الأوجه التي تجوز فيها الغيبة في بيتين من الشعر رائقين
    "القدحُ ليس بغِيبةٍ في ستةٍ. أي إذا ذكرت أخاك بما يكره لا يكون غيبة محرمة في ستة أشياء . يقول
    القدحُ ليس بغِيبةٍ في ستةٍ

    متظلمٍ ومُعَرِفٍ ومُحَذِرِ

    ومُجَاهِرٍ فسقًا ومستفتيٍ

    ومن طلب الإعانَةَ في إزالةِ مُنكَرِ"


    جرح الرواة أن تقول هذا فيه كذا وهذا صفته كذا يدخل تحت قوله (ومُعَرِفٍ) أن أعرف هذا الراوي بأنه سيء الحفظ أو أنه ليس أهلاً للرواية، هذا ليس بغيبة، لأنه ضرب من النصيحة،.
    إنما الغيبة ما قصدت به هضم حق المجروح، وأنك تُنزل منه.:
    مثل ما حدث من عائشة -رضي الله عنها- (دخلت صفية أو زينب على النبي فقالت عائشة للنبي حسبك منها أنها قصيرة، فقال -عليه الصلاة والسلام لها- لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) _أي لغيرت طعمه_ولما استطاع الناس أن ينتفعوا به. فهذا وصف، لكن عائشة -رضي الله عنها- قصدت أن تنتقص بهذا الوصف صفية أو زينب؛.
    بخلاف ما إذا قال عالم الحديث أن هذا كذاب أو أن هذا سيء الحفظ أو أن هذا مختلط، الذي دفعه إلى ذلك هو صيانة حديث رسول الله أن يدخل منه ما ليس فيه،.
    فجرح الرواة لا يعد من الغيبة المحرمة بإجماع أهل العلم،.
    لم يختلف أحد من أهل العلم الذين يرجع إلى قولهم في أن هذا إنما هو داخل في باب النصيحة وليس داخلاً في باب الغيبة المحرمة.
    لكن الإمام البخاري -رحمه الله- كان يستخدم العبارات اللطيفة في مثل هذا ولا يستخدم العبارات القوية مثلما يستخدمها بقية الأئمة من شيوخه ومن أقرانه.
    يقول محمد ابن أبي حاتم الوراق عن البخاري: ما اغتبت أحدًا قط منذ علمت أن الغيبة تضر بأهلها. أي أن يقصد تنقيص المغتاب، لكن الكلام في رواة الحديث كما قلنا ليس من هذا الضرب.
    قال أبو جعفر الوراق: وكان أبو عبد الله يصلي في وقت السحر ثلاثة عشرة ركعة وكان لا يوقظني في كل ما يقوم فقلت أراك تحمل نفسك شيئًا كثيرًا في هذا ولم توقظني، قال أنت رجل شاب ولا أحب أن أفسد عليك نومك.
    قال غُنجار: وغُنجار هذا له كتاب اسمه تاريخ بخارى، ذكر فيه ترجمة للإمام البخاري -رحمه الله- قال:" كان محمد بن إسماعيل يصلي ذات ليلة فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة فلما قضى صلاته قال: انظروا أي شيء آذاني".
    الإمام البخاري كعادته كان يستعمل الحديث في العبادة.: لم يكن مجرد رجل يجمع الأحاديث وكان منفصلاً عنها -لا- وهذا كان ديدن علماء الحديث الذين جعل الله _سبحانه وتعالي_ لهم لسان صدق في الأمة، كانوا يتدينون بالحديث.
    الإمام أحمد بن حنبل كان كلما كان يروي خبر من الأخبار كان ينفذه. حتى جاء على الحديث أن أبا طيبة الحجام حجم النبي فدعي أحمد بن حنبل بالحجام فحجمه فأعطاه أجره حتى يتأسى بالنبي مع أنه لم يكن له حاجة للحجامة.
    فكان الإمام البخاري -رحمه الله- يستعمل الأخبار التي كان يرويها، في حياته، وهذه بركة العلم.
    كما قال مجاهد بن جبر -رحمه الله-" ليس العلم بكثرة المسائل ولكن العلم الخشية" أي أن هذا العلم ينبغي أن يحملك على أن تخشى الله -تبارك وتعالى.
    اجتهاد أصحاب رسول الله في العبادة:
    هناك في الصحابة من فعل مثلمحمد بن إسماعيل وصبر علي لسعه الزنبور سبع عشرة وخبره خبر عجيب جدًا رواه الإمام أحمد بن حنبل وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن جابر -رضي الله عنه-
    فذكر أن النبي أغار على قوم من المشركين ثم أسروا امرأة رجل من المشركين فلما جاء صاحب المرأة -زوج المرأة من المشركين- أين امرأتي قالوا له أن المسلمون أغاروا علينا وأخذوا زوجتك فأقسم الرجل ليُريقنَ في أصحاب رسول الله دمًا، بدأ يبحث أين ذهب المسلمون،ليستنق ذ المرأة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- وصل إلى مكان من الأماكن و عرس الجيش، فقال النبي من يكلأنا الليلة -أي يحرسنا - فقام رجلان( رجل مهاجري ورجل أنصاري) في رواية خوات بن جبير عند البيهقي في دلائل النبوة أن الأنصاري (كان عباد بن بشر) والمهاجري (كان عمار بن ياسر) فقال الأنصاري عباد بن بشر لعمار بن ياسر تكفيني أول الليل وأكفيك آخره وإلا تكفيني أخره وأكفيك أوله، قال عمار بن ياسر اكفيني أول الليل، نام عمار بن ياسر وقام عباد بن بشر يصلي، وهو يصلي وصل الرجل المشرك صاحب المرأة وجد واحدا واقفاً ووجد خيام عرف أنه النبي مع الصحابة والذي يقف هو الحارس الذي يحرس المسلمين، عرف هذا المشرك أن هذا الواقف هو ربيئة القوم -أي طليعته- والذي يقوم على حماية الجيش، كان مع المشرك السهم والنبل فضربه بسهم، فوقع في رجل عباد بن بشر فانتزعه عباد ورماه وأكمل صلاته فضربه بسهم ثانٍ فانتزعه ورماه ولم يقطع الصلاة فضربه بسهم ثالث فانتزعه ورماه ثم ركع، وأيقظ المهاجري عمار بن ياسر الذي كان ينام بجانبه فلما استيقظ عمار إذا عباد بن بشر يموج دمًا، فعندما عرف المشرك أنه أيقظ من بجانبه وأنهم سيتبعونه فهرب، فعمار بن ياسر يقول له، أو المهاجري يقول له يرحمك الله هلا أيقظتني عندما رماك قال والله لولا أنني على ثغر من ثغور المسلمين وأخشى أن يضيع أو أن أضيع الأمانة، لأن النبي قال من يكلؤنا؟ فالمفروض أنه لا ينشغل بالصلاة عن حماية المسلمين، لكنه ما أحب أن يقف بل أراد أن يصلي وإذا استدعى الأمر أنه يمكن يخرج من الصلاة أو أنه يتمها سريعًا لولا أنني على ثغر من ثغور المسلمين أخشى أن أضيعه فوالله ما خرجت من صلاتي حتى لو تقطعت نفسي. فهذا الصبر الذي يمكن أن يصبره الإمام البخاري على لدغ هذا الزنبور أعتقد أنه أخذه من مثل حكاية جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما.
    يقول محمد بن أبي حاتم الوراق: ركبنا إلى الرمي، كان العلماء قديماً يتعلمون الرمي، لأنهم كانوا يرابطون على الثغور برغم أن دولة الإسلام كانت منتشرة وما كان هناك عدو يستطيع أن ينظر إلى المسلمين مجرد نظرة، لكن وردت أحاديث كثيرة في فضل الرباط، أنك تأتي على الثغور المتاخمة للعدو وتذهب بنية الرباط فكان علماء الشريعة جميعًا يذهبون إلى هذا الرباط ويظل بالأيام الطويلة أو الأشهر الطويلة ويرجع إلى بيته ثم يرجع إلى الثغور وهكذا.
    بعض العلماء كابن المبارك رابط عشرين سنة: ليس معني ذلك أنه ظل مرابطاً عشرين سنة ولكنه يذهب ويرجع يذهب مثلاً أسبوع ويرجع ثم بعد شهر يرجع أسبوع وهكذا أي على مدار عشرين عامًا كان يرابط.
    فكانوا يتعلمون الرمي حتى إذا جد الجد يستطيعون أن يدافعوا عن بيضة الإسلام.
    مايدل علي أن الإمام البخاري كان يتدين بما وصله من العلم.
    يقول محمد بن أبي حاتم الوراق: أنهم خرجوا إلى الرمي مرة مع الإمام البخاري والإمام البخاري كان ماهرًا في الرمي، كان هناك قنطرة على نهر والقنطرة مثبته بأوتاد فالإمام البخاري يضرب بسهمه فوقع في وتد القنطرة فأخل به، فعندما حدث ذلك ترك الرمي وقال :لمحمد بن أبي حاتم الوراق اذهب إلى صاحب القنطرة فقل له إما أن نرفع الوتد ونضع وتداً مكانه وإما أعطيك غرامة ما أفسدت، كان صاحب القنطرة ( اسمه حميد بن الأخضر) فلما ذهب محمد بن أبي حاتم الوراق لحميد بن الأخضر يخبره بما قاله الإمام محمد بن إسماعيل ضرب وتد القنطرة وأخل به ويريد أن يدفع عوض عن هذا فوجد حميد بن الأخضر في نفسه وقال ما كنت أتمنى أن البخاري يحتشمني في وتد، فإن كل ملكي فداءً له والله ولو قلت نفسي لكذبت لكن كل مالي فداءً لمحمد بن إسماعيل البخاري،.
    فعندما وصل هذا الكلام للإمام محمد بن إسماعيل البخاري فمن سروره بسقوط المظلمة حدث الغرباء بخمسمائة حديث وتصدق بثلاث مائة درهم مع أن إصلاح الوتد قد لا يتكلف ثلاث مائة درهم كان ممكن يصلحه أو كان ممكن البخاري لا يخرج الصدقة، لكن إمام يتدين بما وصله من العلم ويعلم أن المفلس يوم القيامة يأتي بصلاة وصيام وحج وسائر أعمال البر لكنه يأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا وسفك دم هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت أخذ من سيئاتهم ثم طرحت عليه ثم طرح في النار، كما قال رسول الله -، .حدثهم بخمسمائة حديث، فهذا يعتبر الغنيمة الباردة بالنسبة لطلبة الحديث،
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    مايدل علي أن بعض علماء الحديث كان عسيرًا في الرواية من باب تربية الطالب.
    كان بعض علماء الحديث لا يعطي الحديث للطالب إلا وتكاد روحه أن تخرج مثل الأعمش -رحمه الله- سليمان بن مهران الأعمش وكان من تلاميذه شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وزهير بن معاوية وهشام الدستوائي، جماعة من الكبار فطاحل،.يذكر الخطيب البغدادي في كتاب شرف أصحاب الحديث:أن الأعمش اشترى كلبًا لأصحاب الحديث، عندما يسمع دبيب أرجلهم ناحية البيت يطلق الكلب عليهم فتصور شعبة لما يجري أمام كلب أو سفيان الثوري,هم يجرون أمام الكلب والكلب يرجع ويدخل البيت فيعاودون الكرة مرة أخرى ويرجعون يطلع عليهم الكلب وهكذا، في يوم من الأيام اقتربوا من البيت بحذر حتى لا يخرج عليهم الكلب فهجموا عليه في داره، فلما رآهم بكى، قالوا ما يبكيك يا أبا محمد، قال مات الذي كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
    الأعمش حديثه يملأ دواوين السنة.لكنه كان عسيرًا من باب تربية الطالب، حتى قال له مرة رجل يا أبا محمد (الأعمش) حديث كذا وكذا ما إسناده فأخذ بحلقه ولزقه في الحائط وقال هذا إسناده.
    وذات مرة تلميذه أبو بكر بن عياش قالوا له يا أبا بكر حدثنا بحديث قال لهم اختاروا السند أو المتن فقالوا له أنت عندنا إسناد، فقال لهم كان إبراهيم يدحرج الدن._الدن _شيء مستدير فشح عليهم أن يعطيهم ما ينفعهم،.
    كان خطه عند بعض علماء الحديث أن يكون عسيرًا في الرواية ولا يكاد يحدث بالحديث إلا بشق الأنفس، وطبعًا لهم في باب التربية كلام في هذا.
    فكون البخاري -رحمة الله عليه- من باب الشكر لله -عز وجل- وأنه خرج من هذه المظلمة، وتد! وما قصد البخاري عامدًا أن يفسد هذا الوتد، إنما سهمه الذي ذهب إلى الوتد وكان ممكن يصلحه ومع ذلك فرحًا بخروجه من المظلمة وأنه لا يسأل عنها يوم القيامة حدث بخمسمائة حديث ثم تصدق بثلاث مائة درهم.
    قال محمد بن أبي حاتم الوراق :وكان البخاري يركب إلى الرمي كثيرًا فما أعلمني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمه أبدًا إلا مرتين، فكان يصيب الهدف في كل مرة وكان لا يُسبَق. كان موجود عند العلماء مسألة الرمي، مسألة الجري مسألة العدو،كان ينفع في القتال آنذاك.
    ما يدل علي أدب الإمام الشافعي -رحمه الله-
    والإمام الشافعي كان مشهورًا أيضًا بالرمي كما حكاه عمرو بن سواد، عمرو بن سواد أحد شيوخ مسلم. يقول: عمرو بن سواد قال لي الشافعي كانت نهمتي في الرمي وفي العلم، أما الرمي فكنت أصيب فيه عشرة من عشرة ثم سكت.لم يرض يتكلم عن العلم. فقال عمرو بن سواد والله إنك لفي العلم لأكبر منك في الرمي. وهذا يدل علي أدب الإمام الشافعي -رحمه الله- أنه لم يذكر شيئًا من العلم لأنه لا يصح للمرء أن يمدح نفسه في العلم، بل العالم حقًا هو الذي يدع الناس يحكمون عليه ويحكمون على علمه.
    قال محمد بن أبي حاتم الوراق وأملى علي البخاري ذات يوم حديثًا كثيرًا فكأنه أحس أنني مللت، فقال له فإن أصحاب التجارة في تجارتهم وأصحاب الملاهي في ملاهيهم وأنت مع رسول الله وأصحابه، قال فحفزني.
    مايدل علي سماحة نفس الإمام البخاري رحمه الله.
    أما سماحة نفس الإمام البخاري فهذا خبر غريب جدًا، يتلخص في أن رجلاً اقترض من الإمام البخاري خمسة وعشرين ألف درهم، ثم أخذ الدراهم ومشي، فالبخاري أرسل له لايرد عليه، فالبخاري كان في بلد اسمها فرابر، وفي بلد اسمها آمل بجانب فرابر، فوصل للإمام البخاري أن من اقترض منه نزل في آمل، فقال من كان حول البخاري , نكتب إلى عامل آمل (المحافظ) يأتي لك بهذا الرجل ، فقال لهم لا إنني إذا كتبت إليه كتابًا طلب مني في مقابله كتابًا آخر،ولا أبيع دنياي بديني.
    فائدة : الباء تلحق دائمًا بالمتروك، مثال ذلك : يقول" استبدلت الثوب القديم بثوب جديد،" هذا خطأ والصحيح أن تقول:" استبدلت الثوب الجديد بثوب قديم ",لأن الباء باء الاستبدال تُلحَق دائمًا المتروك الذي تركته الثياب القديمة فالمفروض إن الباء هذه تلتحق بالشيء الذي تركته أنت،.
    كما قال تعالى ﴿وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ﴾ .. (النساء2)هل تركوا الخبيث أم تركوا الطيب إنما تركوا الطيب, لذلك التحقت الباء بالمتروك.
    وكما قال الله تعالى ﴿أَتَسْتَبْدِلُو نَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ﴾.(البقرة61) مالذي تركوه؟ تركوا الخير -المن والسلوى- فالتحقت الباء بالمتروك.
    فالبخاري يقول أنا لا أبيع دنياي بديني. خشي الإمام البخاري أنه إذا كتب شفاعة للأمير أن الأمير في يوم من الأيام يطلب منه مايقابل هذه الشفاعة وهذه نفعت الإمام البخاري في بحث محنته الذي سنذكره إن شاء الله تعالى بعد ذلك.
    ثم يكمل فضيلته مايدل علي سماحة نفس الإمام البخاري : ثم قال لهم أنه لا يحل لي أن أروع مسلمًا، الإمام البخاري -رحمه الله-استعمل الأخلاق النبوية والوساطة النبوية في مثل هذا، كما رواه أبو داوود والإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب رسول الله أنهم كانوا في مسير معه -عليه الصلاة والسلام-ثم ارتاحوا، فنام رجل منهم وكان له نبل، قال فأخذنا منه نبله وهو نائم، فلما استيقظ ولم يجد نبله فزع، فقال فضحكنا، فقال -عليه الصلاة والسلام- مم تضحكون؟ قالوا يا رسول الله لا إلا أنا أخذنا نبله وهو نائم فلما استيقظ فزع، فقال إنه لا يحل أن يُروَع مسلم.
    الإمام البخاري حياته كلها مثل سائر الأئمة الكبار الذين جعل الله لهم لسان صدق في الأمة كانوا يستعملون الأخبار، كل شيء عنده إنما يستعمله بدليل، كانوا يتدينون بهذا العلم لذلك عزوا وسادوا.
    أبى الإمام البخاري أنه يلاحق الرجل المدين بسبب شيئين:
    السبب الأول: أنه لو كتب كتاباً لهم ستكون له بمثابة كسر العين وذلك كي يظل طوال عمره إنسان فاضل ليس لأحد جميل عليه لذلك يبتعد عنهم .
    علماء السلف في مسألة قربهم من السلطان كان لهم مذهبان:
    1-فطائفة تقول لا يجوز :لأحد أن يقرب من الوالي أو الأمير وكان سفيان الثوري مثلاً -أحد رأس هذه الطائفة- يقول:" إذا رأيت العالم عند الأمير فاعلم أنه لص" وكان يقول:" إذا دعاك الأمير لتقرأ عليه ﴿قل هو الله أحد﴾ فلا تذهب،"
    وكان من هذا الدرب محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، و عبد الله بن المبارك -رحمه الله- وله أبيات شهيرة في ذلك، كان يقول فيها:
    إن الملوك بلاءٌ حيثما حلوا
    فلا يكن لك في أكنافهم ظِلُ.
    ماذا تؤملُ من قومٍ إذا غضبوا
    جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
    فاستغن بالله عن دنياهم ُأبدًا
    إن الوقوفَ على أبوابهم ذلُ.


    2-وعلى المقابل كان هناك أئمة آخرون: يرون أن القرب من الأمير بركة وخير لأنه إذا لم يغلب على الأمير أهل الفضل والديانة غلب عليه أهل الفسق والفجور، والأمير إنما ينصت إلى قول البطانة دائمًا، فإذا كانت البطانة خيرة كان الأمير خيرًا، وإذا كانت البطانة سيئة كان الأمير على مثل ذلك، ومن هذه الطائفة الإمام مالك والإمام الأوزاعي والإمام الشافعي رحمة الله على الجميع.
    ضابط المسألة: إذا كان المرء يعلم من نفسه أنه إن اقترب افتتن وبدل وغير فهذا لا يحل له أن يقترب لسلامة نفسه إذا وافى ربه يوم القيامة، أما إذا كان يعلم أنه لا يبدل ولا يغير ولا يغتاط بشيء من دنياهم ويستطيع أن يسدد الأمير في النصيحة فهذا لا بأس به أن يقترب من الأمير.
    فالإمام البخاري -رحمة الله عليه- لما رفض هذا كتبوا من ورائه كتابًا إلى (محافظ خوارزم) الذي كان الرجل عندما عرف البخاري قريب منه هرب لبلد بعيد فهم عرفوا أنه ذهب للمكان الفلاني وقالوا له أن هناك رجل أخذ دينًا من محمد ابن إسماعيل وهرب به واقبض عليه، فعلاً قبضوا عليه، فلما علم البخاري -رحمه الله- وجد وجدًا شديدًا وغضب جدًا وقال لا تكونون أشفق علي من نفسي وذهب عند الأمير وأطلق هذا الرجل الغريب وصالحه على أن يدفع في السنة عشرة دراهم. يقول محمد بن أبي حاتم الوراق ولم يدفع هذا الرجل لا قليلاً ولا كثيرًا . الإمام البخاري يترجم بهذا الحديث ما رواه هو في صحيحه وكذلك رواه مسلم معه أيضًا من حديث حذيفة بن اليمان عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال (تلقت الملائكة روح رجل لم يعمل خيرًا، فقيل له: ماذا عملت؟ قال: ما عملت شيئًا غير أنني كنت ذا مال، وكنت أداين الناس - يقرض الناس المعسرين- فكنت أرسل فتياني فأقول لهم أنظروا الموسر وتجاوزا عن المعسر، فتجاوز الله عنه."
    وفي حديث أبي مسعود ألبدري عند مسلم والترمذي وغيرهما في هذا الباب قال الله -عز وجل-" أنا أحق بهذا منك، تجاوزا عنه." .
    وكذلك رواه الشيخان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-فهذا لا يكون إلا من سماحة النفس.
    نصيحة وجهها الشيخ _حفظه الله_ لأصحاب الأموال.
    نقول لإخواننا من أصحاب الأموال إذا أقرضت رجلاً أو إذا اشترى منك شيئًا فأعسر فأنظره إذا لم تطب نفسك أن تتجاوز عنه أنظره وإن تجاوزت عنه كان ذلك في رصيدك، أنت يمكن عندما تأخذ الأموال من الرجل المعسر وتضمها إلى أموالك الورثة يأخذوها، لكنك إذا تجاوزت عنه وكنت عندك نية أن تتجاوز عنه كان ذلك في رصيدك لم يشاركك فيه أحد من الناس قط.
    ماتولي الإمام البخاري -رحمة الله عليه-بيعاً ولاشراءاً قط.
    ويقول الإمام البخاري -رحمة الله عليه- ما توليت شراء شيء ولا بيعه قط فقلت له كيف وقد أحل الله البيع؟ قال لما فيه من الزيادة والنقصان، فخشيت إن توليت أن أستوي بغيري، فقلت من كان يتولى ذلك؟ قال: كنت أُكفي ذلك.
    كلام الإمام البخاري هذا يحتاج إلى وقفة. البيع والشراء فيه نوع من الفصال. أنت رجل إمام مشهور معروف، عندما تذهب للشراء فتدور بينك وبين البائع ملاحاة في الثمن فيبيع لك بأي ثمن، لأنه يريد البيع صادف أنك تخطب جمعة أو تعطي درساً وهذا الرجل رآك ويمكن تكون تتكلم أنت عن السماحة في البيع والشراء ، أو عن طيب النفس يقول هذا الرجل الذي أتعبني وأخذ مني البضاعة واستطاع أن يغلبني فيقع هذا الكلام موقعًا سيئًا في نفس المستمع.
    العلم لايصل إلا بحشمة.
    العالم يترك كثيرًا من المباحات حتى تظل حشمته كما هي، لأن العلم لا يصل إلا بحشمة،لابد أن يكون العالم محترم كي يصل العلم.لا بد أن يكون فقيه النفس يبتعد عن كثير من المباحات برغم أنها مباحة لأنها تؤثر في حشمته.
    ماجعل الإمام البخاري رحمه الله لايتصدر للبيع والشراء:
    رأى الإمام البخاري -رحمة الله عليه- أن التصدر للبيع والشراء والفصال في البيع والشراء يستوي فيه حينئذ مع غيره، فأراد الإمام ألا تنقص شيء من حشمته فجعل غيره هو الذي يتولي مسألة البيع ومسألة الشراء. يعني لله در الإمام البخاري -رحمه الله- ما كان أفقهه.
    العالم كثيرا ما يمر بمشاكل مالية، لأنه ينفق ,كل ما يملك في طلب العلم. الإمام البخاري والده كان رجلاً تاجرًا وكان رجلاً غنيًا، يوم نام على فراش الموت -والد الإمام البخاري- دعى محمدًا ولده - البخاري- وقال له يا بني إني تركت لك ألف ألف درهم. مليون درهم، ما أعلم درهمًا فيه شبهة الذي وصل والد البخاري لهذه المرتبة وأن ماله حلال أنه كان دائمًا بجوار أهل العلم، كان يحضر دروس مالك وحماد بن زيد وعبد الله بن المبارك وهذه الطبقة، كلما عن له شيء في البيع كان يسأل أهل العلم، فالمخالف للشرع كان يسقطه وإلا فقد الصفقة كلها.
    الإمام البخاري كان له أخ اسمه أحمد، هما الاثنين ورثوا المليون درهم، أنفق البخاري هذا المال كله في طلب العلم حتى أنه في يوم من الأيام أفلس ولم يجد ثيابًا يلبسها.
    يقول محمد بن أبي حاتم الوراق سمعت البخاري يقول: خرجت إلى أدهم بن أبي إياس فتخلفت عني نفقتي فجعلت أتناول الحشيش -حشيش الأرض لأنه لا يجد طعامًا يأكله- ولا أخبر بذلك أحدًا فلما كان اليوم الثالث أتاني آت لم أعرفه فناولني صرة دنانير وقال أنفقه على نفسك.
    مسألة الفقر وشهرتها عند أهل العلم:
    مسألة الفقر والورطة كانت مشهورة عند أهل العلم جميعًا، قل عالم إلا وأفلس، كل هذا بسبب أنه كان ينفق في رحلاته الطويلة إلى البلدان المختلفة ليلقى أهل العلم، كان ينفق كل ما معه، وبعض العلماء كاد أن يموت كأبي حاتم الرازي وله قصة عجيبة غريبة لعلنا نذكرها إذا جاء وقت نتكلم فيه عن رحلة أهل الحديث وبذلهم أنفسهم في طلب الحديث.
    قصة لطيفة في الفقر الشديد( قصة قاضي المارستان، اسمه محمد بن عبد الباقي الحنبلي)
    يحضرني الآن قصة لطيفة في الفقر الشديد الذي يقع فيه أهل العلم، ومع ذلك على مقتضى قانون العلم يجب عليهم أن يصبروا، هي قصة قاضي المارستان، اسمه محمد بن عبد الباقي الحنبلي، يقول محمد بن عبد الباقي الحنبلي أنه ظل في مكة حتى نفدت نفقته ثم جاع ولم يجد شيئًا قط ينفقه، خرج في الشوارع من شدة الجوع، وإذا به يجد صرة من الحرير ففتحها فوجد فيها عقداً أخذ الصرة وذهب إلى البيت، وهو جالس في البيت سمع مناديًا ينادي من وجد صرةً لونها كذا وكذا فله خمسين دينارًا. هو مفلس المهم خرج للرجل، قال له صف لي الصرة، قال له لونها كذا والخيط المشدودة به لونه كذا وفيها عقد فأعطى له الصرة، قال له هذه صرتك، فأحب أن يعطي له خمسين دينار فأنف أن يأخذ منه شيئًا وقال إنما يجب أن أبذل لك حقك بغير عوض، هذا حقك وهذه لقطة وأنا أمين عليها، فلم يستحل أن يأخذ من ماله شيئًا، ودخل بيته .
    المهم ضاقت عليه القصة في مكة تمامًا، فركب البحر كي يذهب بلد أخري لعله يجد فيها سعة، الريح جاءت ضد المركب، فأصبحوا كالتائهين في البحر، غرق المركب وانكسر فتعلق بلوح، وهو بين الحياة والموت إلي أن رمي به الموج على الشاطئ وليس فيه حركة،.
    بدأ يزحف على يديه ورجليه وجد مسجداً جلس بداخله ، فدخل رجل من أهل البلد، سأله هل تعرف تقرأ قرآن؟ قال له نعم. قال له ستكون إمامنا ثم في يوم من الأيام وجدوه يكتب،فسألوه هل تعرف الكتابة فأجابهم بالإيجاب فطلبوا منه تعليم أولادهم ويعطوه على ذلك أجرًا. قال فتمولت- صار عنده مال_. قالوا له حيث أنك أصبحت من أهل البلد ولن نفرط فيك و عندنا بنت يتيمة نريد نزوجها لك، وغصبوا عليه أنهم يزوجونها له، كي يقيم معهم في البلد، المهم في يوم الزفاف،جالس بجوارها فسلط بصره على صدرها، فبكت البنت, وقالت لا يرفع عينه عن صدرها، إنه لا يريد أن ينظر إلي، إنما ينظر إلي صدري، فقالوا له يا أخي كسرت قلب اليتيمة، لماذا لانتظر لها؟ قال إن لهذا العقد قصة، هذا العقد الذي كان داخل الصرة, فصاح الناس وكبروا وقالوا إن والد هذا الفتاة كان يقول اللهم لقني بالذي وجد العقد لأزوجه ابنتي، لما رأى أمانة محمد بن عبد الباقي قاضي المارستان كان يتمنى أن يلتقي به مرة أخرى ليزوجه ابنته وكان أمر الله قدرًا مقدورًا.
    معاناة العلماء وإفلاس العلماء مسألة من المسائل الشهيرة،قل أن تجد عالمًا إلا وأفلس. أحيانًا كان يضطر العالم أن يبيع الكتاب، وطبعًا الكتاب مثل ابن من أبنائه العالم.
    أبو الحسن ألفالي وبيع كتبه بسبب الفقر:
    وأذكر من الذين باعوا كتبهم بسبب الحاجة أبو الحسن ألفالي علي بن أحمد بن علي بن سلَّك ألفالي وكان عنده نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد وكانت في غاية الجودة والإتقان، أفلس فاضطر أن يبيع هذا الكتاب بستين دينارًا، لكن كتب على جلدة الكتاب من ج الداخل ه
    أنستُ بها عشرين حولاًَ وبعتُها
    فقد طال شوقي بعدَها وحنيني.
    وما كان ظني أنني سأبِيعُها
    ولو خلدتني في السجون ِديوني .
    ولكن لضعفٍ وافتقارٍ وصبيةٍ
    صغارٍ عليهم تستهل شئوني.
    فقلت ولم أملك سوابق عَبرةٍ
    مقالةَ مكوي الفؤاد حزين
    وقد تخرج الحاجات يا أم مالك
    كرائم من رب بهن ضنين.

    كتب هذه الأبيات التي يتفجع بها على النسخة التي كان يحتفظ بها. الذي اشترى النسخة الشريف المرتضى -كما ذكر ابن خليكان في وفيات الأعيان- وأثناء فتحة للجلدة الجلدة وجد ماكتبه أبو الحسن ألفالي في رئاء لحاله وللنسخة، عندما قرأ هذه الأبيات أخد النسخة وأرجعها لأبي حسن ألفالي وأعطاه الستين دينار.
    إملاق أهل العلم وفقرهم مسألة موجودة تقريبًا عند سائر أهل العلم الكبار وذلك بسبب أنهم كانوا ينفقون أموالهم في الرحلة، ليس لأنهم كانوا فقراء -لأ- لكن مؤنه العلم شديدة,لو أن رجلاً أراد أن يكون لنفسه مكتبة محترمة - الحد الأدنى من الكتب، كي يأتي بما يريد في كل فن من الفنون مجموعة من الكتب أقل مبلغ يمكن أن يدفعه الإنسان مائة وخمسين ألف جنيه عشان يعمل مكتبة محترمة، ويبقى عنده كتب كثيرة جدًا لا يستطيع الإتيان بها لكنه إذا توسع يعني وأحب يعمل مكتبه أكثر احترامًا وإن لم يأت بكل الكتب ممكن يكون ضعف هذا المبلغ.
    يحث فضيلة الشيخ علي كفالة طالب العلم.
    ما ينبغي للمسلمين لاسيما الأغنياء أن يكفلوا طلاب العلم وأن يكفوهم مؤنه الحاجة وأن يشتروا لهم الكتب ، ذكرت لكم أن بعض الكتب مثل سير أعلام النبلاء أو تأديب الكمال للمزي ثمنه أكثر من ألفين جنيهاً، مسند أحمد بألفين ومائتي جنيه، مسند أحمد كتاب واحد فقط، سير أعلام النبلاء في قرابة ألف وتسعمائة جنيه، فتح الباري أقل نسخة النسخة تتجاوز المائة وثلاثين جنيهًا أو مائة وأربعين جنيه. فالكتب أمرها صعب جدًا.
    فالعلماء القدامى كان أموالهم تنفق إما على الرحلة، وهذا كان غالب ما ينفق على الرحلة في طلب الحديث، أو على استئجار النساخ أو على شراء الكاغد _ الأوراق_ وشراء الأحبار وهكذا.فما من عالم إلا وله في هذه المسألة شيء يقال.
    الكلام عن البخاري كلام كثير جدًا، لكن أنا أريد أن آتي بحكاية واحدة فقط ثم ندخل في محنة البخاري، لأن ما من عالم إلا وله محنة من المحن، أي عالم رباني لازم تجد له محنة من المحن، فقبل ما أدخل في هذه المسألة أذكر شيئًا من سماحة الإمام البخاري
    مايدل علي سماحة نفس الإمام البخاري_ رحمه الله_ .
    -من سماحة نفسه، والذي حكي هذه المسألة أبو جعفر الوراق هو تلميذ الوراق ووراقه وناسخه، أبو جعفر الوراق ذكر مرة أمام البخاري أنه يريد أن يشتري بيت، فالبخاري قال له ينبغي أن تذهب إلى فلان ماسك أموال البخاري وتأتي منه ألف درهم، فذهب فأتي بألف درهم، فقال له وهو يمليه، قال له أنا أريد أطلب منك شيء قال له تقبلها! قال نعم ونعمى عين، قال له خذ الألف درهم هذه واستعن به على شراء الدار وسامحني واجعلني في حل، قال له لماذا ؟ قال له إني قرأت خبر سعد وعبد الرحمن، وكان ينبغي أن أقاسمك شطر مالي فسامحني واعذرني لأنني قصرت في هذا. ماهو خبر سعد وعبد الرحمن؟
    خبر سعد وعبد الرحمن. البخاري -رحمة الله عليه- رواه في صحيحه من وجهين،:
    الوجه الأول:عن عبد الرحمن بن عوف في كتاب البيوع، ورواه في مناقب لأنصار ورواه من حديث أنس بن مالك وكرره من حديث أنس في أحد عشر موضعًا من صحيحه،:
    خلاصة الخبر:
    هذا أن النبي لما دخل المدينة فآخى بين المهاجرين والأنصار، فكان من الذين آخى بينهما سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف، سعد ين الربيع أنصاري، عبد الرحمن بن عوف مهاجري، و المهاجرين تركوا ديارهم وأموالهم وخرجوا مهاجرين في سبيل الله -عز وجل-، الأنصار كانوا في بلادهم وفي حاضرتهم. فلما آخى النبي بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف، قال سعد لعبد الرحمن أنا أكثر أهل المدينة مالاً فخذ شطر مالي وعندي زوجتان فانظر إليهما واختر أعجبهما إليك أطلقها لك فإذا انقضت عدتها تزوجتها. هذه سماحة عجيبة، لأن ليس من طبيعة العرب أنهم يتنازلوا، واحد يتنازل عن عرضه وإلا يتنازل عن امرأته ، فقال له عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق).
    بقدر إكباري بسماحة سعد كان إكباري لنبل عبد الرحمن.
    ذهب عبد الرحمن بن عوف إلى السوق فما هو إلا أيام حتى استطاع أن يجمع شيئًا ذا بال من المال، لم يمر عدة أيام بعد ذلك إلا ولقيه رسول الله في بعض الطريق، النبي لقي عبد الرحمن بن عوف وعليه أثر صفرة، فقال مهيم يا عبد الرحمن -مالحكاية _ فقال تزوجت يا رسول الله. هذا الكلام في خلال شهر مثلاً (تزوجت يا رسول الله، فقال له -عليه الصلاة والسلام- بكم أصدقتها(أمهرتها) قال أصدقتها نواة من ذهب، فقال له أولم ولو بشاة) عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- كان إذا تاجر في التراب ربح من البركة.
    فالإمام البخاري يقول لابن أبي حاتم الوراق الصحيح أنني أقسم معك مالي كما فعل سعد بن الربيع مع عبد الرحمن بن عوف. المهم القصة الحقيقة طويلة، وفي الآخر محمد بن أبي حاتم الوراق أبى أن يأخذ هذا المال ورده للبخاري، فالبخاري -رحمة الله عليه- قال له حيث أنك رددت المال إليَّ فلا أقل من أن تقبل مني ثلاثمائة درهم كنوع من المواساة.
    محنة الإمام البخاري -رحمة الله عليه.
    نأتي أخيرًا إلى المحنة محنة الإمام البخاري -رحمة الله عليه. البلاء شيء مسلط على بني آدم، لابد أن تبتلى إما أن تبتلى في الله أو أن تبتلى في الدنيا، أهل العلم والفضل يفضلون البلاء في الله لأن كله أجر.
    الذين يهربون من الالتزام,يقولون أن المؤمن مُصاب, ودائمًا عليه مشاكل أنت عندما هربت من مشاكل الالتزام هل نجوت! لابد أن يبتلى المرء بأي نوع من أنواع البلاء، فلأن يبتلى المرء في الله ليكونن خيرًا له من أن يبتلى في الدنيا.
    والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول( أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء حتى إنه ليمشي على الأرض وما عليه خطيئة).
    وفي نفس الوقت يعود هذا على قلبه بالخير لأن القلب إنما يقوى في المحن والعواصف، ترمي القلب في العواصف يقوى ولا يضعف، ويوزن المرء يوم القيامة بقلبه، فربنا -عز وجل- أناط البلاء بأوليائه حتى يأتون الله -عز وجل- يوم القيامة بقلب قوي سليم، فما من عالم رباني له في الناس قدم صدق إلا وتجد له عنوانًا في ترجمته بعنوان محنته.
    البخاري -رحمه الله- امتحن مرتين:
    في المرة الأولى مع شيخه الإمام محمد بن يحيى الزُهلي: وكان الزُهلي إمام نيسابور، كان ملكًا غير متوج لا ترد له كلمة وكان صاحب حشمة كاملة في نيسابور. فالإمام البخاري لما عزم أن يذهب إلى نيسابور وأبلغ محمد بن يحيى الزُهلي أنه قادم إلى نيسابور، قال محمد بن يحيى الزُهلي في درسه لتلاميذه -وكانوا بالألوف- قال غدًا يأتينا العبد الصالح محمد بن إسماعيل فمن أراد أن يستقبله فإني مستقبله. خرج الزُهلي يقابل البخاري والبلد كلها خرجت مع الزُهلي والناس من فرحتها بقدوم البخاري نثروا الدنانير على رؤوس الأشهاد ونثروا قطع السكر والحلوى ابتهاجًا بقدوم الإمام محمد بن إسماعيل البخاري إلى نيسابور، جاء البخاري إلى نيسابور ونزل في دار البخاريين وبدأ البخاري يعطي دروسًا في العلم ويُملي العلم على الطلبة.
    كانت في ذلك الوقت هناك فتنة جسيمة اسمها فتنة خلق القرآن، هذه الفتنة التي امتحن فيها الإمام أحمد ورفعه الله -عز وجل- إلى مناط النجوم بسبب صبره في هذه المحنة.
    كان أحمد بن أبي داوود ذاك الجهمي قد ملأ أذن المعتصم أمير المؤمنين بفكرة خلق القرآن:و نحن نعلم أن القرآن كلام الله -عز وجل- وكل صفات الله -عز وجل- أزلية وقديمة ليست محدثة الله -عز وجل- لم يأخذ اسم الخالق أو لم يكن له اسم الخالق لأنه خلق -لا- بل هو خالق قبل أن يخلق وهو متكلم قبل أن يتكلم بالقرآن مثلاً أو بالكتب فصفة الكلام صفة أزلية لله -تبارك وتعالى- ليست محدثة وليست مخلوقة،.
    ابن أبي داوود قال القرآن مخلوق: مخلوق أي لم يكن الله متكلمًا به ثم تكلم به. هذا كلام خطير عند أهل العلم فلذلك الأئمة كلهم وقفوا لهذه الفكرة وصرحوا بكلام واضح: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.
    وكان ابن أبي داوود دهب يحتج بآيات بالقرآن،كل مبطل يمكن أن يحتج بآيات من القرآن، من السنة، لأن القرآن حماَّل ذوو وجوه يعني القرآن ممكن اللفظة تحتمل معنى وتحتمل معنيين وتحتمل ثلاثة،:
    فاحتج ابن أبي داوود على الإمام أحمد بأن القرآن مخلوق بقوله تعالى ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾الزخرف3﴾ قال له جعلناه أي خلقناه كما قال تعالى ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ َ ﴾(الأنعام1) فجعل هنا بمعني خلق،
    فاحتج عليه الإمام أحمد بقوله جعل ليس معناها خلق، قد تكون خلق وقد تكون على غير ذلك، احتج عليه بقوله تعالى ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ﴾(الفيل5) هل خلقهم ﴿ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ﴾ ولا صيرهم، فأبلس ابن أبي داوود.
    المهم كان فيه مناظرات وكان المعتصم متبني فكرة خلق القرآن واضطهد العلماء وعذبهم وسجنهم وقطع رواتبهم وعمل أشياء كانت سيئة جدًا.
    فاتفق العلماء على أن من قال القرآن مخلوق يكون كافراً. لكن خرج حاجة جديدة اسمها (لفظي بالقرآن مخلوق) القرآن كلام الله غير مخلوق، حركة لساني هذه لو أنا قلت كده ﴿الحمد لله رب العالمين
    أليس هذا لفظي؟ أنا تلفظت بالقرآن، هل هذا مخلوق أم أزلي؟
    مخلوق لأن حركة لساني الآن مخلوقة كان لساني واقفاً ثم تحرك ، تمام، فلم تكن الحركة موجودة ثم وجدت، فلفظي بالقرآن مخلوق أي( تلفظي)، لكن اللغة العربية حمالة .
    فلفظي إما أن تشمل:
    1- تشمل الملفوظ الذي هو القرآن نفسه.
    2- أو تشمل حركة اللسان،.
    فعندما يقول أحد( لفظي بالقرآن مخلوق) هل يقصد القرآن أم يقصد حركة اللسان؟ العلماء قالوا لا لجهمية يريدون إحداث شيئاً جديداً انكشفوا عندما قالوا القرآن مخلوق كفرناهم يريدون إحداث شيئاً جديداً يقول ( لفظي بالقرآن مخلوق)ونمررها لهم وهم يقصدوا الملفوظ وهو القرآن نفسه،إذا رجعت المقالة الأولي.
    العلماء قالوا مثل أحمد بن حنبل والزُهلي وغيره: من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع.
    البخاري يعطي الدرس فوقف، أحد الحاضرين قال:له يا أبا عبد الله ما تقول( لفظي بالقرآن مخلوق،) سكت، فكرر عليه، سكت البخاري لم يتكلم، كرر عليه، أيضاً سكت، كرر عليه،:
    فقال البخاري العبارة الآتية قال) القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعالنا مخلوقة). كلام واضح جدًا ,( أفعالنا) _أي حركة ألسنتنا_ وكي لا يحدُث التباس قال :في الأول (القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعالنا مخلوقة) الرجل شغب وصرخ وقال البخاري يقول (لفظي بالقرآن مخلوق،) وصل هذا الكلام إلي محمد بن يحيى الزُهلي، لم يستثبت الزُهلي بالمسألة وقال :من جالس محمد بن إسماعيل فهو مثله، انفض الناس عن الإمام البخاري.
    عندما يقول الزُهلي عالم نيسابور لا يجلس له أحد انفض الناس عن البخاري، لم يبق مع البخاري إلا اثنان:" الإمام مسلم وأحمد بن سلمة
    فأحمد بن سلمة يقول له يا أبا عبد الله أين هذا اليوم من اليوم الذي نثرت فيه الدنانير على رؤوس الأشهاد،:
    قال البخاري له :ما يضرني إذا سلم لي ديني. بدأ الزُهلي يضيق على البخاري فخرج البخاري ليلاً من نيسابور إلى بخارى.
    ويذكر ابن عدي وغيره بسنده إلى البخاري أن البخاري لما اهتم -ركبه الهم- بسبب هذه المسألة(قبض على لحيته وقال(اللهم ضاقت علي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك.)
    بعض الناس قد يستشكل دعاء البخاري -رحمه الله- مع نهي النبي أن يتمنى الإنسان الموت،:
    قال كما في حديث أنس وغيره :" لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لا محالة فاعلاً، أو إن كان لابد فاعلاً فليقل اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي"فالبخاري هنا يقول( اللهم ضاقت علي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك)
    "كلام البخاري -رحمة الله عليه- يتوجه بوجهين:
    الوجه الأول:أنه قد يكون نسي الحديث في غمرة الهم، الإنسان المهموم الحزين ينسى البديهيات وأقرب مثل إلى ذهني أتذكره الآن مثل عائشة -رضي الله عنها- لما أشاع الناس عنها الفاحشة في حديث الإفك المشهور تقول أن النبي منذ علم بهذا لم يكن يكلمها، ذهبت إلي بيت أبيها وجلست هناك تبكي يومها وليلتها قالت: حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، وكان النبي يأتينا فلا يتكلم أكثر من أن يلقي السلام، ثم يقول كيف تيكم؟ تيكم اسم إشارة للبعيد، أي_إزيها _. وظل النبي على هذا شهرًا كاملاً، لا يحدثها وكل الذي يفعله أن يدخل ويقول كيف تيكم، فقالت عائشة لأبيها يا أبت أجب رسول الله -لأبي بكر -رضي الله عنه، أجب رسول الله، قال والله يا ابنتي لا أدري ما أقول، فقالت لأمها أجيبي رسول الله فقالت يا بنيتي والله ما أدري ما أقول، قالت عائشة فقلت وأنا حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن، والله ما أجد لي معكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
    الشاهد: قالت عائشة ونسيت اسمه، من أبو يوسف -عليه السلام- أليس يعقوب؟بلى يعقوب، لكنها من شدة الهم الذي وقعت فيه بسبب أنها اتهمت في عرضها وهي طاهرة الذيل -رضي الله عنها- ولا تجد دليلاً لبراءتها وكانت تنتظر أن يرى النبي رؤيا يبرؤها الله -عز وجل- بها وما كانت تظن أبدًا أن ينزل فيها قرآن، كما قالت إني لكنت أحقر في نفسي أن ينزل الله فيّ قرآنًا. فلما تقول كما قال أبو يوسف ثم تقول ونسيت اسمه، فيمكن الإنسان في معرض الهم الشديد يمكن أن ينسى الشيء البدهي الذي يقوله ليل نهار،
    هذا التخريج الأول لأن الإمام البخاري قال" اللهم ضاقت عليّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك،"
    التخريج الثاني :أن يكون الإمام البخاري تأول لأن عندنا حديث للنبي -عليه الصلاة والسلام- في زمان الفتن التي هي( يمسي الرجل مؤمنًا ويصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا.)
    في هذه الأثناء قال النبي (يمر الحي على قبر الميت فيقول يا ليتني مكانك). تمنى الموت.
    قال المتنبي:

    كفى بك داءً أن ترى الموت شافيًا
    وحسب المنايا أن يكن أمانيًا.


    فالإمام البخاري لما خشي على نفسه الفتنة في الدين لأن بلاء الإمام البخاري مع شيخه محمد بن يحي الزُهلي, لم يكن في الدنيا,إنما كانت المسألة عقدية, تتعلق بالدين , فخشي الإمام البخاري علي نفسه,فربما يكون الإمام تمني الموتَ تخريجاً علي هذا الحديث," يمرُ الحي علي قبر الميت,فيقول ياليتني مكانك"
    المحنة الأخرى التي تعرض لها الإمام البخاري:
    أن أميرَ بُخاريَ الأمير (خالد ابن أحمد) أرسل إلي البخاري, وقال له تعالي اقرأ علي كُتبك وعلي أولادي,_أي أن البخاري يخُص الأمير وأولاده بدرس مخصوص في القصر بحيث أن أولاد الأمير لا يجلسون مع الناس_.
    قال الإمام: "أنا لا أزل العلم, ولا أحملَهُ إلي أبواب أحد, فإن كان لك حاجةٌ فأتني"_,أنا لا أخص أحداً من الناس بشيء _وإن لم يعجبك فامنعني,حتى يكونَ لي حجةٌ لي عند الله يوم القيامة في كتمان العلم," وجدَ عليه الأمير , واستعان عليه ببعض الناس كحُريث ابن أبي الورقاء, تكلم في مذهب إمام البخاري , أي افتري عليه وشوش عليه, وألزمه بكلامٍ لايقوله الإمام البخاري _رحمة الله عليه_كنوع من الفرية علي البخاري,كي يشوه سمعته,.
    الإمام مالك: لما طلب منه جعفر بن المنصور أن يقرأ عليه الموطأ أبي, حتى لما جاء أبو جعفر المنصور ورفع صوته في حلقة الإمام مالك,فقال له أيها الأمير إن الله عز وجل يقول(لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ )(الحجرات)2 وأشار إلي قبر النبيفخفض أبو جعفرٍ من صوته.
    فالإمام البخاري: أعز العلم ولم يَخُصَ به طائفةً من الناس,دون طائفة, وعز الله البخاري باستغنائه عنهم,.فالبخاري قبل أن يموت, ركب الدابة كان يريد أن يصل إلي بعض أهلهِ,فركب الدابةَ ولكنه شعر بضعفٍ شديد, ونزل منه عرقٌ شديدٌ جداً, فقال إني ضَعفتُ فأرسلوني,فأنزلو من علي الدابة فلم يمكث قليلاً حتى مات, عاش البخاري بعد الدعاء الذي قاله(اللهم ضاقت عليّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك،" ثلاثة أيام.فقط ومات في اليوم الرابع من دعائه,في ليلة عيد الفطر سنة(256) هجرية, وصلوا عليه في يوم عيد الفطر, ودفنوه ومات _رحمة الله عليه_ عن اثنين وستون عاما وثلاثة عشر يوماً.وهي قريبٌ من السن التي مات عنها رسول الله فالنبي_ صلي الله عليه وسلم_ مات عن ثلاثٍ وستين سنة, وكذلك أبو بكرٍ وعمر. رضي الله عن الجميع
    وبهذا نكون قد أعطينا إطلالة ًسريعة علي ترجمة الإمام أبي. عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله.
    سبب تصنيف البخاري_ رحمه الله _ لكتابه:
    صنف الإمام البخاري ,هذا الكتاب بعد رؤية رآها, فقصها علي شيخهِ, إسحاق ابن إبراهيم ابن راهويه,. رأي في مجلس إسحاق ابن راهويه.
    قال البخاري:" سمعت إسحاق يقول:لو جمعتم لنا كتاباً صحيحاً في سير النبي وأحوالهِ وأيامهِ قال البخاري: فوقع ذلك في قلبي,فبدأ يجمع الكتاب الصحيح, الذي صنفه,.
    وعلي إثر هذا رأي رؤية,: رأي النبي_صلي الله عليه وسلم _يمشي, وكلما رفع قدمهُ وضع البخاري قدمهُ, علي قدم النبي وهكذا فقصها علي بعض المعبرين,فقال: له (أنت تقتفي أثره,)
    ورأي البخاري رؤية أخري:أنه جالسٌ بجوار النبي _صلي الله عليه وسلم _ومعه منشة ينش بها عن وجه النبي_عليه الصلاة والسلام_ فسأل المعبرين , فقالوا له أنت تذب الكذب عن سنته وقد كان,.
    بدأ الإمام البخاري يجمع الصحيح, وكان البخاري يحفظ ستمائة ألف حديث_ ليس المقصود أن الستمائة ألف كلهم مرفوعين إلي النبي _صلي الله عليه وسلم_بل كل كلام يروي بسند اسمه حديث كلام النبي وكلام الصحابة والتابعين ومتبوعيهم فكل قول يسمي حديثاً.
    بدأ من الأحاديث المرفوعة إلي النبي _عليه الصلاة والسلام_ ينخلها ويختار أقواها, ليس كل الأحاديث صحيحة وضعها البخاري في كتابه, لا إنما انتقي علي شرط له, .
    فهو أول إمام جمع الأحاديث الصحيحة فقط,أما الذين كانوا قبل الإمام كانوا يجمعون الصحيح والضعيف, ويجعلونه علي الأبواب, كمشايخ البخاري ومشايخ شيوخه,.
    الإمام مالك _رحمة الله عليه_أول من اعتني بذكر أعلب الصحيح في كتابه (الموطأ) إنما مصنفات الأئمة قبل ذلك كانت مصنفاتهم بدائية, كل باب يضع تحته مجموعة من الأحاديث السيوطي_ رحمه الله _أرخ لهذا التدرج التأليف, حتى وصل للبخاري رحمه الله,
    يقول السيوطي في ألفية الحديث:
    أولُ جامع ِ الحديثِ والأثر__ابنُ شِهاب آمراً له عمر.(ابن شهاب)_ أي الزهري_ جمع السنة بأمر عمر بن عبد العزيز.



    أولُ جامع ِ الحديثِ والأثر
    ابنُ شِهاب آمراً له عمر.
    وأول ُ الجميعِ للأبوابِ
    جماعةٌ في العصرِ ذو اقترابِ
    كابن جريج وهشيم مالك
    ومعمرٍ وولد المباركِ.
    وأولُ الجميعِ باقتصارِ
    علي الصحيحِ فقط البخاري.
    ومسلمٌ ومن بعده والأولُ
    علي الصواب في الصحيح أفضلُ.

    وليس في الكتبِ أصح منهما__ بعد القران ولهذا قُدِما.
    يقول السيوطي أول من جمع واقتصر علي الصحيح, هو الإمام البخاري_ رحمه الله, _ثم تلاه الإمام مسلم رحمه الله , وإن كان البخاري أفضل من مسلم, في قوة الحديث وفي شرط قبول الحديث.
    إجابة الأسئلة:
    س:ما صحة حديث" اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ؟ وهل يؤخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ؟
    الجواب: هذا حديث ضعيفٌ لا يصح عن النبي- صلي الله عليه وسلم- ، وبالنسبة للأخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، فنحن نقول أن الحافظ بن حجر العسقلاني اشترط ثلاثة شروط في الحديث الضعيف الذي يُعمَلُ به في فضائل الأعمال وهي:-
    أولاً: ألا يعتقد ثبوته عند العمل به .
    ثانيًا: أن يكون مندرجاً تحت أصل عام .
    ثالثًا: ألا يكون شديد الضعف .
    وكلمة شديد الضعف لا يعرفها إلا أهل الحديث ، وأنا أمامي حديث أعرف إذا كان ضعفه شديد أو خفيف كيف ، لابد أن أكون عالماً في الحديث ، أنظر في الإسناد وأنظر في أحوال الرواة ، فأعرف إذا كان شديد أو غير شديد ، فإذا كان هذا الشرط ، ألا يكون الضعف شديد لا يعرفهُا إلا عُلماء الحديث فهذه معناها باختصار شديد لا يحل لأحد غير عالم بالحديث أن يأخذ حديثًا ضعيفًا ليعمل به ، لأنه في هذه الحالة لا يعرف إذا كان الضعف شديد أو خفيف ، فيكون بذلك سد باب العمل بالأحاديث الضعيفة على كل العوام .
    الحافظ بن حجر بهذه الشروط في الحقيقة إنما أغلق الباب , وكما أقول عندما تقصُر عبارة الناقد يكون الحديث ضعيف جدًا ، فيكون نفسه رِخو في الكلام فيقول في الحديث ضعيف فقط ، كما عند العراقي في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين للغزالي ، وإحياء علوم الدين ، الحافظ العراقي له تخريج صغير وهو المطبوع على حاشية الكتاب ، كثيرًا ما يكون الحديث موضوعًا ، أو ضعيف جدًا أو متروك أو منكر أو باطل أو غير ذلك ، والحافظ العراقي يقول إسناده ضعيف ، فيظن بعض الناس طالما أن إسناده ضعيف ، يُعمل به في فضائل الأعمال ، فيأخذ الحديث ويتكلم به بالرغم أن الحديث في الواقع موضوع ، لكن عبارة الحافظ العراقي قَصُرَت ، لم يكن دقيقًا عندما قال إسناده ضعيف ، كان ينبغي أن يقول ضعيف جدًا أوأن يقول هو موضوع ..إلى آخره ، فهذه العبارة تَغُرّ العوام .
    حاصل كلام الحافظ بن حجر في شروط العمل بالحديث الضعيف أنه بالشرط الأول أو بالشرط من هذه الشروط الثلاثة وهو ألا يكون الضعف شديدًا ، فيكون أغلق الباب على كل من ليس عالمًا بعلم الحديث .
    س: كيف استشهد البخاري بأحاديث وهي ليست في صحيحه ؟
    الجواب: نحن نقول البخاري لم يجمع الأحاديث الصحيحة كلها في كتابه ، إنما قال أخرجت من الأحاديث الصحيحة وتركت من الصِحَاح لحال الطول لأنه لو أراد أن يجمع كل الأحاديث الصحيحة في كتابٍ واحد لعظُمَ الكتابُ جدًا وكتاب البخاري اسمه الجامع الصحيح المختصر ، البخاري له شرط في أحاديثه كل الأحاديث التي وافقت شرطه أخذها ووضعها في كتابه ، والذي لم يوافق شرطه وليس ضعيف إنما على شرط مسلمٍ مثلاً ، أو على شرط إمامٍ آخر وهو صحيح .
    فالبخاري التزم في كتابه بشرطٍ خاص هو ألزم نفسه به ، وترك من الصِحَاح أحاديث كثيرة ، وكتاب الأدب المفرد للإمام البخاري نفسه روى في هذا الكتاب أحاديث لم يرويها في كتاب الجامع الصحيح ، فالحاصل أن البخاري لم بُخرِّج كل الأحاديث الصحيحة ، إنما خرج بعضها والأحاديث في كتاب البخاري بدون المكرر تقريبًا ألفان وكسر فهل الأحاديث الصحيحة ألفان وكسر ، لا ، الأحادي الصحيحة تزيد علي عشرين ألفًا ، فالبخاري عندما يحتج بحديث في فقه أو في حالٍ أو في سلوكٍ فلا يلزم بالضرورة أن يكون هذا الحديث مما رواه في صحيحه .
    س: ماصحة الحديث الذي يقول أن الله يجيب للعبد طلبه لكي لا يسمع صوته ؟
    الجواب:هذا باطل ولا يصح عن النبي- صلي الله عليه وسلم- .
    س: كيف أعرف إن كنت مستجاب الدعوة أم لا ؟
    الجواب:هذه المسألة تحتاج إلى وحي ، لا أحد منا يستطيع أن يقول لإنسان أنت مُستجَاب الدعوة ، إنما يقوله نبي ، النبي إذا قال لرجل أنت مستجاب الدعوة ، فيكون مستجاب الدعوة ، أما فيما عدا ذلك فهذا افتراء على الله- عز وجل- لا يحل لأحد أن يتهجم عليه .
    س: ما هو اسم الله الأعظم ؟
    الجواب: قد ورد في حديث صحيح أن النبي- صلي الله عليه وسلم- علم عائشة دعاء " اللهم أني أسألك بأنك الله الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد " فقال النبي- صلي الله عليه وسلم- هذا قد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعا به أجاب ، فاسم الله الأعظم موجود في هذا الدعاء وهو في صورة الإخلاص كما هو واضح من سياق الكلام .
    نسأل الله تبارك وتعالي أن يجعل ما قلناه زاداً إلي حسن المصير إليه, وعتاداً إلي يمن القدومِ عليه, إنه بكل جميلٍ كفيل, وهو حسبنا ونعم الوكيل, وصلي الله اللهم وسلم وبارك علي نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.
    انتهي الدرس الثاني


    * * *

    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله



    قد تكلمنا في حلقتين سابقتين عن ترجمة الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالي وتكلمنا بشيء من الإيجاز عن حياته وجوانبها وعن ثناء الناس عليه واليوم إن شاء الله تعالي سنتكلم عن مفاتيح الكتاب مفاتيح صحيح البخاري لأنك لا تستطيع أن تلج بابًا إلا بمفتاح :
    سبب بلوغ كتاب البخاري الذروة في الدقة والإتقان وحسن الصنعة
    وكتاب الإمام البخاري كتاب بلغ الذروة في الدقة والإتقان وحسن الصنعة وكما قلت هذا محل إجماع بين أهل العلم جميعًا لا نعلم بينهم خلاف في هذا .
    وهذا يرجع أولاً إلى قيمة الصحيح ووزنه بين أهل العلم ثم هو راجع إلى سداد فهمه أيضًا وإلى حافظته الكثيرة الواعية .
    رجل من أهل بغداد قال أن محمد بن إسماعيل لا يحسنُ يصلى فبلغه هذا القول فقال لو شئتُ ألا أقوم من مجلسي هذا حتى أسرد عشرة ألاف حديث في الصلاة خصوصًا لفعلت .
    رجل محفوظه عشرة ألاف حديث في الصلاة وحدها ، رجل يملك كيف يقال أنه لا يحسن يصلي ، هذا عند ه محفوظ عنده رأس مال ثم عنده جودة صحية وسيلان ذهن فصنف كتابه ليس في مدة يسيرة مع ثقل هذا الإمام وجودة فهمه وسيلان ذهنه الذي ذكرت وكثرة محفوظه ظل سبعة عشر عامًا يؤلف هذا الكتاب ، يبدل ويغير ويقدم ويؤخر .
    فليس من السهل أبدًا على رجل يعرف قدر نفسه أن يعترض ببساطة وسهولة على هذا الإمام ولذلك لا تجد يجترأ علي الإمام إلا الجهلة إنما العلماء ، لا .
    وهناك واقعة مشهورة ذكرها بن علي رحمه الله عن عدة من مشايخه في كتابه الذي صنفه في أسماء شيوخ محمد بن إسماعيل .
    قال إن البخاري لما دخل بغداد ووصلها صيته قبل أن يدخل فلما دخل قالوا جاء البخاري جاء البخاري ، فبعض الناس ممن ينتقصون العلماء أرادوا أن يعملوا للبخاري اختبار ، فأتوا على مائة حديث بدلوا أسانيدها فجعلوا إسناد الحديث الأول وضعوه بدلًا من إسناد الحديث الثالث وإسناد الثاني وضعوه بدلاً من إسناد الحديث العاشر وهكذا ، أي لم يبقوا إسنادًا على حديث إلا بدلوا هذه الأسانيد وجعلوها على أحاديث أُخَر وأعطوا المائة حديث لعشرة كل واحد من العشرة أخذ عشرة أحاديث ، وقالوا عند ما ينتهي مجلس الإملاء فيقوم الأول فيقول ما تقول في الحديث حدثنا فلان عن فلان عن فلان أو رواه فلان عن فلان عن فلان أن النبي صلي الله عليه وسلم قال كذا وكذا ولما ينتهي الأول من الأحاديث العشرة يبدأ الثاني فيقول العشرة التي تليهم وهكذا حتى تمام المائة .
    وبالفعل قام الأول وسأل البخاري في العشرة الأولى وفي كل هذا كلما سمع البخاري الحديث قال لا أعرفه لا أعرفه لا أعرفه فلما انتهي الأول من العشرة الأولي قام الثاني فلما انتهي من الأحاديث العشرة قال البخاري لا أعرفها حتى تمام المائة ، في كل ذلك يقول البخاري لا أعرفه لا أعرفه لا أعرفه .
    الجماعة الجهلة حشو المحاضرات وحشو الدروس وغير ذلك قالوا أهذا هو البخاري ؟ يقولون البخاري البخاري وهو لا يعلم أي حديث ، كل حديث يقول لا أعرفه لا أعرفه ، أما أهل العلم فقالوا فطن الرجل اكتشف الملعوب ، اكتشف القصة .
    وبعد أن انتهي العاشر من تمام المائة حديث قال البخاري للأول أما حديثك الأول فإسناده عند الثالث وأما حديثك الثاني إسناده عند الرابع وحديثك الثالث إسناده عند العاشر إلى آخره حتى رد كل المتون إلى أسانيدها الصحيحة فما قام البخاري من مجلسه حتى أذعنوا له بالفضل .
    الحافظ بن حجر العسقلاني يعلق على هذا الخبر: فيقول ليس بعجيب أن يحفظ البخاري الصواب هذا يعرفه كثير من الناس ، إنما العجيب أن يحفظ الخطأ على ترتيب ما ألقوه ، فعندما يقول له حديثك الأول إسناده عند العاشر وحديثك الثاني إسناده عند التاسع أو الثامن ، كيف حفظ البخاري هذا كله بمجرد إلقاءٍ واحد ، ليس العجيب أن يعرف الصواب فإن الصواب يعرفه كثير من الناس بل العجيب أن يحفظ الخطأ على ترتيب ما ألقوه ، لذلك لم يقوم البخاري من هذا المجلس حتى أذعنوا له بالفضل .
    وأضرب هذا المثل لأبين الفرق بين أهل العلم وبين الجهلة : الجاهل لا يفهم ، أول ما يرى شيئًا يعترض عليه إنما العالم هو الذي يعرف مسالك الدلالة سيوفق يحمل هذا على معني وهذا على معني على حسب الأصول الصحيحة
    وأنا اليوم طالما سندخل في صحيح البخاري أريد أن أعطيك المفتاح ، لأنه بدون هذا المفتاح يظل الكتاب مغلقًا : لذلك هذا الدرس في منتهى الأهمية ؟ لماذا ؟ سيبنى عليه فهم الكتاب .
    وأريد أن أنبه أن بعض الناس يخاف أن الكلام يكون مغلقًا فيقول أن هذا الكلام كلام عالي يحتاج إلى ناس متخصصين وأنا أقول لك لأ ، وأنا لي تجربة وأنت ربما تشعر بشيء من الصعوبة في بداية الكلام لكن أنا لي تجربة طويلة مع الناس في مسألة التدريس بحيث أنت تنتبه معي لا تشغل نفسك بالليل تناول العشاء وتهيئ نفسك وأول ما تأتي المحاضرة تجلس وتعطيني أذنك وقلبك قبل أذنك ولك على إن شاء الله عز وجل أن أصيرك مدمنًا بحيث أنك ستجد نفسك تعودت ولا تستطعم إلا مثل هذا الكلام ،:
    وأنا أذكر بين يدي كلامي أحدث تجربتين وقعتا لي في هذا الأمر .
    التجربة الأولي:
    في مسجدي الذي أدرس فيه في يوم الاثنين ، أعطي في مرة شرح صحيح مسلم والاثنين الذي يليه أعطي درس في مصطلح الحديث في علم الحديث ولأنني أعلم أن كثير من الناس يأتون المسجد فيكونوا جُدُدًا لأول مرة يحضرون عندي وهو متصور أنه كلما دخل المسجد يستمع إلى محاضرة يفهمها من أولها إلى آخرها ، ولأنني أعرف هذا فأنبه في درس صحيح مسلم أقول الاثنين القادم إن شاء الله سنشرح مصطلح وأقول لماذا أنا أقول ذلك ؟ حتى لا يأتي أحد يقول أنه قادم من بلاد بعيدة ولم يفهم ودائمًا في درس صحيح مسلم أنبه على المحاضرة القادمة ، المهم في يوم من الأيام وكان يوم الاثنين وكنت أشرح كتاب في علوم الحديث للحافظ بن كثير في المصطلح .
    بعد نصف ساعة من المحاضرة وكنت أتكلم في هذه الأيام عن الحديث الشاذ وهذا أصعب نوع من أنواع علم الأحاديث أو من أصعبها فتكلمت نصف ساعة فوجدت واحد قام من بين الحضور وقال يا عمي الشيخ أنا بعد مرور نصف ساعة لم أفهم ولا كلمة ، قل لي كلام أفهمه أنا أتيت إليك من محافظة كذا ، طبعًا المسجد كله ضحك ، لأنني أنبه في كل مرة وهذا كان أول مرة يحضر هذا الأخ بعد ما سمع الشرائط وغير ذلك فقال أنا اذهب شخصيًا وأحضر مباشرة .
    فقلت له حاضر أعطيني خمس دقائق حتى أغير أوضاعي وأكلمك بكلام مفهوم وكان أمامي في سند أحد الأحاديث أحد الرواة الثقات ، واعتبرت هذا نوع من الفرجة لما رأيت أمامي الإسناد وقلت أن هذا سيكون مدخلي أن هذا الرجل يفهم أو يشعر بشيء من الرضا لو فهم الكلام الذي سأقوله والراوي هذا أحد شيوخ البخاري أيضًا اسمه الضحاك بن مخلد الشيباني وكنيته أبو عاصم ولقبه النبيل وهو مشهورٌ بكنيته أكثر من اسمه فتجد دائمًا في الأسانيد يقول أبوعاصم فنحن نعلم أنه أبو عاصم النبيل .
    لماذا لُقِبَ الضحاك بن مخلد الشيباني بالنبيل؟
    فوقفت عند لقب هذا الإمام الكبير النبيل ، ولماذا لقب بالنبيل ؟
    فقلت لقب بالنبيل هذا على ثلاثة أقوال:
    القول الأول: أنه كان في مجلس, الإمام مالك صاحب المذهب المشهور وهم أثناء المجلس عند الإمام مالك فإذا برجل يقول الفيل ، الفيل ، فكل الحضور خرجوا يجرون من المجلس ليشاهدوا الفيل ، لكون رؤية الفيل شيء كبير ، ولو أن الفيل اليوم يمشي في الشارع لوجدت الناس ينظرون من البلكونات ليشاهدوه ، فما بالك بهذا الزمان ، الفيل نادر ، خرجوا ليشاهدوا الفيل ما عدا أبوعاصم الضحاك فقال له مالك لما لم تخرج كما خرج أصحابك ؟ وقال له ما أجد عنك عوضًا ، فقال له أنت نبيل ولذلك لُقِبَ بالنبيل .
    القول لثاني: في لقبه ذكروا أن أبا عاصم النبيل هذا الضحاك كان رجلاً له هندام يلبس الملابس الثمينة والنظيفة وكان هناك رجلٌ أخر يُكني بأبي عاصم وكان غير نظيف , وفي حاله فجاء أبو عاصم صاحبنا صاحب الترجمة التي نتكلم فيها فأتي إلى أحد شيوخه يُقال له بن جريج وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج إمام أهل مكة ومن طبقة الإمام مالك .
    المهم طرق أبو عاصم الباب فخرجت إليه جارية فدخلت وقالت لأبن جريج أبو عاصم بالباب قال لها فلان على الأخر ، قالت لا ، أبو عاصم النبيل والنبيل أي يلبس ملابس جيدة وطيبة ، فدخل أبو عاصم على بن جريج وهو يضحك فقال مما تضحك ؟ فحكي له حكاية الجارية فقال له بن جريج أنت النبيل فلُقِبَ بأبو عاصم النبيل .
    الأمر الثالث: ذكروا أنه كان كبير الأنف والأنف هو أعلى شي في الوجه وأشرف شيء أيضًا في الوجه والأنفة والعزة من الأنف ولما واحد يحب أن يريك أنه أذل واحد يقول أن أنزلت أنفه الأرض وفي بعض دول الخليج لما واحد يطلب من واحد شيء فيقول له على خشمي أي على أنفي ونحن نقول هنا على عيني وهم هناك يقولون على خشمي فالأنف هذا شيء كبير .
    فأبو عاصم هذا كان كبير الأنف فلما تزوج ودخل بامرأته فاقترب منها فقالت له نحي ركبتك عن وجهي فقال لها هذه ليست أذني هذا أنف ، كل هذا أنف لدرجة أنها تصورت أنه ركبه ولذلك لقب بالنبيل لأنه كان كبير الأنف .
    فهذه كانت مدخلي للكلام عن الحديث ورواة الحديث وغير ذلك ، المهم أن الرجل شُد لما يسمع وبدأ يحس بأنه ينسجم أول محاضرة لم يفهم كل المحاضرة لكن طلع بهذه الفائدة وكم فائدة من تراجم الرواة ، وهذا الرجل الآن لا يغادر أبدًا أي درس في المصطلح حتى اليوم وحتى أخر درس أنا ألقيته في المصطلح منذ مدة دائمًا يحضر في دروس المصطلح .
    التجربة الثانية:
    التي أريد أن أحكيها حدثت لي في الكويت ، من حوالي ثلاث سنوات دعتني وزارة الأوقاف في الكويت لألقي أسبوعًا علميًا في موضوعات معينة .
    وعملوا محاضرتين ، محاضرة ما بين المغرب والعشاء للعوام أتكلم فيها عن معاني الأحاديث ومحاضرة بعد العشاء لطلبة العلم في علم مصطلح الحديث ، والوزارة قالت أن الذي سيحضر مصطلح الحديث في حدود ثلاثين أو أربعين فجهزوا حوالي مائة كراسة بزيادة ، وما خطر ببالهم قط أن يزيد العدد عن مائة ، ولما جلست بعد صلاة المغرب لأعطي المحاضرة فالمسجد كان عن آخره أعطيت المحاضرة وبعد أن انتهيت من صلاة العشاء قام أحد الأخوة وقال يا جماعة الآن درس في مصطلح الحديث دري تخصصي ، فلم يقم أحد من المسجد وأنا أسقط في يدي ، لماذا ؟ أنا في بلدي ليس لدي مشكلة أنا مجرب صار لي خمسة وعشرون أعمل بهذا النظام لم أغير من طريقتي ولم أغير منهجي وبفضل الله عز وجل أستطيع أن أوصل المعلومة إلى المستمع مهما كانت المادة صعبة جدًا جدًا أستطيع مع كثرة الممارسة بعد توفيق الله عز وجل أن أوصل المعلومة للمستمع .
    لكن أنا في بلد غريب لا أعرف الناس ولا أعرف كيف يستقبلون المعلومة فضربت أخماس في أسداس ماذا أفعل ؟ فقلت أعمل المحاضرة الأولى عن تاريخ السنة وتاريخ تدوين الحديث إلى آخره وبدأت في المحاضرة الثانية في اليوم التالي في شرح مصطلح الحديث ، ولم يقم أحد قط من المسجد ، أنا وجدت العوام وليس طلبة العلم لأن أنا قلت لهم كل واحد يحضر كراسة وقلم من أجل أن تكتبوا الفوائد ، فكنت أجد العوام هم الذين يحضرون الكراسات والأقلام ليكتبون ما أقول .
    في خلال العشرة أيام عملنا ثقافة حديثيه عند كثير من الناس وبدأ الناس يطالبونني بأن أنا أمليهم أسماء كتب يعملوا مكتبات ، ليس لهم فقط وإنما لأولادهم لأنني تكلمت في ذلك في تلك المحاضرات عن وقف الأولاد لله عز وجل ، يكون عندك ولد وقف كما أنك تجعل مصحف وقف لله أو تجعل سبيل للمياه وقف لله يكون عندك وقف في أي حاجة فيكون عندك ولد وقف لله عز وجل ، تقول الولد هذا أنا أربيه وأنفق عليه وأهيأ له جميع المسائل ليكون من حرس الحدود وتكلمت في هذا المعني بما فتح الله عز وجل به ، وفي نهاية العشرة أيام أمليت عليهم أسماء كتب كثيرة وإلى الآن وأنا أتابع مع إخواننا هذه المحاضرات ما زال لها الأثر الحميد حتى اليوم .
    وأنا أريد أن أقول أن قصدي أن أرتقي بذوق المشاهد : وأنا أعتقد أن العامي يمكن أن يكون مسددًا في ذوقه وأقصد بالعامي من ليس عالمًا في الشريعة مهما كان عالمًا في أي فن أخر ، وكل إنسان منا عامي في فن من الفنون أو أكثر أنا عامي بالنسبة للطب والهندسة والصيدلية والزراعة والتجارة والذرة وغير ذلك ، معلوماتي غير موثقة وأنا لست حجة في المجال إذا تكلمت أتكلم بمعلومات عامة معروفة .
    كذلك الرجل عالم الذرة أو الطب أو الهندسة أوغير ذلك عامي في علم الشرعية ولا أقول عامي بقصد الشتم أو أقصد أن أحط من مقامه ، ولكن قصدي أن أرتقي بذوق المشاهد وربما يجد المشاهد بعض الصعوبة على حسب استقباله المعلومة في الأول ، وهذا شيء طبيعي جدًا أن يجد صعوبة ، لكن إذا صبر نفسه سينفتح له منجم عظيم يسدد ذوقه ويعلي من قدر فهمه .
    اليوم إن شاء الله تعالي أريد أن أريكم نموذج من قدر الإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري: في هذا الأسبوع بعض الجرائد تشتم في البخاري ، يقولون أن البخاري يكره النبي صلي الله عليه وسلم ، لماذا ؟ لأنه كشف حياته الشخصية ، هل هناك أحد يحب النبي عليه الصلاة والسلام يكشف حياته الشخصية ؟ فكيف كشفها ؟ قال روي أن النبي وعائشة كانوا يغتسلون من إناء واحد من الجنابة ، فهل هذا شخص يحب النبي يكشف هذا الكلام ؟ فما الذي في ذلك ؟ هل الذي يتكلم عفيف جدًا والله أعلم يكون يمشى مع امرأة أو صاحب امرأة أو غير ذلك ، ويأتي يتكلم عن العفة ويرمي الأحرار ، فما الذي في قول البخاري ؟ .
    ولم يقل أحد مطلقًا أن وصف غسل الجنابة فيه خدش الحياء ، هذه أحكام شرعية والله عز وجل أمر نبيه أن يبلغها للناس وأن يوضحها وديننا دين النصح ، هؤلاء الناس الدين عندهم في المسجد فقط لكن لا يحكم الحياة ،.
    ومن يكن ذا فمٍ مرٍ مريضٍ يجد مرًا به الماءَ الزُلالاَ

    وخذ عشرات الكتب التي تسير على هذا المنوال وتحصد في مثل هذا الجهل الكبير الذي انتم بعد أن تعرفوا قدر هذا الإمام ستعرفوا قدر هؤلاء من الجهل أيضًا .
    اليوم سنتكلم عن شيء اسمه الترجمة لأن فقه البخاري كله في تراجم الكتاب ،
    فما معني الترجمة ؟
    الترجمة: المعني المتبادر الذي يعلمه الجميع هو أن تنقل كلامًا من لغة إلى لغة ، تنقل كلام من عربي إلى إنجليزي ، فرنسي ، إيطالي ، أسباني أو من هذه اللغات إلى اللغة العربية أو من هذه اللغات إلى بعضها فهذه اسمها ترجمة النقل نقل الكلام من لسان إلى لسان أخر .
    الترجمة لغةً: هي البيان والتفسير والإفصاح .
    الترجمة اصطلاحاً :_في مصطلح أهل العلم_ هي جمع أحاديث لها معني واحد تحت باب . .
    مثال ذلك: قول البخاري رحمه الله( باب ما جاء في الصحة والفراغ وألا عيش إلا عيش الآخرة )وهذا أول باب في كتاب الرقاق كلام البخاري هذا اسمه ترجمة .
    هذه الترجمة تحتها نص أو أكثر والنص هذا إما أن يكون قرءانًا أو أن يكون حديثًا للنبي عليه الصلاة والسلام أو أن يكون كلامًا للصحابة أو التابعين .
    النص: عبارة عن هذه الثلاثة ، قرءان ، سنة ، كلامًا للصحابة أو التابعين ، يكتب الترجمة ويورد تحتها أحاديث مثل أول حديث في كتاب الرقاق حديث بن عباس ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ).
    عندما يقول باب ما جاء في الصحة والفراغ فهذه هي الترجمة وهذا هو الركن الأول .
    الركن الثاني: النص الذي جعل له ترجمة والذي قلناه الآن .
    فنحن عندنا الترجمة والمُتَرجَم له وهو النص والمُِترجٍم الذي هو البخاري ، فتكون القسمة العقلية لأي ترجمة ثلاثة ، المُِترجٍم الذي هو الإمام ، والمُتَرجَم له وهو النص الذي أورده والترجمة وهي الكلام الذي وضعه الإمام البخاري له معني متعلق بالنص الذي تحته.
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    ولابد أن تكون الترجمة صحيحة أي لها علاقة بالنص الذي تحتها .
    فلا يأتي مثلاً ويقول (باب ما جاء في الصحة والفراغ) ويقول وقول الله تعالي: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ) (البقرة:222) فتقول وما العلاقة بينهما لا يوجد علاقة بينهما . ، فهذه تسمى ترجمة فاسدة لأنه لابد أن تكون هناك مناسبة بين الترجمة ومابين النص الذي تحت الترجمة حتى وإن كانت المناسبة خفية ، فلابد أن تكون هناك مناسبة .
    تراجم البخاري هي التي أعرضت وأظهرت لنا فقه الإمام البخاري ، وسأعطي أمثلة لكي تعلم من هو الإمام البخاري ولا أستطيع أن أحضر كل أطايب صنيع الإمام في الصحيح لأن الحلقة محدودة ، لكن في أثناء شرحنا لكتاب الرقاق سنبين كثيرًا من محاسن تراجم الإمام البخاري رحمة الله عليه.
    في كتاب مواقيت الصلاة وركز معي لأن البخاري كان من عادته أن يترجم بالشيء الخفي له تراجم ظاهرة وتراجم خفية ، عادة البخاري حتى في كتبه مثل كتاب التاريخ الكبير يتكلم بالشفرة ، يريد من يفهمه ، البخاري لا يفهمه إلا رجل سيال الذهن لأن كل شغله أو أغلبه بالشفرة واستمع لما يأتي.
    كتاب مواقيت الصلاة كتب(باب من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس ):
    وأورد تحت هذا الباب ثلاثة أحاديث :
    الحديث الأول: حديث أبو هريرة عن النبي_ صلي الله عليه وسلم: [ إذا أدرك أحدُكُم ركعةً من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك ركعةً من صلاة الصبح قبل أن تشرق الشمس فليتم صلاته ] .
    وهذا النص مباشر للترجمة وهي باب من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، أي ما حكم صلاته ؟ أنت عرفت حكم الصلاة من الحديث الذي قاله [ إذا أدرك أحدكم ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته ]_وفي اللفظ الأخر_( فقد أدرك )، فهذه الترجمة مباشرة مع الحديث أم لا ؟ نعم مباشرة مع الحديث .
    الإشكال في الحديثين القادمين :
    حديث بن عمر عن النبي قال: [ إنما بقاؤكُم فيما سلف قبلُكُم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس ، أُوتي أهل التوراة التوراة فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأُعطوا قيراطًا قيراطًا ثم أُوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا حتى صلاة العصر ثم عجزوا فأُعطوا قيراطًا قيراطًا ثم أوتينا القرءان فعمِلنا من صلاة العصر إلى غروب الشمس فأُعطينا قيراطين قيراطين ، فاعترض أهل الإنجيل وأهل التوراة قالوا ربنا كنا أكثر عملًا منهم وقد أعطيتنا قيراطًا قيراطًا _كانوا أقل منا عملًا وأخذوا قيراطين قيراطين _، فقال الله عز وجل هل ظلمتكم من أجوركم من شيء ؟ قالوا: لا ، قال فذلك فضلي أُوتيه من أشاء
    حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قومًا على عمل من الصباح إلى الليل واشترط العمل ووضع الأجر ، فاليهود عملوا إلى نصف النهار ثم قالوا: لا حاجة لنا في أجرك وتركوا العمل والنصارى عملوا من صلاة الظهر إلى العصر ثم قالوا لك ما عملنا أي لا نحتاج منك شيئًا ولن نكمل ، ثم عملنا من صلاة العصر إلى غروب الشمس فاستوفينا أجر الفريقين جميعًا "
    ما هي علاقة الترجمة بهذين الحديثين ؟
    باب من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس ما حال صلاته ؟ صحيحة أم لا ، فجاء الجواب في حديث أبوهريرة الأول أي فليتم صلاته فقد أدرك ، فهذه مفهومة، الترجمة مع حديث أبوهريرة مفهومة .
    لكن ما علاقة من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس بحديث بن عمر وحديث أبي موسى ؟ .
    فيأتي واحد لا يفهم لا يستطيع أن يصل إلى مراد البخاري فيقول هذه ترجمة فاسدة لأن هذين الحديثين ليس لهما علاقة بالتبويب ، ليس له علاقة بالترجمة .
    وهل تعلم أن البخاري لماذا وضع هذين الحديثين ؟
    في حديث بن عمر لما اعترض اليهود والنصارى كانوا أقل عملاً منا وأكثر أجرًا فقال لهم ربنا سبحانه وتعالي ( هل ظلمتكم من أجوركم من شيء ؟ قالوا: لا ، قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء ) .
    رجل أدرك ركعة واحدة من صلاة العصر وبعد أن قام ليأتي بالثانية أذن المؤذن لصلاة المغرب ، الثلاث ركعات التي سيأتي بهم المتبقية من صلاة العصر وقعوا في وقت العصر أم وقعوا في وقت المغرب ؟ بالطبع وقعوا في وقت المغرب ، العدل أن الثلاث ركعات لا يأخذ أجرهم ، لماذا ؟ لأنه أوقعها في غير الوقت لا سيما إذا تذكرنا قول الله تبارك وتعالي:﴿ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء:103] أي موقت بوقت ، وقت أول ووقت آخر ، تصليها قبل الوقت لا تصح ، تصليها بعد الوقت لا تصح إلا بعذر العدل أنك تأخذ أجر ركعة واحدة ولا تأخذ أجر الثلاثة الأخرى ، فكان من فضل الله سبحانه وتعالي علي العباد أنك إذا أدركت ركعة في الوقت وهب لك أكثر الصلاة كأنك صليتها في الوقت .
    المناسبة التي أورد الإمام البخاري هذين الحديثين
    فيريد أن يقول أن الله تبارك وتعالى يعامل هذه الأمة بالفضل لا بالعدل ، وهذه هي المناسبة التي أورد الإمام البخاري هذين الحديثين من أجلهما في كتاب المواقيت تحت هذا التبويب الذي ذكرته لكم .
    أحيانًا الإمام يورد الترجمة بصيغة الاستفهام:
    مثال ذلك: الترجمة التي أوردها في كتاب الأحكام من صحيحه قال( باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان ؟)
    فلماذا يورد البخاري الترجمة أحيانًا بصيغة الاستفهام ؟
    لأن المسألة فيها خلاف مع أن رأي البخاري الذي يرجحه يكون ظاهرًا من الأحاديث أو النصوص التي يوردها تحت هذا التبويب .
    ونحن نقول أن الترجمة لها كم ركن ؟
    لها ثلاثة أركان وأنا أريد أن تركز معي وربما وجدت صعوبة في أول محاضرتين ولكن هذا هو المفتاح الذي ستفهم من خلاله الكتاب كله إذا فهمت هذا الكلام ونحن نكرر أكثر من مرة .
    الترجمة لها ثلاثة أركان: الركن الأول المترجم وهو البخاري والركن الثاني وهو المترجم له وهو النص والركن الثالث وهو الترجمة نفسها .
    (باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان؟) فما اسم هذه ؟ اسمها الترجمة ومن الذي ترجم أو كتب هذه الترجمة ؟ البخاري ، فلدينا ركنين البخاري والترجمة التي وضعها وذكرناها ، الركن الثالث وهو النص الذي ترجمت له .
    الإمام البخاري أورد تحت هذا التبويب ثلاثة أحاديث فيما أذكر .
    الحديث الأول: حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه كتب إلى ابنه وهو في ساجيستان وكان قاضيًا قال يا بني لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان فإني سمعت النبي يقول: [ لا يقضين أحدكم بين اثنين وهو غضبان ] ، نعود إلى الترجمة باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان ؟ ، ما الجواب ؟ هل يقضي وهو غضبان أو يفتي ؟ ، لا ، الحديث يقول: [ لا يقضي أحدكم بين اثنين وهو غضبان ] فهذه الترجمة مباشرة .
    ثم ذكر تحته حديث أبي مسعود ألبدري رضي الله عنه:
    ( أن رجلاً أتي النبي صلي الله عليه وسلم قال يا رسول الله إني لا أدرك صلاة الغداة مم يطول بنا فلان )، قال بن مسعود فما رأيت النبي صلى الله علي وسلم قط أشد غضبًا منه في موعظة يومئذ وقال ( يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيما رجل صلى بالناس فليوجز فإن فيكم الضعيف والكبير وذا الحاجة
    وأورد أيضًا حديث بن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض: قال: فتغيظ عليه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقال( ليمسكها حتى تحيض ثم تطهر فإن شاء أن يطلق فليطلق ) أي أنه يطلق في طهر لم يمسها فيه
    ما دلال هذه الأحاديث ؟
    الحديث الأول: حديث أبي بكرة أنهي المسألة [ لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان ] وحديث أبي مسعود فيه أن النبي صلي الله عليه وسلم غضب غضبًا شديدًا بسبب تطويل هذا الإمام وأنه تغيظ علي بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض .
    وهناك حديث أخر لزيد بن خالد الجهني :والإمام البخاري أورد هذا الحديث في كتاب العلم قال (باب الغضب في الموعظة والتعليم وإذا رأى ما يكره) وأورد أحاديث منها حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه في اللُقَطه أنه سأل النبي صلي الله عليه وسلم عن اللُقَطه شخصٌ ما وجد مالاً ماذا يعمل فيه ؟ قال: ( عرفها ، عرف وقاصها ووكاءها ) (الوكاء)_ الحبل التي تشد به القربة_ ،( والعفاص) أي الجلد ، وجدت حافظة بها نقود ، العفاص هو لون الحافظة من جلد من قماش ، والوكاء أي السوستة مثلاً أو إنها مربوطة بحبل ، الصفة الخارجية للذي وجدت ، ( عرف عفاصها ووكاءها سنة فإن جاء ربُها_أي صاحبها_وإلا فاستمتع بها ) إن جاء صاحبها فادفعها إليه وإلا فاستمتع بها ، فإن جاء ربها بعد ذلك ، بعد سنة بعد اثنين ، بعد ثلاثة بعد عشرة ردها إليه .
    فقيل للنبي صلي الله عليه وسلم وضالة الغنم ؟ قال: ( هي لك أو لأخيك أو للذئب ) أي خذها ، لأنها إذا وجدها صاحبها أو أنت تأخذها فإن لم تأخذها أنت ولا صاحبها سيأخذها الذئب لأن الغنمة قليلة الحيلة لا تستطيع أن تصاول ذئبًا .
    فقيل له يا رسول الله وضالة الإبل ؟ قال: فاحمرت وجنتاه من الغضب وقال:
    ( مالك ولها معها سقائُها وحذائُها تردُ الماء وترعى الشجر فدرها حتى يأتيها ربُها ) معها سقائها وحذائها ، والحذاء: هو الخف ، والجمل سريع جدًا أي إذا كان هناك وحش ، ذئب ، أسد ، نمر ، فهد ، غير ذلك ممكن أن يقاوم ويفلت وفي نفس الوقت معه غذاؤه وطعامه وشرابه ممكن يغيب عشرين يوم بدون أن يأكل أو يشرب ويأخذ من المخزون يطلع ويجتر ويبلع ثانية وغير ذلك .
    لماذا غضب النبي عليه الصلاة والسلام في ضالة الإبل ؟
    لأن الأصل في أموال الناس العصمة فلا يأخذ أحد حاجة أحد ، طالما أن الجمل فيه مظنة أن ينجوا وأن المدة تطول به حتى يبحث عنه صاحبه ويجده فليس لك شأن به ولا تقترب منه لأن الأصل في أموال الناس العصمة .
    والنبي لما سُئِلَ عن ضالة الإبل غضب حتى احمرت وجنتاه من الغضب وهذا قد يكون فيه شيئًا ظاهريً من التناقض ، نعود لتبويب البخاري.
    هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان ؟
    فالإمام أورد أحاديث كأنها متعارضة ، الأول: [ لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان ] ثم جاء بأحاديث كان النبي كان غضبان فيها
    انظر إلى البخاري ودقة البخاري ، ماذا قال في التبويب ؟ ربما البعض لم ينتبه والبعض انتبه لتبويب البخاري ،.
    البخاري ذكر شيئين في التبويب قال: باب هل يقضي القاضي أو يفتي ؟ أصبح عندنا قضاء وعندنا فتوى ، فنص في القضاء أنه لا يجوز أن يفتي وهو غضبان ، وأما في الفتوى فيجوز أن يفتي وهو غضبان .
    وهذه تحليل المسألة ، فالبخاري رحمة الله عليه يريد أن ينبه على هذه المسألة ، وكان من الممكن أن يقول باب لا يقضي وهو غضان ،.
    وهناك بعض الناس يخلط ما بين القضاء وما بين الفتوى وهذه مسألة أريد أن أنبه عليها .
    يأتي إلى رجل ويسألني سؤال فيقول مثلاً في الطلاق أو أي مسألة من المسائل وخاصة في الخصومات عمومًا ، فيقول لي أخي ظلمني وأخذ من كذا وكذا فأنا من وراءئه أخذت شيئًا لأخلص بها حقي ، هل أنا غلطان ؟ أقول له لا لست غلطان ، فيأتي أخوه يقول أنت كيف تفتي بأنه يأخذ حاجتي دون أن ترجع إلي ، لا ،.
    ليس من شرط المفتي أن يأتي بالطرف الثاني ، الذي يأتي بالطرف الثاني القاضي الذي معه جهة تنفيذية تقوم بتنفيذ الحكم .
    فأنا لو قلت بين اثنين الفتوى كذا وكذا فربما واحد لا يأخذ بكلامي ويتركني ويمشي ويقول أن هذا الكلام لا يعجبني ، إنما القاضي في المحكمة لما يصدر حكم هناك دولة خلفه وجهة تنفيذية تقوم بتنفيذ الحكم تقبض على المتهم أو تأخذ الحق وتنقله لآخر وغير ذلك .
    القاضي لابد أن يسمع للجهتين إنما المفتي لا ، وهذا له دلائل .
    في الإفتاء مثلاً: حديث عائشة في الصحيحين قالت:( جاءت هند بنت عتبة امرأة أبو سفيان فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح فهل علي أن آخذ من ماله بغير إذنه أو غير علمه قال لها خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف .
    الشاهد : لم يقل لها لا ، أو احضري لي أبو سفيان حتى نعمل مواجهة ونرى هل كلامك صحيح أم لا أم أنك تدعين عليه ، لا ، هذه فتوى .
    إنما الحكم : سينقل حق من واحد لواحد لابد أن يكون الاثنين موجودين والنبي صلي الله عليه وسلم أشار إلى هذا قال: إنما أنا بشر لما جاءه اثنين متخاصمين كل منهم يقول هذا حقي فقال لهم النبي قبل أن يقضي ( إنما أنا بشر أقضي بينكم على نحو ما أسمع وقد يكون بعضكم ألحن بحجته من الآخر _ يعرف يتكلم كويس ويرتب الكلام مع أنه ليس له حق والآخر عنده صعوبة في الكلام لا يتكلم كويس مع أنه صاحب الحق _فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار فبكي كلاهما وقالا حقي لأخي يا رسول الله طالما المسألة فيها نار حقي لأخي يا رسول الله .
    أنت ستأخذ الحق منه ستستمتع به قليلاً ثم تتركه للورثة ثم أنت الذي ستسأل عنه يوم القيامة ، فلا يوجد أحد غالي لدرجة أنك تدخل النار من أجله ، فبكي كلا وقال حقي لأخي يا رسول الله .
    يأتي واحد ويقول لي في حال هند بنت عتبة وأبي سفيان سيوجد انتقال مال من واحد للثاني ، نقول له لا ، امرأة أبو سفيان لها حق النفقة وأبو سفيان كما في هذا الحديث لم يعطها حقها في النفقة فهي تأخذ حقها .
    العلماء احتجوا بهذا الحديث كالبغوي أبي الحسين وغيره على أنه إذا كان لإنسان حق معلوم عند آخر وهذا الأخر جحد هذا الحق ولم يعطه إياه جاز له أن يأخذ حقه من هذا الأخر بأي وسيلة بدون علمه بشرط أن يأخذ حقه فقط أنه يجوز له ذلك بشرط أن يكون له حق أكيد .
    فعندنا الآن قضاء وهو القاضي المعين الذي معه سلطة تنفيذية تقوم بتنفيذ الحكم فهذا لابد من وجود الاثنين وعندي فتوى فلا يلزمني كمفتي أن أحضر الطرف الآخر وإلا تعطل باب الفتوى إذا كان لابد من وجود الطرفين .
    والإمام البخاري فرق ما بين الاثنين ، هل يقضي أو يفتي وهو غضبان ؟
    بان لنا رأي الإمام البخاري أنه لا يقضي وهو غضبان ويجوز له أن يفتي وهو غضبان ، وإذا كانت المسألة واضحة فلماذا قال هل ؟
    لماذا لم يجزم بالحكم فيما يتعلق بالقضاء لا سيما أنه قال في كتاب العلم قال باب الغضب في الموعظة والتعليم فجزم بالحكم؟
    أنه يجوز الغضب من أجل الأحاديث الموجودة هذه أنا قلت أن الإمام البخاري أحيانًا يورد الترجمة بصيغة الاستفهام إذا كان الحكم فيه أخذ ورد ، وأحد أقران الإمام البخاري وهو الإمام أبو عبد الرحمن النسائي صاحب سنن النسائي المشهورة له رأي مخالف في هذه المسألة:
    ففي كتاب القضاء له في أخر سننه قال( باب الرخصة للحاكم الأمين أن يقضي وهو غضبان )وهذا على خلاف الكلام الذي نقوله .
    ثم أورد الإمام النسائي حديثًا يحتج به على هذه الترجمة أن القاضي يجوز له أن يفتي يجوز له أن يقضي وهو غضبان .
    أورد حديثًا وهو في الصحيحين أن الزبير بن العوام اختصم مع جار له من الأنصار ممن شهد بدرًا في سقيا الأرض ، أرض الزبير بن العوام في العالي وأرض الأنصاري منخفضة ولم يكن لديهم رافعات للمياه والمفترض أن تكون المياه كثيرة وقوية حتى تصل لأعلى ، فالزبير يتناقش مع الأنصاري وقال له أنا أسقي الأول لأن أرضي في العالي وأنت لو سقيت قبلي أرضك منخفضة ستستوعب الماء كلها ولن أستطيع أن أسقي ، فقال له الأنصاري أنا لازم أسقي الأول ، فقال له الزبير نحن نحتكم للنبي عليه الصلاة والسلام .
    والنبي عليه الصلاة والسلام لأنه يعلم المسألة قال:( أسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك ) ، فلم يعجب الأنصاري الحكم وقال للنبي (أن كان ابن عمتك) ، فتحكم له علي ، فتلون وجه النبي صلي الله عليه وسلم وغضب وقال( اسق يا زبير ثم احبس الماء)، هذا لن يسقي أترك الماء حتى يصل إلى الحائط ، كيف يقال للنبي هذا أنك حابيته لكونه ابن عمتك ، فغضب وقضى واستوعب للزبير حقه في أصل الحكم ومنع الأنصاري .
    فقال الزبير بن العوام فأحسب أنه نزلت هذه الآية فينا في هذه الواقعة( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا ﴾ [ النساء:65 ]
    فالإمام النسائي يقول القاضي النبي صلي الله عليه وسلم قضى وهو غضبان .
    والإمام النسائي يُتعقب في مثل هذا ، لماذا ؟
    لأنه ليس كل أحد كرسول الله صلي الله عليه وسلم ، غضبه كرضاه إن غضبه لا يزيل عن الحق لأنه معصوم .
    والدليل علي ذلك الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وأحمد وصححه أبو عبدالله الحاكم في المستدرك من حيث عبدالله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما قال: كنت أكتب كل شيء يقوله رسول الله فنهتني قريش وقالت: إن رسول الله بشر يرضى و يغضب _ أي قد يقول في غضبه ما لا يقول في رضاه ،_( قال: فأمسكت) ، لو النبي صلي الله عليه وسلم غضب لا يكتب خشية أن يقول شيئًا لا يريده بسبب الغضب ، قال( فذكرت ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق) فيكون غضبه كرضاه في الحق سواء .في الرضا يكون حاله على غير حاله في الغضب ، في الغضب يكون عنده موجده وهو يتكلم بخلاف الرضا لكن لا يقول إلا حقًا بأبي هو وأمي صلي الله عليه وسلم سواء في الغضب أو الرضا .
    الإمام النسائي أجري الحكم على عمومه ، ونحن نقول لا ، غير النبي صلي الله عليه وسلم لا يقضي وهو غضبان ، لماذا ؟
    لأنه عندما يقضي وهو غضبان يزيله هذا عن الإنصاف ، ويجري مجرى الغضب كل ما يخرج المرء عن الحق ، فمثلاً يحتاج إلى النوم والنوم يغلبه ولا يعي لا يجوز له القضاء ، لو سكر أو أكل الحشيش أو المخدرات أو عمل أي شيء تخل بعقله فلا يجوز له ، الفرح الشديد الذي قد يزيل المرء عن طبعه لا يجوز له أيضًا أن يقضي وهو شديد الفرح إن كان يزيله عن الإنصاف ، شديد الغضب بالنص ، أي كل ما ذكرته إنما يكون بالقياس لجامع العلة المشتركة وهو أن يزيله عن الإنصاف بين الغضب وبين ما ذكرت .
    الإمام البخاري عندما يقول باب: هل يقضي أو يفتي وهو غضبان ؟ فالإمام البخاري له ملحظ في هذه المسألة ومن لم يلحظ هذا الموضوع يقول لأ ، البخاري متناقض لأنه أورد أدلة متناقضة في الباب الواحد .
    كذلك يقول الإمام البخاري باب: هل يقال مسجد بني فلان ؟ واحد بني مسجد ويريد أن يسمي المسجد باسمه فهل هذا جائز ؟
    أورد فيه حديث بن عمر(أن النبي صلي الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق )
    وذكر بن عمر أنه كان يسابق في هذه المسألة ، والحفياء: اسم مكان ، وثنية الوداع: اسم مكان ، مسافة من هنا إلى هنا ، سباق للخيل الخيل تجري بجوار بعضها .
    الخيل المضمرة: التي ليس لها بطن ، والتي لم تضمر: التي أكلت ولها بطن وسيجففونها ويجعلوها مضمرة من أجل الكر والفر وغير ذلك .
    فبقول بن عمر الخيل التي لم تضمر كانت المسافة من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق وهذا هو النص في المسألة :
    والإمام البخاري عندما يقول: باب هل يقال مسجد بني زريق بعد هذا الحديث هل عرفت رأي البخاري يجوز أم لا ؟
    واضح أن البخاري لا يرى بأسًا أن ينسب المسجد إلى من يبنيه ،
    وما الدليل في هذه المسألة ؟
    قال: مسجد بني زريق .
    لماذا أورد البخاري بصيغة الاستفهام ؟
    لأن المسألة فيها خلاف ، إبراهيم النخعي أحد الفقهاء الكبار من أهل الكوفة فيما رواه بن أبي شيبة في المصنف كان يكره أن يُقال مسجد بني فلان ويتلوا قوله تعالي:﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18] .
    اعترض بالآية
    الجمهور قالوا: هذه أي عندما أقول مسجد بني فلان أو مسجد فلان هذه إضافة تمييز وليست إضافة ملك ، لأن لو قلنا مسجد فلان فهل يستطيع أن يعمل به ما يشاء ؟ لا ، المساجد لها حرمات ، والمساجد لها أحكام ، هو اسمه مسجد بني فلان ولكنه لا يستطيع أن يعمل بداخل المسجد شيء منهي عنه أن يعملها .
    فالمسألة كلها مجرد تمييز فقط وليست إضافة ملك كما نقول مثلاً أو نذكر في بعض الأحاديث أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول لبعض الصحابة يا بني كما قال للمغيرة بن شعبة لما كان يسأله عن الدجال كثير كما في صحيح مسلم ، قال: ( ما ينصبك منه يا بني ) .
    فلما يأتي واحد ممن يأخذ المسألة على ظاهرها يقول هذا الكلام ليس مضبوط لماذا ؟ لقول الله تعالي:﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ [الأحزاب: 40] ، فكيف يقول له يا بني ؟ وهو ليس أبيه ولقوله تعالي:( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ [الأحزاب:5] وهو لما يقول يا بني وهو ليس ابن الرسول عليه الصلاة والسلام فيقول حصل تعارض .
    مثل الجماعة الذين يعترضون على البخاري بنفس الأسلوب الذي أتكلم به الآن .
    اعتراض البعض علي حديث متفق عليه :
    فهناك من يعترض على حديث متفق عليه يقول حديث ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) قال هذا الحديث مكذوب مع أن هذا الحديث متواتر عن أبي هريرة رواه أكثر من أربعة وعشرين تابعي عن أبي هريرة ورواه مع أبو هريرة أنس بن مالك ، عبدالله بن عمر بن العاص ، حوالي ثمانية عشر صحابي الذين رووا هذا الحديث أي أن الحديث متواتر عن النبي ومتواتر عن أبي هريرة .
    فقال إن هذا الحديث مكذوب ، لماذا ؟
    قال:لأن الله عز وجل يقول:﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين ﴾ [ البقرة:256] فكيف يقال ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) والآية تقول: ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين ﴾ .
    ويقول الله عز وجل:( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾[الكهف: 29] ويقول الله عز وجل:( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )[يونس: 99] ، يأتي لك بهذه الآيات ويعترض على الحديث بهذه القصة ، وكما قلت لا يعترض على البخاري إلا جاهل لا يعلم شيئا ،
    هل هناك تعارض ؟
    لا ، لا يوجد تعارض ، لماذا ؟ لأن قول الناس في الحديث ، أمرت أن أقاتل الناس ،.
    هؤلاء الناس عبارة عن كم صنف ؟ .
    الصنف الأول: المؤمنون ، الصنف الثاني: المنافقون ، الصنف الثالث: الكفار ، فهل يكون القول أمرت أن أقاتل المؤمنين؟
    لا لأن لأن المنافق يقول لا إله إلا الله حتى ولو كان يبطن الكفر .
    ولا يبقي في الناس إلا الكفار : وهذا منصوص رواية النسائي( أمرت أن أقاتل المشركين حتى يقولوا لا إله إلا الله )(فقول الناس) وإن كان ورد علي صيغة العموم لكن يراد به الخصوص .
    الكلام طويل في هذه المسألة وربما تأتي مناسبة نتكلم فيها لكن أريد أن أقول لا يقول يا بني لأن:﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ ، لا يعترض على البخاري بمثل هذا .
    فالإمام إبراهيم ألنخعي قال الآية﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ قال هذه معارضة .
    الجمهور قال لا ،: لا توجد معارضة حصل نوع من الجمع .
    والبخاري عندما يقول هل يقال مسجد بني فلان ؟
    يجوز أن يقال مسجد بني فلان وإذا كان هذا يقال في المساجد فمن باب أولى أعمال البر ، فيمن أنشأ مستشفى ، أو من أنشأ داراً للأيتام أو غير ذلك فكتب اسمه عليها فلا بأس بذلك ، إذا كان في المسجد جائز ففي غيره أجوز .
    يقول أيضًا الإمام البخاري في كتاب الطهارة باب( هل يمضمض من اللبن ؟ أنت شربت اللبن وأنت متوضئ وتريد الذهاب إلى الصلاة تتمضمض .
    أورد فيه حديث بن عباس (أن النبي صلي الله عليه وسلم شرب لبنًا فمضمض وقال أن له دسمًا ،)
    باب هل يمضمض من اللبن رأي البخاري بعد أن أورد الحديث يتمضمض أم لا ؟
    نعم يتمضمض .
    لماذا ؟
    قال له دسم وكل ما يجري مجري اللبن كالطبيخ الذي عليه سمنه أو الذي عليه زيت فهذا عبارة عن دسم ن كل شيء فيه دسم في هذه الحالة يتمضمض
    الإمام الترمذي نقل في السنن أن هذا الأمر أو أن هذا الحكم على الاستحبابواحتج الحافظ بن حجر بحديث رواه أبو داود عن أنس بسند حسن( أن النبي صلى اله عليه وسلم شرب اللبن ولم يتمضمض
    فالإمام رحمة الله عليه يورد الترجمة بصيغة الاستفهام حتى يبين جريان الخلاف في المسألة .
    والبخاري في هذا الباب سماء أغلب تراجم البخاري خفية لذلك أهل العلم اختلفوا فيها ، بعض العلماء مثل الاسماعيلى أو غيره يعترض على البخاري ، أبو الوليد الباجلي أكثر الناس اعتراضًا على البخاري في مسألة التراجم والعلماء يقولون له أنت لم تأخذ بالك ، البخاري يقصد كذا وكذا وذلك كما قلت لكم في بداية الحلقة أن البخاري كان يتكلم بالشفرة يحتاج أن الطالب يشغل ذهنه وكان يحب التراجم الخفية ، سبعة عشر سنة والبخاري يؤلف الكتاب مع سيلان الذهن وسعة الماد العلمية عنده .
    ويأتي واحد لم يدرس أصول حديث ولم يدرس أصول فقه وليس عنده أي فكرة عن أي شيء ويقول البخاري غلطان والبخاري لا يفهم وجناية البخاري على سيد المرسلين ، الكلام السيئ الذي نسمعه اليوم وإن شاء الله تراجم البخاري تصل تقريبًا إلى عشرين نوعًا من التراجم ، ويمكن لكل نوع من هذه الأنواع ممكن يكون تحت منها أنواع أخرى فرعية من التراجم .
    وهذا كله بإذن الله الكريم في الحلقات القادمة ونحن نتكلم عن الترجمة بأركانها الثلاثة مع كل حديث سنأتي لها بالنظائر من كتاب البخاري رحمة الله تبارك وتعالي عليه .
    وأنا لا أقدر أن أوفي الموضوع حقه في هذه الحلقة لكن إن شاء الله لعلي أبسط شيئًا من هذا وأنبه أن طريقتي في شرح صحيح البخاري أنني أقرأ الحديث كله سندًا ومتنًا وممكن من خلال الإسناد نذكر بعض قواعد علوم الحديث ، وأنا أريد أن أعمل ثقافة أصولية عند الجماهير ثقافة أصولية في الحديث وثقافة أصولية في الفقه ، فعندنا أصول فقه وعندنا أصول حديث أبسطها جدًا بحيث أننا نضع قواعد ونرتب كما قلت في الدرج بحيث يكون عندك نوع من السداد في الفهم ، فهذه الثقافة أنا مضطر أن أبسطها جدًا .
    إخواننا من أهل العلم سيجني أتسامح في تبسيط المعلومة وذلك لأنني أكلم عوام غير متخصصين وإلا أن لو كنت مع أحد من أهل العلم فلازم استخدم مصطلحات أهل العلم وقد تكون هذه المصطلحات مغلقة ولكي أفسرها تحتاج إلى حلقة فأحاول على قدر المستطاع أنني أنزل بالتعبير حتى وإن لم يكن دقيقًا من جهة الاصطلاح لكن بغية أن أبسطه لعوام الناس ، وشيئًا فشيئًا مع ارتقاء الذوق بإذن الله الكريم ممكن أستخدم كلام أهل الاصطلاح وكما قلت لك ركز معي وأنا أجعلك إن شاء الله مدمن ، بعد أن تمشي معي في الحلقات ستحب جدًا جدًا علم الحديث وسيشعر المشاهد أنه كان أعمي ثم أبصر بعد أن يعلم شيئًا من علوم الآلات علوم الحديث وعلوم أصول الفقه .
    إجابة الأسئلة
    س: ما الحكم إذا خالف الأدب الأمر وأيهما يقدم ؟
    الجواب: مسألة إذا خالف الأدب الأمر ، الذي سمعه أنه يُقدَم الأدب على الأمر هذا الكلام يقوله الجماعة الذين يحتفلون بمولد النبي_ صلي الله عليه وسلم_ بالصورة التي نراها الآن ، وأن الصحابة الكرام لم يكونوا يحتفلون بالنبي _صلى الله عليه وسلم بهذا لأنهم كانوا يتدينون بسنته ليل نهار ، إنما بعدما صار الدين عبارة عن مظاهر جوفاء اكتفي كثير من الناس أنه يطبل ويزمر في يوم من السنة ويقول بحبك يا نبي ويطبل ويزمر ، مع أن الطبل حرمه عليه والزمر حرمه عليه وهذا الكلام ، ولكن يعبرون عن فرحتهم بالنبي بما أمرهم النبي_ صلى الله عليه وسلم_ ألا يفعلوه .
    طبعًا احتجوا على هذا الكلام بحديث واقعة أبو بكر الصديق ، وهذه الواقعة رواها سهل بن سعد ألساعدي رضي الله عنه والحديث في الصحيحين "، أنه حدث مشكلة في بني عمرو بن عوف حتى تراشقوا بالحجارة ، فالنبي عليه الصلاة والسلام بعدما صلى الظهر أخذ جماعة من الصحابة وذهب ليصلحوا بين بني عمرو بن عوف وقال لبلال إذا تأخرت فليصلى أبو بكر ، وفعلاً تأخر النبي صلى الله عليه وسلم وأُذِنَ للعصر وجاء بلال ليستأذن أبي بكر الصديق ليقيم الصلاة أم لا ، فقال له أقم ، ودخل أبو بكر الصديق في القبلة ، كبر فما هو إلا أن سمع تصفيقًا كثيرًا من المسلمين الذين يصلون خلفه وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة ، فلما أكثروا من التصفيق التفت فإذا النبي _صلى الله عليه وسلم _يشق الصفوف ، فأشار إليه النبي_ صلى الله عليه وسلم_ إليه أن أثبت _،ابق مكانك في القبلة _، فرفع أبو بكر _رضي الله عنه_يديه فحمد الله_عز وجل_فرجع وقدم النبي_ عليه الصلاة والسلام_ .
    بعدما انتهي النبي_صلي الله عليه وسلم_ من الصلاة قال له يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ،فقال له ما كان لابن أبى قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله _صلى الله عليه وسلم _.
    هم يقولون أبو بكر خالف الأمر ، أليس يقول له ما منعك أن تثبت إذ أمرتك قال له قف ، فلم يقف ورجع ، لماذا ؟ لأن هذا أدب أنه لا يصلى بالنبي_ عليه الصلاة والسلام _، قال قدم الأدب على الأمر ، فإذا تعارض أدب مع الأمر قٌدٍمَ الأدب .
    طبعًا هذا الكلام لا يقول به أحد قط من أهل العلم ولا ينبغي أن يقول أحد هذا الكلام أبدًا ، لماذا لأن أهل العلم جميعًا ليس بينهم خلاف أعلمه يقولون الأدب هو التزام الأمر ، ومخالفة الأمر ليست من الأدب ، وإلا نحن نرد عليهم أيضًا على من يقولون بهذا بنفس واقعة لأبي بكر أيضًًا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الواقعة رواها الشيخان_ البخاري ومسلم_ من حديث عائشة _رضي الله عنها_ ولها أكثر من طريق عن عائشة .
    يرويها عُبيد الله بن عبد الله بن عتبة ويرويها حمزة بن عبد الله بن عمر ويرويه الأسود بن يزيد ، يرويه عروة بن الزبير ، كل هؤلاء يرون هذا عن عائشة رضي الله عنها ، وهي تصف مرض النبي _صلى الله عليه وسلم _، أن الرسول _عليه الصلاة والسلام_لما ثقل به المرض قال: " مروا أبو بكر فليصلي بالناس قالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف" _كثير الأسف ، كثير الحزن لا يملك عينيه إذا قرأ القرءان ، والإنسان إذا بكي لا يُسمِع من خلفه "فلو أمرت عمر أن يصلي ، فقال إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصلي بالناس "،_صواحب يوسف هم النسوة عندما تكلموا في امرأة العزيز{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }(يوسف30) فأرسلت إليهن ولم تقل لهن لماذا هي دعتهم ، إنما أرسلت إليهن على أساس أنها دعتهم للضيافة لكنها ما قصدت أن تضيفهم ، لا ، قصدت أن تقيم العذر لنفسها وهذا هو الذي تحتويه في بطنها .
    لكن الظاهر أنها دعتهم كأي دعوة ، فلما جاءوا ورأوا يوسف وقطعوا أيديهن من مرة واحدة رأوه فيها ، فهي تريد أن تقول فكيف بي وأنا أعيش معه ليل نهار ولا زلت أقف على قدمي ، فهي في بطنها شيء أما دعوتها الظاهرة شيء آخر .
    النبي _عليه الصلاة والسلام_ يقول لعائشة إنكن صواحب يوسف في بطونكم شيء وفي قلوبكم شيء وكلامكم مختلف وعائشة رضي الله عنها أفصحت لماذا لا تريد أن يصلي أبو بكر الصديق مكان النبي _صلى الله عليه وسلم_ في هذا المرض الشديد حتى لا يتشاءم المسلمون من أبي بكر ، فتقول له لو أمرت عمر ، فلما قال لها النبي هذا إنكن صواحب يوسف ، قالت لحفصة تقول للنبي _عليه الصلاة والسلام _إن أبا بكر رجل أسيف فلو أمرت عمر فقال: "إنكن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصلى بالناس ."
    تقدم أبو بكر الصديق وصلى ، والنبي_ عليه الصلاة والسلام _وجد خفةً في بدنه اعتمد على العباس وعلي بن أبي طالب ومشى يهادي بينهم _أي لا يستطيع أن يقف على رجله _عليه الصلاة والسلام _، فلما رأى المسلمون النبي كادوا يفتنوا في الصلاة ، فلما علم أبو بكر بذلك أراد أن يتأخر ، فقال له النبي _صلى الله عليه وسلم_ اثبت فثبت ولم يرجع .
    هل خالف أبو بكر سبيل الأدب في هذه المرة لما قال له أثبت فثبت ، نفس السابقة .
    يقول القائل لماذا رجع في المرة الأولى ولم يرجع في المرة الثانية؟ ، وهذا من بركة الحديث وجمع طرق الحديث ، والعلماء إذا أرادوا أن يتكلموا في مسألة لا يأخذون حديث واحد ويتكلمون فيه إنما يجمعوا كل الأحاديث التي وردت في الباب ، ويسلطوا المعاني بعضها على بعض ويخرجوا بكلام مستقيم ، وإذا لم يجمع المرء الأحاديث الواردة في الباب يزل .
    لما فتش العلماء في الواقعة الثانية التي ثبت فيها أبو بكر ولم يرجع ، وجدوا في مغازي موسى بن عقبة رحمه الله وهي أصح المغازي كما يقول الإمام مالك ، أن هذه الصلاة كانت صلاة الفجر وكانت الركعة التي دخل النبي عليه الصلاة والسلام فيها المسجد هي الركعة الثانية ، فالرسول_ عليه الصلاة والسلام _لو تقدم إلى الصلاة لاختل نظام الصلاة ، والمسلمين كانوا سيصلون ثلاث ركعات .
    كما حدث لعبد الرحمن بن عوف مع النبي_ عليه الصلاة والسلام_ والحديث في صحيح مسلم ، لما النبي _عليه الصلاة والسلام _تأخر في شيء كهذا وكان عبد الرحمن بن عوف صلى بالناس ، وجاء النبي _عليه الصلاة والسلام في الركعة الثانية ، قال المغيرة بن شعبة راوي الحديث فأردت أن أًؤذنه وهذه الرواية في النسائي ، فنهاني رسول الله _صلى الله عليه وسلم _، وصلى خلف عبد الرحمن بن عوف _رضي الله عنه_ ، لأن عبد الرحمن بن عوف كان في الركعة الثانية .
    إذن لما تأخر أبو بكر الصديق كان في بداية الصلاة ولم يكن ركع أما في المرة الثانية أبو بكر كان قد صلى ركعة ، وليس القصة قصة مخالفة الأمر ، بل العلماء يقولون الامتثال هو الأدب ، ولا يتصور أن يؤمر رجل بأمر من أي أحد يقول لأبنه أو لأخيه افعل كذا فيقول معذرة أنا لن أنفذ الأمر لأنني أرى أن من باب الأدب أنني أفعل غير الذي تقول فمن يقول أن هذا أدب ، أو أن عالم من علماء المسلمين ممكن يتورط ويقول مثل هذا الكلام .
    الأدب هو الوقوف عند الأمر ، الامتثال هو الأدب بل خير من الأدب كما يقول بعض العلماء .
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    س: ما هي صحة قصة ثعلبة بن حاطب ؟
    الجواب:كثير من خطباء المساجد يذكرون قصة ثعلبة بن حاطب عندما يفسرون قوله تعالى:{ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }[التوبة:75-77] كل كتب التفسير تورد قصة ثعلبة بن حاطب – رضي الله عنه- وقصة ثعلبة هذه مختصرها أن ثعلبة بن حاطب قال يا رسول الله أدعو الله أن يرزقني مالاً قال يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تقدر عليه ظل يلح علي النبي - صلي الله عليه وسلم- أدعوا لي الله أن يرزقني مالاً ، فقال: يا ثعلبة أفم لك فيَّ أسوة ؟ لو شئت لصارت الجبال معي ذهبا ، قال: له أدعو الله أن يرزقني مالًا ، فرفع النبي- صلى الله عليه وسلم- يديه وقال: اللهم ارزق ثعلبة مالاً .
    كان عنده بعض الغنم وبدأت الغنم تلد وتتكاثر كالدود ، وضاقت المدينة بالغنم فأخذ الغنم وخرج خارج المدينة ، وأصبح لا يصلي جماعة إلا الظهر والعصر فقط ، والباقي لا يصليه جماعة لأن الغنم نمت وصارت كثيرة كالدود ترك الصلاة ولم يعد يصلي إلا الجمعة ، والغنم كثرت أكثر وأكثر فترك الجمعة كذلك ، لا يصلي الجمعة ، والنبي- عليه الصلاة والسلام- إذا ذكر ثعلبة يقول يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ، حتى نزل قوله تعالي:{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ، وفُرِضَت الزكاة ، فالرسول – عليه الصلاة والسلام- أرسل اثنين ، أرسل رجلاً يأتي بالصدقة من اثنين أحدهما من بني سليم ومن ثعلبة بن حاطب ، فأخذ رسول رسول الله –صلي الله عليه وسلم- وذهب إلى ثعلبة ، قال له يا ثعلبة عليك زكاة ، فقال له ثعلبة وما هذه الزكاة ؟ فقال له هذا كتاب رسول الله – صلي الله عليه وسلم- ، فنظر في الكتاب وقال والله إن هذه الجزية أو هذه أخت الجزية .
    فقال له أنت ذاهب إلى مكان أخر ، فقال له أنا ذاهب إلى فلان ، فقال له اذهب له حتى أفكر وأشاور نفسي ، فذهب الرسول وأحضر الصدقة من رجل بني سليم ثم عاد إلى حاطب ، قال له أعطني الكتاب أنظر فيه ثانية ، فنظر في الكتاب وقال هذه الجزية ، أو هذه أخت الجزية ، اذهب إلى النبي وأنا سأفكر في هذه المسألة ، الرواية تقول أن النبي عندما قدم عليه الرسول وقبل أن يتكلم قال النبي: يا ويح ثعلبة فقال له أن ثعلبة قال كذا وكذا وقال أنها هذه الجزية ، أو هذه أخت الجزية ، فنزلت الآية:{ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ } .
    أحد أقارب ثعلبة يجلس في المجلس عندما نزلت الآية ذهب إلى ثعلبة وقال له هلكت ، فقال له لما ؟ قال لقد أنزل الله فيك قرءاناً يقول كذا كذا كذا فجاء ثعلبة مسرعًا إلى النبي- عليه الصلاة والسلام- وقال يا رسول الله الغنم كلها تحت أمرك خذ ما تريد ، فرفض النبي أن يأخذ منه الغنم ، فجلس ثعلبة يحثوا التراب على رأسه ليأخذ الغنم ومات النبي وقد رفض يأخذ الزكاة من ثعلبة وجاء ثعلبة إلى أبي بكر الصديق رفض يأخذها وإلى عمر فرفض أن يأخذها وعثمان فرفض أن يأخذها ومات ثعلبة في خلافة عثمان ، وهذه هي القصة التي ذُكِرَت في كتب التفسير والخطباء يذكرونها على المنابر .
    أن أقول هذه قصة باطلة ، لا تصح ، ليس لها إلا إسناد مشهور ، ربما يكون لها أسانيد أخرى ، لكن أشهر إسناد لها هو الذي رواه الطبري في التفسير ورواه بن أبي حاتم في التفسير ، ورواه الطبراني في المعجم الكبير وفي الأحاديث الطوال ، ورواه البيهقي في دلائل النبوة والبغوي في تفسيره من طريق مُعان بن رفاعة ألسلامي عن على بن يزيد الألهاني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامه رضي الله عنه .
    مُعان بن رفاعة ألسلامي مختلف فيه ، الإمام أحمد وأبو داود قالوا لا بأس به ووثقه علي بن المدين ، وبن معين والدا رقطني وبن حبان والعقيلي والأسدي على ما أذكر قالوا أنه ضعيف فهو مختلف فيه .
    علي بن يزيد الألهاني شيخه متروك ، تركه النسائي ، تركه ألأسدي، تركه الدار قطني والبرقاني ، وضعفه الأئمة بن معين وأحمد بن حنبل وأبو حاتم الرازي وبن عدي وتكلموا فيه كلامًا شديدًا ووكزه بن حبان فقضى عليه ، وكلام بن حبان في على بن يزيد كلام شديد للغاية ، بل أذكر أن البخاري يقول منكر الحديث ، وهذا القول في اصطلاح البخاري تساوي ضعيف جدًا لأن منكر الحديث في اصطلاح غير البخاري ضعيف فقط ، إنما عند البخاري ضعيف جدًا .
    كما صح عنه أنه قال: من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه فالإسناد ضائع وهذا من جهة الإسناد .
    أما من جهة المتن ففيه علل :
    أولاً: ثعلبة بن حاطب بدري و عندنا نصوص قاطعة في أهل بدر خصوصًا في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن حاطب بن أبي بلتعة راسل جماعة من المشركين يخبرهم بأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- سيغزوهم كشف الأسرار العسكرية وأرسل هذا الخطاب لجماعة من المشركين يقول لهم فيه متى سيغزوهم النبي وأين سيذهبون وغير ذلك ، لماذا ؟لأن قرابة حاطب بن أبي بلتعة كانوا يعذبون في قريش ، فأراد أن يتخذ جميلاً عند القرشيين حتى يخفوا عن أقاربه ، وبدلاً من أن يضربوهم أو يعذبوهم يقولون حاطب له جميل عندنا أفشي سر النبي- صلي الله عليه وسلم- فنحن لن نعذب قرابته .
    وأعطى هذه الرسالة لامرأة فوضعتها في ضفائرها وعقدت شعرها على هذه الورقة ن فنزل جبريل- عليه السلام- وأخبر النبي- عليه الصلاة والسلام- بالواقعة ، وحاطب كان يجلس بالمجلس ، فالنبي- صلى الله عليه وسلم- أرسل علي بن أبي طالب والمقداد بن الأسود وواحد معهم وقال اذهبوا إلى روضة خاف ، اسم مكان ستجدون ظعينة امرأة معها كتاب أحضروه فذهب علي بن أبي طالب والمقداد والأخر وجدوا بالفعل المرأة تجلس بالمكان الذي قال عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- ، فقالوا له هات الكتاب الذي معك، قالت ما معي كتاب ، فقال لها علي لتخرجن الكتاب أو لنقلبن الثياب فالمرأة مباشرة أخرجت الكتاب من ضفائرها وأعطته لعلي بن أبي طالب .
    أخذ علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- الكتاب وجاء إلى النبي- صلي الله عليه وسلم- وحاطب بن أبي بلتعة يجلس مع جماعة من الصحابة فيهم عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ، فتح الكتاب وقٌرئ الكتاب وإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى جماعة من المشركين كذا كذا كذا ، عندما سمع عمر بن الخطاب هذا الكلام أخرج السيف وأراد أن يضرب عنق حاطب ، فقال يا رسول الله دعني أقطع عنق هذا المنافق إنه خان الله ورسوله والمؤمنين ، فقال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:" وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شتتم فقد غفرت لكم " فبكى عمر- رضي الله عنه- .
    وقال- صلي الله عليه وسلم-: " لا يلج النار أحدٌ شهد بدرًا والحديبية " ، ولما جاء غلام حاطب بن أبي بلتعة يشتكي حاطباً إلى النبي- صلي الله عليه وسلم أنه كان يقسو عليه ، وقال الغلام للنبي- صلي الله عليه وسلم-: والله يا رسول الله ليدخلن حاطب النار ، فقال- عليه الصلاة والسلام- " كذبت إنه شهد بدرًا " ، فأهل بدر شهد النبي - صلي الله عليه وسلم- أنهم في الجنة لا يدخلون النار ، والآية هنا تقول:{ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } ، ومثل هذا ألبدري يستحيل يدخل تحت هذه الآية بهذه النصوص التي ذكرتها .
    ثانيًا: أن ثعلبة بن حاطب قُتِلَ يوم أحد وهذا هو الثابت المعروف في حين أن هذه الرواية تقول أنه مات في خلافة عثمان .
    ثالثًا: أن الزكاة حق الله في المال ولا يجوز لأحد أبدًا ، للأمير إذا جاء رجل وقال خذ زكاة مالي ، فلا يقول لا أخذ منك الزكاة ، لأنه لو منع الزكاة لقاتله الإمام , كما فعل أبو بكر الصديق مع الذين منعوا الزكاة ، ماذا فعل معهم ؟ قاتلهم ، وقال: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فما بالك برجل يأتي بالزكاة فنقول له لن نأخذ منك الزكاة فكيف يكون ذلك ؟ هذا كلام غير متصور .
    الإسناد ضائع في علي بن يزيد الألهاني ، وهذا يكفي أن يسقطه في الأرض السابعة ، وعلي بن يزيد الألهاني متروك الحديث ، ساقط ضعيف جدًا في الإسناد ، وهذا المتن فيه علل ومكن نأتي بعلل أخري في المتن ، لذلك نقول لإخواننا الخطباء لا يذكرن أحدًا منكم قصة ثعلبة فإن ثعلبة بدري فاضل ومات يوم أحد والقصة باطلة برمتها والحمد لله .

    نسأل الله تبارك وتعالي أن يجعل ما قلناه زاداً إلي حسن المصير إليه, وعتاداً إلي يمن القدومِ عليه, إنه بكل جميلٍ كفيل, وهو حسبنا ونعم الوكيل, وصلي الله اللهم وسلم وبارك علي نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.
    انتهي الدرس الثالث
    * * *
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    المشاركات
    81

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    جزاك الله خيرا على هدا العمل
    و مما زادني فخرا و تيها و كدت باخمصي اطا الثريا
    دخولي تحت قولك يا عبادي و ان صيرت احمد لي نبيا

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    [4] التعريف بكتاب صحيح البخاري
    فنحن اليوم مع صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالي وسنشرح كما ذكرنا قبل ذلك من هذا الكتاب الجليل كتاب الرِقاق وكنت اصطلحت على أن أسمي شرحي هذا [ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق من صحيح الإمام أبي عبد الله ] .
    كتاب الإمام له اسم وهذا الاسم له دلالة اسم كتاب البخاري ( الجامعُ الصحيحُ المختصر المسند) فله أربع أوصاف للكتاب الجامع ، الصحيح ، المختصر ، المسند ، كل صفه من هذه الصفات الأربعة تحتها موضوع ، فمثلاً في عقد الزواج عندما يذهب الرجل ليتزوج بامرأة فيقول البكر البالغ العاقل كل واحدة من هذه الأوصاف يترتب عليها موضوع ، فإذا ثبت أنها ثيب وليست بكرًا انفسخ العقد لو ثبت أنها مجنونة انفسخ العقد وهكذا وهذا ليس من قبيل ذكر أوصاف مجرد أوصاف .وكتاب الإمام الجامع يدل على أنه جمع أنماطًا كثيرة من العلم ،
    وصحيح الإمام البخاري كله يتألف من سبع وتسعين كتابًا :
    كتاب بدء الوحي كتاب الإيمان ، كتاب العلم ، كتاب الطهارة ، كتاب الصلاة ، كتاب الجنائز كتاب الزكاة ، كتاب الصيام ، كتاب الحج ، كتاب الحدود ، كتاب البيوع كتاب الشفعة ، الرهن ، الوكالة ، الكفالة ، كتب النكاح ، كتاب الطلاق كتاب الأدب ، كتاب المغازي ، كتاب فضائل الصحابة ، كتاب الأنبياء بدء الخلق الجزية ، الموادعة ، فرض الخمس ، فنقول بعض أنواع من الكتب بلا ترتيب .
    عدد الكتب التي في صحيح البخاري من أول الكتاب إلى آخره سبع وتسعون كتابًا .
    أول كتاب بدأبه البخاري كتابه بدء الوحي وأخر كتاب ختم به كتاب التوحيد ، ودلالة ذلك:
    أول كتاب حتى نفهم قدر الإمام أبي عبد الله وفهم الإمام أبي عبد الله أول كتاب في هذا الجامع اسمه كتاب بدء الوحي الكتاب رقم وأخر كتاب الكتاب رقم سبعة وتسعين اسمه كتاب التوحيد الذي ختم البخاري به كتابه ، أول كتاب كتاب بدء الوحي وأخر كتاب كتاب التوحيد ، دلالة ذلك لأن الإمام رحمة الله عليه يريد أن يقول من أراد أن يخرج من الدنيا علي التوحيد فعليه أن يبدأ في كل أموره بالوحي ، فالبوابة التي تدخل الإسلام من خلالها هو الوحي ،
    الوحي ليس مقصورًا على القرءان وحده عند جماهير أهل العلم بل السنة أيضًا من جملة الوحي .
    والعلماء عندما يذكرون قوله تعالي:﴿ إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9] يقولون جميعًا الذكر قرءان وسنة وليس الذكر هو القرءان وحده .
    فالوحي هو الطريق الوحيد الذي يوصل إلى الله تبارك وتعالي :
    في مقابل هذا الوحي لا يكون إلا الهوى والرأي الشخصي الذي ينطلق المرء منه
    كما قال سفيان الثوري رحمه الله [ الحديث درج ] الحديث_ أي الوحي إشارة إلي أن الوحي قرءان وسنة_ [ الحديث درج ] أي مثل السلم .
    [ والرأي مرج ] والمرج المكان المنبسط الواسع مثل السهول .
    [ الحديث درج والرأي مرج ] فإذا كنت على الدرج تمشي على السلم فاحذر أن تزل قدمك فتندك عنقك ، فالذي تخطيء قدمه السلم يسقط على رأسه فورًا ، وإذا كنت في المرج( السهول) فسر حيث شئت .
    يريد أن يقول أن المرء إذا تعان الوحي كان مقيدًا فلا يستطيع التصرف كيف شاء: لا يستطيع أن يقول أنا حر كما نبهنا من قبل مرارًا وتكرارًا بخلاف الهوى ، الخلاف الذي كالسهول ينطلق المرء من هواه.
    وقد ذكر الله تبارك وتعالي الجهتين متقابلتين( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ ) هذا هو الوحي ( فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ) ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ )هذا الوحي ﴿ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ ﴾ هذا الهوى [ ص:26 ] ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ) هذا هو الوحي ( وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾[ الكهف:28] :
    فأي إنسان يريد أن يخرج من الدنيا على التوحيد ويحقق التوحيد فعلا فعليه أن يبدأ بالوحي :
    فكأنما أراد الإمام البخاري رحمه الله أن يقول: أنا جمعت أطراف العلم في كتابي هذا لكنه كتاب مقيد بالوحي لذلك بدأ بهذا الكتاب كتاب بدء الوحي وذكر فيه عدة أحاديث قليلة لا تصل إلى عشرة تقريبًا تصل إلى سبعة أحاديث ، فمن أراد أن يخرج من الدنيا على التوحيد وهذا ختام الكتاب ونهايته فعليه ببدء الوحي .
    هل بين أول حديث في الكتاب وآخر حديث مناسبة؟
    أول حديث في الكتاب وآخر حديث في الكتاب هل بينهما مناسبة ، أول حديث في الكتاب الحديث الشهير الذي نعرفه جميعًا وهو حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد اتفق الأئمة الستة عليه وأجمع العلماء علي صحته حديث ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ):
    الإمام البخاري روى هذا الحديث في سبعة مواضع من صحيحه وأول موضع في الصحيح في بعض الحديث .
    فأول حديث إنما الأعمال بالنيات دل ذلك على أن النية عمل مستقل لأن النية هي عمل القلب وعمل الملوك أشرف الأعمال لأن عمل الملوك عمل سيادي ، فأي أمير أو رئيس أو ملك أصدر قانونًا هذا القانون يعم الناس جميعًا ومن خالف هذا القانون فهناك جهات تنفيذية تعاقبه ومواد تعاقبه ، فعمل القلب أو الملك منتشر .
    هذا القلب الذي هو ملك البدن هو متحكم في كل هذه الجوارح فمجرد عقده للعمل أي النية فهذا في حد ذاته عمل بل كل الجوارح تفتقر إلى مداخلة القلب في العمل ، إذا تخلى القلب عن الجارحة في العمل حبط وسقط ولا قيمة له .
    والرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) فكل أبواب الشريعة مما يتعبد فيه رب العالمين جل ثناؤه لابد من دخول النية فيه ، يكون عندك عقد هذا القلب ينعقد على العمل فهذا أول حديث فكل الأحاديث كتاب الإيمان ، كتاب العلم ، كتاب الطهارة ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ... إلى آخر الكتب كتاب التوحيد يحتاج إلى عمل القلب .
    أخر حديث في صحيح البخاري حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:[ كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ]
    فما العلاقة التي بين هذا الحديث وكل الأحاديث التي مضت؟
    صحيح البخاري سبعة ألاف وزيادة بالمكرر سبعة ألاف ونيف ألفين ونيف بدون المكرر ، هذه الأحاديث التي مضت قبل الحديث الأخير[ كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) كل الأحاديث هذه سبقت هذا الحديث الأخير .
    أربط لك المناسبة بقوله تعالي:﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾[ العنكبوت: 45] أي ذكر الله أكبر من الصلاة أو ذكر الله عز وجل ينهي عن الفحشاء أعظم مما تنهى عنه الصلاة ، ولذكر الله أكبر أي تأديتك للعبادة الذكر أعظم منها لأن الذكر متعلق بالقلب ، الذكر متعلق بالرب تبارك وتعالى وهو حياة القلب لأن الذكر متعلق بالمحبة لا يذكر أبدًا إلا محب .
    ولذلك قلنا كثيرًا ونردد هذا المعنى ليستقيم في أذهان الناس لا يستطيع المحب حقًا أن يخالف حتى لو أمر بما لا يتصوره قبل الأمر ، فأحينًا الإنسان يتصور يقول أنا لو أمرت بكذا وكذا أنا لا أستطيع أن أعمل ذلك هذا شيء عظيم لا أستطيع أن أعمله فإذا حل وقت العمل إذا كانت هناك محبة خف العمل .
    مثل المصائب :واحد مثلاً إذا كان له ابن يحبه جدًا فأحيانًا يمر على الإنسان خواطر فيقول هذا الولد إذا مات لا أستطيع أن أعيش من غيره وإذا بهذا الولد المحبوب الذي ملأ على والده أو على والدته قلبه أو قلبها إذا بهذا الولد يموت فتجده صابراً وتجده محتسباً وتجده متجلداً وعلى وجهه رضاً وسكينة وقبل أن يلابس الفعل ما تصور أبدًا أن يصبر وأول ما يذكر هذا الخطب تجد قلبه ينبض بشدة ولو نائم يقوم يأتيه أرق إذا لابس الفعل تجده صبر لذلك ربنا عز وجل يقول: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 66] إما قتل أو خروج من الدار أي جعل الخروج من الدار عديل القتل .
    فالذي يطرد من بيته أو الذي يهدم عليه بيته ويعيش في العراء هذا مثل الذي قتل بالضبط أو قريب منه الاثنين معًا ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ ﴾ أي من قتل أنفسهم أو الخروج من الدار ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ، وَلَهَدَيْنَاهُ مْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾[النساء: 68،67،66 ] .
    وما أجمل ما قاله سنون المحب: (ولو قيل طأ في النار أي ضع قدمك في النار أعلم أنه رضًا لك أو مدنٍ لنا من وصالك لقدمت رجلي نحوها فوطئتها سرورًا لأني قد خطرت ببالك)
    فمجرد أن أخطر على بالك فتقول لي ضع رجلك في النار أضع رجلي في النار.
    العلماء يوردون مثل هذه الأبيات ويأخذون بعض المعاني منها مع قطع النظر عن خصوص ألفاظها لأن هناك ألفاظ لا يجوز أن يتوجه المرء بها لرب العالمين تبارك وتعالى ، لكن يأخذون منها بعض معاني ،.
    فيقول وكأنه يخاطب ربه تبارك وتعالى يقول يارب إذا ذكرتني مجرد أن تذكرني فقط في مقابل هذا لو قلت لي ضع رجلك في النار أضع رجلي في النار لمجرد أنك ذكرتني في ملأ من الملائكة .
    كما حدث لسعد بن معاذ رضي الله عنه أو أبي بن كعب لما طلب النبي منه قال له اقرأ علي سورة البينة فقال:( يا أُبي إن الله أمرني أن تقرأ علي سورة البينة) فقال أُبي:يا رسول الله وسماني لك أي رب العالمين قال مر أُبياً وسماني لك ، قال: نعم فبكى أُبي )
    فالإنسان المحب مستقيم باستمرار كل شيء ,يسيراً خفيفاً عليه ،:
    فالذكر متعة القلب أن يجلس المرء فيذكر .كأنه يقال في ختام البخاري رحمه الله في صحيحه بهذا الحديث( أن كل ما تقدم متعلق بالأحكام الشرعية العملية التفصيلية بقي الذكر إن استقامت عبادتك واستقام قلبك ذاق معني الذكر لذلك قال في الحديث [ كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ] .
    البخاري لم يرتب كتابه جزافًا باب وراء باب وانتهي الأمر، لا :، بل الأبواب يدل بعضها على بعض ويفسر بعضها بعضًا كما سنذكر إن شاء الله تبارك وتعالي نماذج كثيرة لهذا في كتاب الرقاق .
    كتاب الرقاق هو الكتاب رقم واحد وثمانين في صحيح البخاري:
    وقد قلنا أن كتاب البخاري سبعة وتسعين كتابًا بدءًا من كتاب بدء الوحي وحتى كتاب التوحيد . وكتاب الرقاق هو الكتاب رقم واحد وثمانين في صحيح البخاري .
    أصل كلمة الرقاق: هي جمع رقيقة وهي المادة التي ترقق القلب ويرادف كلمة الرقاق: (كلمة الزهد).
    و بعض العلماء ألفوا كتبًا مستقلة في المعاني التي ترقق القلب:
    من أقدمها 1-كتاب المعافى ابن عمران وهو ليس مشهور 2-ومن أشهرها كتاب عبدالله بن المبارك 3-وكتاب وكيع بن الجراح4- وكتاب تلميذهما هناد بن الثري ،5- وكتاب الزهد لأسد بن موسي6- وكتاب الزهد للبيهقي الزهد الكبير للبيهقي 7-وكتاب الزهد لأبي داود8- وزهد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالي ، فهذه كلها كتب الزهد كتب مستقلة صنفت في هذا الباب .
    بعض الأئمة أدخلوا كتب الرقاق أو الرقائق الاثنين أيضًا في أسماء كتاب كبير مثل البخاري فكتاب الرقاق هذا كتاب من صحيح البخاري ، الإمام النسائي رحمه الله له في كتاب السنن الكبرى له كتاب الرقاق والإمام الدارمي له كذلك كتاب الرقاق وثمة أئمة آخرون فليس القصد أننا نستوعب من صنف في هذا الباب ، لكن هذه الكتب كما قلنا هي موجهة إلى القلب فيها أحاديث وأغلبها آثار وأقوال عن الصحابة والتابعين وتابعيهم من الأئمة المتبوعين الذين جعل الله لهم لسان الصدق في الأمة .
    أما زهد القلب أو رقة القلب فهي زهده ورحمته وإنابته إلى الله تبارك وتعالي
    المقصود من هذا الكتاب كله:
    أن نرقق هذا القلب وكما نقول رقة القلب محمدةً له بخلاف الجوارح الرقة في الجوارح عبارة عن ضعف وعلة أما الرقة في القلب فهي قوة ومحمده كلما كان الإنسان رقيق القلب كلما كان أفضل له بخلاف إذا كان رقيق الجسم مادة حياة هذا غير مادة حياة هذا :
    كما قال الشاعر:
    لو أن سلمى أدركت تخددي
    ورقة في عظم ساقي ويـدي
    وبعد أهلي وجفاء عودي
    عضت من الوجد أنامل أليد

    (لو أن سلمى أدركت تخددي ): رقة الخد من كثرة البكاء ومن كثرة الهزال (ورقة في عظم ساقي ويدي) فهذه هي الرقة التي تكون في الجوارح تكون ضعفًا أما في القلب فتكون قوة ومحمدة ومتاع .
    لا يستفيد عادة بمثل هذا الكلام إلا من كان نبيل الأصل : الإنسان الذي ليس عنده أصل لا يزيد إلا ضلالاً بالوحي وهذه من العجائب أن واحدًا معه كشاف أو مصباح كهربائي ولا يجد حفرة إلا يسقط فيها فما فائدة المصباح معه فهو رجل أعشى أو أعمي لا ينتفع بهذا المصباح .
    فالوحي إنما ينتفع به من أراد الله عز وجل والدار الآخرة :
    كما قال تبارك وتعالي ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) ( الأحزاب:21)
    أي من كان يرجوا الله واليوم الأخر هو الذي سيتأسي بالنبي _صلي الله عليه وسلم _ولا يترك شيئًٍا يفعله إلا ويفعله ليس ككثير من الناس الين يكذبون الأحاديث الصحيحة وكل ما يرد شيء عن النبي _صلي اله عليه وسلم _يقولون ليس من الممكن أن يكون النبي يفعل ذلك .
    هؤلاء لم يجربوا طعم الحب قط فلا يزدادون بنصوص الوحي إلا ضلالا وهذا ليس كلامي بل هذا هو كلام اله تبارك وتعالي قال تعالي:﴿ وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82] فانظر إلى القرءان الذي هو النور والهدى لا ينتفع به إلا أهل الإيمان يرد عليهم يزدادون به إيمانًا وبصيرة ، أما الذين كفروا فإذا سمعوا القرءان ازدادوا كفرًا لماذا ؟ لخسة معدنهم كما قال الله تبارك وتعالي:﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ [فصلت: 44] نفس الكلام .
    لا يستفيد بهذا إلا رجل مخبت قلبه مقبل على ربه يتمني أن يعرف أي شيء من الوحي يقربه إلى الله :وأنا لا أقول هذا الكلام لأملأ الذهن بالمعلومات أو أنك تحصل المعلومات ، لا :
    القصد الأعظم من هذا أن أذكر لك النص وما يستفاد من النص لتترجمه إلى واقع عمل يفي حياتك : خذ من النص أي شيء ، أي لا يمر بك نص صحيح إلا وتترجم بعض هذا النص إل حياتك ، خذ منه خمسة بالمائة ، عشرة بالمائة ، عشرون بالمائة لكن لا تتركه ، إنما تسمع النص وتتركه ثم تسمع النص وتتركه .
    في احدي المرات ذهبوا إلى الفضيل بن عياض وقالوا يا أبا علي حدثنا ببعض الأحاديث: قل لنا حدثنا فلان عن فلان عن فلان فقال له إنك مفتون وهل علمت بكل ما سمعت لتزداد علمًا( حدثني الأعمش أنه قال: مثل الذي يسمع الحكمة أو الكلمة ولا يعمل بها كمثل رجل أمامه طعام فيأخذ اللقمة فيلقيها خلف ظهره قمتي يشبع ؟) وهذا كلام طبيعي أنت أمامك طعام كلما تأخذ لقمة تلقيها خلف ظهرك والمفروض أن هذه اللقمة تصل إلى فمك حتى تشبع لكن ترمي باللقمة وراء ظهرك باستمرار فمتى تشبع ؟
    فيقول له لقد سمعت كثيرًا لكن ماذا عملت ؟ وكم نفذت مما سمعت ؟ تكثر حجج الله عليك .
    فالإنسان إذا سمع النص يعاهد نفسه أنه إذا سمع النص لا يغادره إلا وقد عمل ببعض هذا النص: ، إن لم يكن بجميع النص لأن هذا يختلف حسب العزمات الناس يتفاوتون في هذا ، فيه واحد من أهل العزمات يسمع النص ينفذه كله ، يسمع النص ينفذ ثلاثة أرباعه ، ينفذ نصفه ، ينفذ ثلثه ، خذ خمسه ، خذ عشره ، خذ واحد على عشرين منه لكن لا تتركه ، لماذا ؟ لأنه إذا كان حالك كذلك صارت عندك ملكة تعودت كلما سمعت كلام تقول أنا أستطيع أن أنفذ هذه وهذه وهذه كلما مر نص أخذنا جزء منه والنص الثاني سنأخذ أحسن من الذي قبله والنص الثالث سنأخذ أكثر من الذي قبله بحيث يصير التعامل مع النصوص ملكه فيصير الدين عندك كأنك تتنفس .
    ربنا عز وجل قال: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )[ الحج : 78] ) والنبي صلي الله عليه وسلم قال:[ بعثت بالحنفية السمحة ] وكثير من الناس يقول أنني لا أشعر بهذه السماحة ، لا أشعر بسماحة الإسلام ، نعم لأنه قد دخلت أقوال غلط على النصوص و وخرج جماعة غير دارسين كلما تعطيه مسألة خذ بالأحوط ، فما معنى الأحوط باختصار ؟ الأحوط هذا أليس معناه الأخف أم الأشد ، طبعًا الأشد ،:
    مثلاً :جاءني مال هذا المال به شبهه احتمال يكون أغلبه حرام احتمال يكون أغلبه حلال فكيف أتصرف في هذا المال ؟ هل أكل وأشرب منه ؟ فالذي ليس عنده علم يقول خذ بالأحوط فما معني الأحوط ؟ اصرف المال أم أتركه ، طبعًا تترك المال فهذا هو الأحوط يعني الأشد يصير الأشد فالأشد فالأشد ، الأحوط فالأحوط فالأحوط فالأحوط يساوي الأشد فالأشد فالأشد فالأشد فأين اليسر ؟
    لذلك سفيان الثوري رحمه الله كان له كلمة جميلة جدًا يقول فيها[ إنما العلم الرخصة من ثقة أما التشديد فيحسنه كل أحد ] الأحوط فالأحوط فالأحوط أي أحد يقول ذلك لا تحتاج إلى علم ,
    (فالعلم الرخصة من ثقة) وليس الرخصة التي هي في مقابل العزيمة إنما الرخصة ما يناسب حالك ، إذا رجل من العلماء أعطاك رخصة في شيء مختلف فيه فخذها وهذا هو العلم ، أما التشديد فيحسنه كل أحد .
    نحن نحتاج إلى أي نص نقرأه نحاول ننقل منه لكي يكون العمل بالنص سجية عندنا يسهل علينا الإسلام إذا تعودنا أننا نعمل بالنصوص باستمرار .
    الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه: ما أودع في مسنده حديثًا إلا عمل به ومسند الإمام أحمد قرابة ثمانية وعشرون ألف حديث بالمكرر وروي ذات مرة حديثًا أظن حديث أنس رضي الله عنه( أن النبي دعا الحجام فحجمه وأعطاه أجره) والإمام أحمد لم يكن نفذ هذا الحديث قبل ذلك أول ما وصل للحديث دعا الحجام وما كان به من حاجة للحجامة فحجمه وأعطاه أجره حتى يكون قد نفذ الحديث .
    ليس القصد من هذه الدروس حشو الرأس بالمعلومات وأن تكون عندك مفردات :
    قال مجاهد بن جرف ويحي بن أبي كثير وجماعة من التابعين وقالها من الأئمة المتأخرين عنهم الإمام مالك رحمه الله [ ليس العلم بكثرة المسائل إنما العلم الخشية ] ليس العلم كلما قلت لك نواقض الطهارة تقول لي واحد ، اثنين ، ثلاثة ، أربعة ، ليس العلم كلما قلت لك مفسدات الحج تقول واحد ، اثنين ثلاثة ، أربعة هو يريد أن يقول ذلك ، لأن هذا إن لم يكن مشفوعًا بعمل القلب بالتقرب على الله عز وجل لا يستفيد المرء به [ ليس العلم بكثرة المسائل إنما العلم الخشية ] أن يورثك هذا العلم مخافة الله تبارك وتعالي ، ولا يستفيد من هذه النصوص إلا رجل أصيل ، رجل نفيس النفس يريد أن يصل إلى الآخرة ، لكن الخسيس دنيء النفس لا يزيد بهذا إلا ضلالاً وعمى .
    وتحضرني حكاية في هذا المعني ربما تكون مباشرة :
    ذات مرة امرأة عربية وجدت ذئبًا صغيرًا مولود فخافت عليه وقالت هل أترك هذا الذئب يموت أنا أخذه وأربيه عندي وكان عندها شاة هذه الشاة فيها لبن وكانت ترضع الذئب من الماعز فتكون الماعز أمه لكونها أرضعته فصار الذئب يكبر وكانت الأعرابية تترك الذئب مع الماعز ، فذهبت لحاجة ثم عادت فوجدت الذئب قد فتح بطن الماعز ويأكلها:
    فقالت ثلاثة أبيات من الشعر تخاطب الذئب فقالت له:



    بقرت شويهتي وفجعت قلبي
    وأنت لشاتنا ولدٌ ربيب
    غُزِيتَ بدرها ورُبيتَ فينا
    فمن أنباك أن أباك ذيبُ
    إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ
    فلا أدبٌ يفيدُ ولا أديـبُ
    فمن الذي أعلمك أن أباك كان ذئب ونحن قد أخذناك صغيرًا المفروض أنك رضعت ولم تري في حياتك إلا هذه الماعز فكان عليك أن تحن لها ولكن تفتح بطنها وتأكلها أيضًا فتقول له( غُزِيتَ بدرها) الدر _ اللبن _أي تغذيت على لبنها ،( ورُبيتَ فينا ) أي لم ترى غيرنا وغيرها( فمن أنباك أن أباك ذيبُ)
    إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ _ فلا أدبٌ يفيدُ ولا أديـبُ
    أي أنه موجود في فترته خصال الذئب ترضعه لبن ماعز ترضعه أي شيء آخر هو ذئب ليس له حل :
    والشاهد في البيت الأخير
    إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ _ فلا أدبٌ يفيدُ ولا أديـبُ
    فنقول أنه لا يستفيد من الوحي قرءانًا وسنة إلا رجل يريد الله عز وجل ويريد الدار الآخرة ونحن نريد أن نضبط أنفسنا على ذلك ، كل حديث سنقوله لا تنتهي الحلقة قبل أن تعرف ما الذي ستأخذه من هذا الحديث سأنقل لحياتي أنا معني كذا ، إذا استطعت أن تأخذ الحديث كله فهذا ممتاز ، تأخذ أغلبه جيد جدًا ، خذ أي شيء لأنه فيما بعد الأحاديث ستتكرر المعاني فيها ، وليس المعني الذي يفوتنا لن يعود مرة أخري بل سيعود مرة أخري ربما تأخذ إذا طرق سمعك لأول مرة تأخذ جزء منه ثم يأتي نفس المعني تأخذ جزء وحتى ننتهي فإن شاء الله يكون المعني اكتمل على مدار عدة نصوص .
    كتاب الرقاق في المرة السابقة قلنا أن الترجمة الإمام البخاري وتراجم البخاري وغير ذلك.
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    أن الترجمة لها ثلاثة أركان :-
    المُترجِمُ ـ والمترجَمُ له ـ والترجمة .
    أصل الترجمة: هي التعبير عن لسان بلسان تنقل من عربي إلي لغة أخري أو من لغة أخري إلى عربي و هي الإفصاح والإعراب والبيان ، ترجم عن مشاعرك تقول أنا شعوري كذا كذا كذا ترجمة فلان الفلاني تعني حياته وكل ما يتعلق بحياته .
    ونحن نحتاج أن نطبق هذه الترجمة علي صحيح البخاري ,قلنا أن أركان الترجمة ثلاثة: 1-المُترجِمُ: الإمام البخاري ، 2-والترجمةُ: هي العنوان الذي وضعه الإمام 3- المُترجَمُ له: هو النص الذي جاء به الإمام.
    (باب ما جاء في الرقاق وألا عيش إلا عيش الآخرة )، فهذه تسمي الترجمة: هذا هو العنوان الذي ترجم به الإمام البخاري ،.
    والترجمة هو الكلام الذي عقده المُترجِمُ ( البخاري )على الحديث و( الحديث) اسمه المُترجَمُ له أي النص ، فعندنا البخاري المُترجَمُ ، وعندنا باب ما جاء في كذا وهذه اسمها الترجمة والنص هذا هو المُترجَمُ له وهذه هي الثلاثة أركان للترجمة .
    لابد أن تكون الترجمة صحيحة ، فما علامة صحة الترجمة ؟
    أن يكون هناك مناسبة ما بين الترجمة والحديث ، مثال ذلك: لو أن رجلا قال باب الصراط أو باب الميزان أو باب الشفاعة ثم جاء تحته وقال وقوله تعالى:
    ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ) (البقرة:222) فهل هناك علاقة بينهما الاثنين ؟ لا توجد علاقة ، أنت تقول باب الصراط ثم أتيت بآية في الحيض فلا توجد أي مناسبة بينهما الاثنين ، فهل نقول أن هذه الترجمة فاسدة ولا صحيحة ؟ ترجمة فاسدة ، بل لابد أن يكون هناك علاقة ما بين الترجمة ومابين الحديث فإذا كانت هناك علاقة فهذه تسمي ترجمة صحيحة .
    الترجمة: هذه إما أن تكون نصًا مباشرًا أو تكون استنباطًا ، أو تكون الترجمة جلية أو خفية الترجمة التي وضعها الإمام البخاري علي الكتاب على الحديث والترجمة
    الترجمة من جهة الإدراك: إما أن تكون مطابقة للحديث أو غير مطابقة ، إما أن تكون كلية أو جزئية ، ولنطبق هذا علي هذا الحديث:
    (باب ما جاء في الرقاق وألا عيش إلا عيش الآخرة ) قال حدثنا المكي بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن سعيد هو بن أبي هند عن أبيه عن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله :( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) وقال عباسٌ العنبري حدثنا صفوان بن عيسي عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه سمعت بن عباس عن النبي _صلي الله عليه وسلم _مثله .
    (باب ما جاء في الرقاق )قال( الصحة والفراغ) فما علاقته بالرقاق ، (وألا عيش إلا عيش الآخرة) ، قال لا البخاري أورد في هذا الباب ثلاثة أحاديث ،
    الحديث الأول : قال رسول الله :( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)
    والحديث الثاني: قال حدثنا محمد بن بشار حدثنا غُندر حدثنا شُعبةُ عن معاوية بن قُرة عن أنسٍ عن النبي قال: ( اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة فأصلح الأنصار والمهاجرة ) فيكون هذا الحديث هو الشطر الثاني من الترجمة .
    الحديث الأخير في هذا الباب قال البخاري _رحمه الله_ حدثني أحمد بن المقدام حدثنا الفضيل بن سليمان حدثنا أبو حازم حدثنا سهل بن سعد ألساعديُ قال كنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في الخندق وهو يحفر ونحن ننقل التراب وبصر بنا فقال:( اللهم لا عيش إلا عيشُ الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة ) تابعه سهل بن سعد عن النبي_ صلي الله عليه وسلم _مثله
    ذكر البخاري هنا ثلاثة أحاديث تحت هذا الباب( باب ما جاء في الرقاق وألا عيش إلا عيش الآخرة ):
    فتكون ترجمة البخاري قُسِمت نصفين 1-النصف الأول ( باب ما جاء في الرقاق) 2-النصف الثاني ،( وألا عيش إلا عيش الآخرة) ، فأورد البخاري ثلاثة أحاديث حديث بن عباس رضي الله عنهما عن النبي_ صلي الله عليه وسلم_ :( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) ثم أورد حديث أنس بن مالك ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة) ثم أورد حديث سهل بن سعد ألساعدي عن النبي صلي الله عليه وسلم في حفر الخندق وأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ).
    فتكون الترجمة هذه مطابقة لما تُرجِمَ له ، النصف الثاني هذا مأخوذ من حديث (وألا عيش إلا عيش الآخرة) .
    ما الرقاق ؟
    البخاري جعل الترجمة قسمين الرقاق الأول( وألا عيش إلا عيش الآخرة) وأورد حديث بن عباس:( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) ، والبخاري رحمة الله عليه ابتدأ هذا الكتاب بداية بارعة ،.
    وما سر براعة افتتاح هذا الكتاب؟
    وعبد الله بن المبارك بدأ كتاب الزهد خاصته بهذا الحديث ، فما السر في البراعة في البداية قال العمر هذا هو رأس المال رجل تاجر عقله كله تجارة ليس عنده فلس فماذا يعمل في مخه ، لازم يكون المخ هذا فيه رأس مال ، تاجر ليس عنده رأس مال لا يستطيع أن يتاجر فضلاً عن أن يربح .
    نحن كبشر ما هو رأس مالنا ؟ رأس مالنا العمر ، ، فهناك من يتاجر بعمره فيخسر رأس المال كما قال النبي _صلي الله عليه وسلم _كما في صحيح مسلم ( كل الناس يغدو ) ، (يغدو) أي ذاهب إلى السوق كلنا في الصباح ذاهبون إلى السوق لكي نتاجر( كل الناس يغدوا فبائع نفسه ) كل إنسان يبيع نفسه ( فموبقها أو معتقها ) أي يضيع نفسه فيهلكها أو يعتق نفسه من النار ، عندما تسيقظ في الصباح وتقول أصبحنا وأصبح الملك لله وتخرج من بيتك فأنت هكذا بعت نفسك ، دخلت السوق فأنت صرت سلعة تُباع وتُشتري ، فيا تري ماذا تعمل اليوم عندما دخلت السوق ، هل ستذهب وتبيع نفسك ؟ هل ستضيع نفسك ؟ فأنت ستبيع نفسك ستبيع نفسك فهل ستبيعها بالخسارة أم بالمكسب ؟
    فمن يعمل في الشر فهذا ضيع نفسه ، باع نفسه صح لكنه ضيعها كما قال النبي صلي الله عليه وسلم ( فبائع نفسه فموبقها ) قيد نفسه أو( معتقها )من النار ، فنعرف أولاً أن رأس مال المرء في حياته عمره .
    فكم عمرك ؟ نحن كمسلمين قال النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره ( أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلُهم من يتجاوز ذلك ) أو كما قال رسول الله_ صلي الله عليه وسلم ،_ عمرك ستين سنة وهذا رأس المال ، أنت عن كم سنة تحاسب إذا وقفت بين يدي ربك غدًا ؟ ، احسبها بدراسة الجدوى وأنا أريد أن يكون أكثر الناس ينتفع بهذا الكلام التجار التي كل حياتهم أرقام فلوس ، عندما نظر إلى حياته هل تعامل مع حياته كتعامله مع درهمه وديناره أم لا ؟ إذا كان ضل في الحسبة فعليه أن يراجع نفسه قبل أن يموت .
    الفضيل بن عياض يريد أن يبين لك أنك طالما أنت تعيش أنت في الفرصة فيقول"لرجل معه أثناء المحاورة معه افترض الآن أن ملك الموت وقف على رأسك وسيقبض روحك وأنت طلبت مدة من الزمن لا يزال عندك عمل ، لا يزال عندك مظالم تريد أن تتخلص منها ، عندك ديون وعليك واجبات لم تعملها ، عليك أو لك أموال ، تريد أن تضبط حالك قبل أن تموت فقيل لك كم تدفع في هذه المسألة ؟ قال: أدفع ملء الأرض ذهبًا وأُمهلُ قليلاً .
    كنت أقول بالنسبة لدراسة الجدوى إنسان رأس ماله ستون عامًا عن كم سنة يحاسب من هذه الستين ؟ قال صلي الله عليه وسلم ( رفع القلمُ عن ثلاث الصغير حتى يحتلم ) رفع القلم أي لا يؤاخذ حتى يحتلم ، الإنسان عندما يولد حتى يحتلم يأخذ كم سنة حوالي اثني عشر سنة وقد تزيد لكن نجعلها اثني عشر سنة ، فيكون عندنا اثني عشر سنة سقطت من أصل ستون عام ، والصنف الثاني الذي ذكره النبي في حديث رفع القلم( والنائم حتى يستيقظ ) ينام ثماني ساعات في اليوم في ستين سنة فهذه عشرون سنة زائد اثني عشر سنة فهذه اثنين وثلاثين سنة ، ممكن يزيد النوم أو يقل لكن المتوسط في هذه المسألة ثماني ساعات فهذه اثنين وثلاثين سنة لا يؤاخذ المرء عنها في مدة حياته فكم سنة بقيت ؟ سبع وعشرون عاماً.
    الإنسان الذي عينه على الآخرة رق قلبه وانتبه لأننا نشرح الآن الترجمة التي وضعها الإمام البخاري على أحاديث هذا الباب ، فنرى علاقة الترجمة إذا كانت الترجمة مجزأة لأكثر من جزء فنرى علاقة الترجمة ببعضها وننزل الترجمة هذه على الأحاديث التي جاءت تحتها هل هي مناسبة ؟ أم غير مناسبة لنعرف إن كانت الترجمة صحيحة أم لا .فالإنسان رقيق القلب وقلنا أن:
    رقة القلب هي: زهده ورحمته وإنابته إلى ربه جل ثناؤه فإذا كان القلب رقيقًا هكذا انتفع برأس المال ، سبعة وعشرون سنة وهذا العمر الحقيقي الفعلي الذي يؤاخذ المرء به بين يدي ربه تبارك وتعالي ، عينه على الآخرة هو هذا الذي يستثمر العمر ، إنما الذي يعيش للدنيا فقط قد وصفهم رب العالمين تبارك وتعالي:( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )[ الأعراف: 179 ] هذا هو الجنس الذي يعيش لشهواته في الدنيا ليس عنده آخرة بدد رأس المال كله كما قال صلي الله عليه وسلم ( فبائع نفسه فموبقها ) الإنسان الذي يمشي في الشر ويندمج معه ويعيش طول حياته لا يرى إلا الدنيا فقط يمضي ولا يترك في الدنيا بصمة أنه كان موجود فيها ، يوجد ناس كعدمهم هذا إذا لم يكن شرهم مستطير ويزجرون باللعنات كفرعون وهامان وأُبي بن خلف وأبو جهل وأبو لهب وسائر الكفرة الذين ذُكِروا في القرءان أو ذُكِروا في السنة أو حتى ذُكِروا في كتب التاريخ من الملاعين الذين تلعنهم البشرية حتى الآن ، فهذا بدد .
    ماقصده البخاري _ رحمه الله من كتاب الرِقاق_
    البخاري عندما يقول باب ما جاء في الرقاق يريد أن يقول أن هذا الحديث وما تحته المقصود منه هو ترقيق القلب وألا عيش علي الحقيقة إلا عيش الآخرة :
    كل الدنيا كدر فما أعجب إلا من راغب في ازدياد ، الإنسان يتمنى طول العمر مثلما البخاري سيعقد بابًا في الحرص علي الحياة في هذا الكتاب والرسول عليه السلام لما ذكر طول العمر لم يستحسنه إلا مع العمل الصالح ، قال ( خيركم من طال عُمره وحسن عمله ) لكن الإنسان سيء العمل هذا طول العمر جناية عليه , لأن كل يوم يمر عليه يكتسب فيه سيئات وقد بين النبي شيئًا من هذا المعني في قوله _عليه الصلاة والسلام _( لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فلعله إن كان مسيئًا أن يُستعتب ولعله إن كان محسنًا أن يزداد إحسانًا ) .
    إن كان مسيئًا يلحق يرجع لذلك كان المرض بين يدي الموت نعمه ، لماذا ؟ لأنه كل يوم يعلم أن حالته في النازل يعلم أنه سيموت فإن كان فيه مظلم فإنه يتخفف منها ، عليه ديون يسدها ، أي شيء يحتاج أن يتكلم فيه يقول ، إنما الذي يموت فجأة كما قال تعالي:( فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ )[ يس:50]، مالت فجأة كان يريد أن يقول كلمة حيل بينه وبينها كم من حسرات في بطون المقابر ، لو نشر هؤلاء الموتى الذين ماتوا قبلنا ونحن علي الأثر لو نشر هؤلاء من قبورهم لوجدت أن كثيرين كانوا يريدون أن يقولوا كلمة قبل أن يموتوا إنما قتلهم التسويف ، سوف أتوب سأتوب ومع ذلك أخذ بغتة
    العيش الحقيقي ليس هو عيش الدنيا ، الدنيا كلها كدر كما قال الله عز وجل:
    ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ) [ البلد:4] ، ونضرب مثلاً لهذا الكبد لعل أكثر الناس لا يلحظه وهو رغيف الخبز ، رغيف الخبز الذي يوضع أمامك على المائدة هل تعرف كيف وصل إليك ؟ وكم من الأيدي العاملة بذلت من الجهد حتى يصل إليك هذا الرغيف ، وهذا رغيف .
    نبتدئ الأول من الفلاح يحرث الأرض ثم يضع البذر ويرويها ثم ينقي الحشائش التي ليس بها فائدة حتى لا تأخذ السماد وغير ذلك ثم يرش المبيدات للقضاء على الحشرات والآفات التي تعلق بالنبات ، هذا المحصول يمكن أن يغيب في الأرض ستة أشهر أو سبعة أشهر أو ثمانية أشهر ، يربيه كما يربي الطفل الصغير حتى كبر وطاب واستوي على سوقه ، حصده ثم حمله إلى الفناء ثم درسه فصل الحب عن العصف والعصف هو القش كما في الأرز مثلاً فيفصل الحب من أعواد القش أو إذا كان فول فيخلص الحب من العود الذي هو فيه إذا كان قمح فهو يدرسها في بعضها ثم ماكينة الحصاد تفصل الحب عن العصف فهو زرعه أولاً وتعب عليه وغاب كم من الشهور في الأرض ثم أخذه وحصده واحضره إلي الجرن فدرسه وفصل الحب عن العصف ثم أخذنا القمح غسلناها ثم نشرناها في الشمس حتى تنشف وضعناها في أجولة وأرسلناها إلى الماكينة طحناها وعملنا عين أولى وعين ثانية وعين ثالثة هذا رده وهذا سن وغير ذلك ، وأحضرناه إلي البيت عجناه ، خبزناه ، وضعناه في الفرن ، أكلناه ، فهذا رغيف ، كم من الأيدي عملت حتى وصل إليك هذا الرغيف ؟ الجنة مختلفة تمامًا ، فالذي يريد أن يحيا في هذه الدنيا في هذا الكبد وهذا الهم والغم وفي الآخر يبدد رأس ماله ثم يلقي الله عارياً .
    فلماذا هذه الحدوتة كلها ؟ سبعة وعشرين سنة هذه تأبيدة ، فيأخذ خمسة وعشرين سنة ثم يخرج ويستأنف حياته ، لو كان المرء ملكًا متوجًا الدنيا هذه كلها من أقصاها لأقصاها ملكه حتى لو كان الناس عبيدًا له وعاش سبعة وعشرين سنة يعمل ما يريده ومات ، فأنا أقول لك السبعة وعشرون سنة هذه تضيع كيف قال صلي الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره ( يؤتي بأنعم أهل الأرض ) أنعم أهل الأرض قل فيه ما شئت هذا الرجل المنعم الذي لم يمرض يومًا ولم يفتقر يومًا ولم يخالف أحدًا في الدنيا له أمرًا وكانوا يسجدون له تحت قدميه ، كل ما يتمناه عنده ( يؤتي بأنعم أهل الأرض ) أنا ممكن لساني لا يستطيع أن يعبر عن أنعم أهل الأرض ، أنت تخيل وافتح لخيالك هذا العنان
    ( فيُغمس في النار غمسةً واحدة ثم يقال له هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول لا وعزتك ما مر بي نعيم قط ) هذا لو عاش مثل إبليس من أول ما خلق الله الأرض إلى أن ينفخ في الصور ولو افترضنا أن إنسان هكذا له هذا العمر كله بالنعيم الذي أقوله والذي لا أستطيع أن أعبر عنه ، هذا المخلوق النبي عليه الصلاة والسلام يقول( فيُغمس في النار غمسةً واحدة ثم يقال له هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول لا وعزتك ما مر بي نعيم قط )، فما بالك إذا كانت مستقرًا له لا يخرج منها فهذا لأجل سبعة وعشرين سنة والله أخسر الخاسرين لذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم ، (مغبون فيهما) والمغبون هو الخاسر فيها كثير من الناس ، غمسة واحدة أنسته النعيم , أمس كان صحيحًا اليوم مريض نسي أنه كان صحيحًا ، لبث في مرضه سنين ثم عوفي وصار يجري في الدنيا فنسي أنه كان مريضُا الذي فات مات ، إنما الإنسان ابن اللحظة التي يعيش فيها ، فهو هذا الإنسان وهذا هو العمر .
    مثل الطعام ، الذين يعملون من أجل أن يأكلوا ، كل حياتهم يعملوا وردية واثنين وثلاثة وأربعة حتى يصير في مستوى معيشة متميز ، يضيع صلاته حتى لو صلى مثلاً الفرض يصليه بدون خشوع, ولا يوجد سنن ولا تسبيح ولا ذكر ولا ورد ولا قراءة قرءان ، حياته كلها ينتهي من عمل يبدأ في عمل ويعود إلى البيت آخر النهار لا يستطيع أن يقف على قدميه ينام قي أول ثلاثين ثانية الذي في الغرفة المجاورة يسمع شخيره من شدة التعب ويقوم في الصباح ليجرى ثانية في هذه الطاحونة ، فهذا يعيش من أجل المستوى الاجتماعي ، يأكل كويس يسكن في مكان كويس ، يغير نظام الشقة ، نحن نسكن في حي شعبي نذهب إلى حي راقي وهكذا .
    فمثل هؤلاء الناس الذين يريدون أحسن أكل وأفخم أكل ولازم أن يكون بمواصفات معينة ولازم يكون البروتين لها حساب والمواد الدهنية كذلك ومعه الورقة يقرأ منها .
    هل تعرف استمتاعك بالطعام كم ؟
    مدة بقاؤه في فمك فهذا هو الطعام ، تتمني تريد أن تأكل أكلة معينة ومنذ سنوات تتمني أن تأكلها ودبرت المال وأحضرت الأكلة ثم جلست تأكل وأنت مبسوط ، فهل أنت تضع اللقمة في فمك وتجلس تمضغ فيها براحتك وعلى مهل فهل تغيب خمسة دقائق في فمك فأنت لن تتحملها ، مدة بقاء الطعام في فمك ثلاثون ثانية لو أردت أن تحسب كم ساعة عمل حتى يحصل علي الأكلة التي يتمني الحصول عليها ، يعمل عشر ساعات ، تصور لو وضعت الأكلة التي يتمني أن يأكلها أمامه كم من الوقت يظل يأكل فيها وهو من كثرة النهم ولم يصدق أنه سيأكلها ممكن أن يأكلها في عشرة دقائق ، تصور عشر ساعات يعمل من أجل يستمتع بعشر دقائق ومدة بقاء الطعام في فمه ثلاثون ثانية ، هي لذات الدنيا جميعًا هكذا ، الذي فات مات .
    فأنا أريد أقول أن هناك أهوال قادمة في مقابل رأس المال الذي نتكلم عنه ألا وهو العمر يموت المرء متى يبعث ؟ بعد كم سنة ؟ بعد مائة ، مائتين ، ثلاث مائة ، ألف ، ألفين ، الله أعلم ، وليكن واحداً ممن نتكلم عنهم ضيع رأس ماله عاش في الدنيا فاجرًا لشهوات نفسه لا أنزل الله كتابًا ولا أرسل رسولاً ، يعيش هكذا وهذا هو الصنف الذي نتكلم عنه لأجل أن نعمل دراسة جدوى صحيحة ، هذا نزل تحت التراب منذ كم عام ؟ الله أعلم ، مائة سنة ، مائتين سنة ، ألف سنة ، ألفين سنة ، ثم يبعث يوم القيامة خمسين ألف سنة واقف لا أكل ولا شراب والشمس تدنوا من رؤوس العباد والناس غرقى في العرق ، جاء رب العالمين إلى ساحة العرض غاضب اليوم غضب لم يغضب مثله قبله قط لدرجة أن الرسل تخاف على نفسها وكل رسول يقول نفس نفسي ، العباد كلهم في كرب يريدون من يخلصهم يذهبون من أول أدم حتى رسول الله من شدة الكرب ، والصحف تتطاير هذا يأخذ بيمينه وهذا يأخذ بشماله وهو لا يعرف بأي يد سيأخذ كتابه هؤلاء يذهبون إلى النار وهؤلاء إلى الجنة وهو لا يعلم إلى أين هو ذاهب فيقف مرعوب أفئدتهم هواء ، وهواء أي لا يوجد قلب طار ثم بعد كل ذلك الرعب يحشر إلى النار وتكون مستقره ، لماذا ذلك ؟ سبعة وعشرين سنة ، والله لا أجد عاقلاً يعرف لغة الأرقام يمكن أن يقبل مثل هذا .
    فمن أراد استثمار رأس المال استثمارًا حقيقيًا فلينظر إلى الآخرة إذ العيش على الحقيقة عيش الآخرة ،.
    ويرحم الله الفضيل بن عياض قال: [ لو كانت الدنيا ذهبًا يفني والآخرة خزفًا يبقى لكان علي العاقل أن يختار الخزف الذي يبقي على الذهب الذي يفني ] .
    هذا القلب إذا رق يستقيم المنفذ الطريق يتضح أمامه ، إذا رق هذا القلب فيعلم علمًا يقينيًا أنه لا عيش إلا عيش الآخرة فيستثمر رأس المال الصحة والفراغ وهذان هما رأس المال ، يستثمرهما حتى يصل إلى الآخرة بسلام .
    هذه هي علاقة شطري الترجمة (باب ما جاء في الرقاق وألا عيش إلا عيش الآخرة ) ويبقي إن شاء الله معنا كلام طويل في هذا الباب ، ويبقى معنا علاقة الترجمة بالأحاديث التي أوردها الإمام البخاري في هذا الباب .
    الدنيا معروف إلى زوال وأن الله جعلها لنا اختبارًا وابتلاءً ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ).
    قال الفضيل بن عياض_رحمه الله_: في تفسير هذه الآية [ أخلصه وأصوبه ] فقالوا يا أبا علي ما أخلصه ؟ وما أصوبه ؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يك صوابًا لم يقبل وإذا كان صوابًا ولم يك خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا وصوابًا ، أما الخالص فهو الذي لوجه الله تعالي ، وأما الصواب فأن يكون موافقًا لسنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم .
    ونذكر شيئًا من هذا الحديث تراجم الرواة ،:
    الإمام البخاري رحمة الله عليه قال هنا حدثنا المكي بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الله بن سعيد هو بن أبي هند وكلمة هو بن أبي هند من الإمام البخاري يعرف من هو سعيد ، سعيد والد عبد الله ، سعيد بن من ؟ لأن هناك عبد الله بن سعيد بن الآباء كثيرون وحتى لا يلتبس أحيانًا فالإمام البخاري رحمة الله عليه أو أي إمام من أئمة السنة أحياناً يعرف بعض رواة الحديث ينسبهم فقوله هو بن أبي هند هذا من كلام الإمام البخاري رحمه الله
    المكي بن إبراهيم: هذا هو أحد الأئمة الثقات الأثبات وثقه الإمام أحمد ووثقه يحي بن معين ووثقه العجلي وابن حبان وقال النسائي لا بأس به وقال أبو حاتم الرازي محله الصدق .
    وتراجم هؤلاء العلماء نعرفها من كتب مخصصة لهذه التراجم .
    وسأشرد أحيانًا أو كثيرًا لأبين لكم عظمة هذه الأمة وما الذي بذله العلماء علماء الحديث لصيانة السنة حتى إذا تكلم أي جاهل تكلم في السنة وقال هذه أحاديث مكذوبة وهي من أصح الأحاديث عند أهل العلم ، فهذا تعرف أنه جاهل لم يقرأ كتابًا ولا علم ماذا فعله العلماء .
    يوجد عندنا الكتب الستة وهي
    الصحيحان _البخاري ومسلم _والسنن الأربعة هي:1- سنن أبي داود السجيستاني سليمان بن الأشعث 2-وسنن أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي3- وسنن الترمذي محمد بن عيسى 4-وسنن الإمام بن ماجه محمد بن يزيد القزويني
    صيغ للتعبير عن الصحيحين .
    فإذا كان الحديث في البخاري ومسلم1- إما نقول أخرجه البخاري ومسلم2-أو نقول أخرجه الشيخان3- أو أخرجاه 4-أو متفق عليه فهذه أربع صيغ للتعبير عن الصحيحين .
    فنحن عندنا الكتب الستة ، إذا قال رواه الستة فهو يقصد الصحيحين والسنن الأربعة .
    في هذه الكتب الستة يوجد كتاب الترجمة هي التفسير والبيان ، فقصة حياة أي واحد منا تسمي ترجمة ،لأننا فسرنا وكشفنا وبينا جوانب حياة هذا الإنسان لذلك يسمونها ترجمة ، فعندما نقول فلان الفلاني ترجمه فلان ، ترجمه البخاري ، ترجمه بن أبي حاتم ، ترجمه بن حبان ، العجلي ، المزي أي أحد من أصحاب هذه الكتب ، ترجمه أي ذكر شيئًا يتعلق بهذا الراوي .
    عناية العلماء بالكتب الستة ومنهم : عبد الغني المقدسي(( الكمال في أسماء الرجال )
    اعتني علماء المسلمين بالكتب الستة, كبيرة من هذه العناية التي بذلها العلماء عبد الغني المقدسي ألف كتاباً اسمه ( الكمال في أسماء الرجال ) أسماء رجال الكتب الستة أي راو في الكتب الستة ننظر هو يبدأ بأي حرف فمثلاً المكي حرف الميم مع الكاف ميم كاف لأن هذا الكتاب مرتب على حسب حروف الهجاء ، يبدءون بالأحمدين لأجل النبي _ _ثم يأخذ بعد ذلك من اسمه أبان مثلاً أو آبى اللحم وهذا صحابي كان لا يأكل اللحم ولذلك سموه بآبي اللحم لقب بهذا ، يأخذ حرف الألف ثم يأخذ حرف الباء ولا يأخذ الألف فقط إنما ألف ألف ، ألف باء ، ألف تاء ، ألف ثاء ، ألف جيم وحتى نهاية الألف مع الثمانية والعشرين حرف ثم يبدأ بحرف الباء باء ألف ، باء باء ، باء تاء باء ثاء إلى آخر الثمانية والعشرون حرفًا ثم تاء ، تاء ألف ، تاء باء ، تاء تاء ، تاء ثاء ، حتى نهاية الثمانية والعشرين حرف وهكذا .في كل حرف يرتبه مع الثمانية والعشرين حرف ،
    فكل راوٍ في هذه الكتب الستة مذكور له ترجمة في هذه الكتب .بدأ عبد الغني في (كتاب الكمال في أسماء الرجال) ثم جاء أبو الحجاج المزي هذب هذا الكتاب كتاب الكمال (سماه تهذيب الكمال في أسماء الرجال) فأضاف شيئًا كثيرًا على عبد الغني على كتاب الكمال ثم جاء الحافظ بن حجر قال المزي أطال المسألة ونحن نريد أن نختصر الكتاب الاختصار المفيد فسماه( تهذيب التهذيب الكمال في أسماء الرجال) .
    فعندما أريد أن أعرف درجة أي راوٍ من هؤلاء الرواة حتى أستطيع أن أحكم علي حديثه أصل إلى هذه الكتب ، وأنظر بأي الحروف بدأ أحضره في الحرف الخاص به ثم أقرأ كلام العلماء عليه .
    أما العلماء كيف جمعوا هذا الكلام ؟ فهذه قصة كبيرة إذا كنت أخرج ثم أعود فهذا الخروج هو لخدمة الموضوع والمسائل متشعبة وأنت دورك معي أنك تأخذ هذه المعلومات ثم ترتبها وتضع لها عناوين معينة بحيث إذا أردت أن تستدعي معلومة مثلاً أو أي شيء تكون قد وضعتها تحت عنوان من هذه العناوين .
    فالمكي بن إبراهيم أحد كبار شيوخ البخاري .
    وشيوخ البخاري ثلاثة طبقات :فالبخاري1:- له كبار شيوخه 2-وأواسط شيوخه 3-وصغار شيوخه والكبار يقسمون أيضًا ، كبير قوي وكبير بعده وكبير بعده والأواسط فهناك أكبر الأواسط ووسط الأواسط وصغير الأواسط وكذلك صغار شيوخه ينقسمون إلى كبار الصغار ن أواسط الصغار ، صغار الصغار ، فأنت من الممكن أن تفعل ذلك وكل طبقة من هذه يمكن أن تقسمها إلى ثلاثة طبقات الكبار والأواسط والصغار .
    المكي بن إبراهيم هذا من كبار شيوخ البخاري مثل أبي نعيم الفضل بن لكي مثل أبي عاصم النبيل ، محمد بن عبد الله الأنصاري ، عبيد الله بن موسى مثلاً مجموعة من كبار شيوخ البخاري الذين رفعوه لأعلي بعضهم وصله للتابعين التي هي في ثلاثيات الإمام البخاري الذي يكون فيها بين البخاري والنبي ثلاثة فقط ، حدثنا فلان عن فلان عن الصحابة وهذه تسمي ثلاثيات الإمام البخاري ، وإن قابلنا منها شيء في كتاب الرقاق سنتكلم عن ثلاثية البخاري وثلاثيات الكتب الستة
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: هنا تفريغ فك الوثاق بشرح كتاب الرقاق للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله

    إجابة الأسئلة:
    س: الرد علي من يسبون أصحاب النبي- صلى اله عليه وسلم- ؟
    الجواب: هذه المسألة مسألة في غاية المرارة أن تظهر في بلاد السنة ، أن يُسَب الصحابة في بلاد الروافض هذا يتوافق مع أصول مذهبهم , ولكن أريد أن أنبه على شيء ، إدعاء الكاتب للكلام أنه قد أتى بما يقول من كتب التراث ومن الصحيحين ، لم يأتي بشيء من عنده ، وأنا أريد أن أبين لكم والموضوع شديد الصلة بالكلام عن البخاري وعن صحيح البخاري والأسانيد وتصحيح الأسانيد تضعيفها وغير ذلك .
    هناك فرق كبير جدًا بين أسانيد السنة وأسانيد التواريخ ، التواريخ عبارة عن أحداث ، وكيف يأتي المؤرخ بالمعلومة ؟ المؤرخ يكتب المعلومة عن كل من هب ودرج ، حدث أي حدث في بلد ما ، سنفترض جدلاً أن هناك بناية عظيمة انهارت ، أي صحفي يريد أن يغطي هذه المسألة هو يسأل أي أحد في مكان الحدث ، هل يعرفه ، يعرف أن هذا المتكلم صادق أم كاذب ؟ لا يعرف ، هل يعرف أي شيء عن ترجمته ، لا يعرف ، إنما يقول له قل لي ما الموضوع ؟ فيقول له : الموضوع كذا كذا كذا وأنا أقف وجدت شيء نزل ويكتب ما عنده ، يذهب لأخر ، وأنت ماذا رأيت ؟ يقول له: رأيت كذا كذا كذا ، ممكن يكون فيه أكبر الكذابين يقف ، أنا كرجل مؤرخ أو صحفي أكتب كل شيء أسمعه مع قطع النظر هي صحيحة أم لا ، وأنت ما اسمك ؟ يقول: اسمي كذا ، أكتب حدثني فلان الفلاني أنه بينما هو واقف حدث كذا وكذا وكذا .
    ويبدأ المؤرخ أن يجمع كل ما هو متعلق بالواقعة من أي إنسان يقابله ، أئمة التاريخ الذين جمعوا التواريخ وعلى رأسهم إمام المؤرخين وإمام المفسرين المجتهد المطلق الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري- رحمه الله- له تاريخ الأمم والملوك ، مطبوع في عشر مجلدات ، قال في مقدمة ، لأن الكاتب قال أنا أتيت بهذا من تاريخ الطبري ، الطبري لما يقول حدثنا عن فلان عن فلان عن فلان ،هل الطبري – رحمة الله عليه- تعهد بصحة الأخبار الذي يأتي بها ، لا ، نص الإمام الطبري في مقدمة كتاب التاريخ على أن الأخبار الذي يستشنعها السامع ويستنكرها القارئ ليست من قبله هو ، إنما من قبل من حكاها .
    فيقول أنا كل الذي علي أنني أديت إليك ما سمعت ، فأي إنسان يريد أن يأخذ معلومة من كتب التواريخ لابد أن يكون عليمًا بطرائق نقل الأخبار ما هي صفات الأخبار المقبولة ؟ وما هي صفات الأخبار المردودة ؟ لكن يدخل بصدره وليس عنده أي فكرة عن أي شيء ويدخل في تاريخ الطبري ، فهذا كحاطب ليل كما يقول العرب ، حاطب الليل رجل يجمع حطب فبينما هو يجمع الحطب إذا حية في وسط الحطب لدغته فمات .
    من يدخل في كتب التواريخ لابد أن يكون عليمًا بطرق نقل الأخبار التي اتفق أهل العلم عليها ، فلماذا كل علم في الدنيا يُحتَرم ما عدا علم الشريعة ؟ كل واحد يدخل الشريعة بصدره وفعل ما يريد ويفهم ما يريد ، هذا الكلام غير متواضع عليه عند سائر أصحاب العلوم ، كل علم له رجاله ، وأي إنسان يحترم نفسه ولا يريد أن تلعنه الناس أو تصفه بالجهل يعرف هو يدخل على أي فن ، اليوم لو أن واحد ليس معه طب نهائيًا وفتح عيادة واكتشف أن هذا الإنسان يمارس مهنة الطب بدون ما يكون معه بكالوريوس فضلاً عن الشهادات المتخصصة الأخرى ، فهذا يدخل السجن ، لماذا ؟ يقول هذه أرواح الناس وليست لعب ، هذا عندما يعطى لواحد دواء خطأ يقتله ، وكذلك دين الناس ليس لعبه أيضًا ، الشريعة ليست لعبة أن يدخل أي أحد فيها ، وأن أي أحد يتكلم فيها كما يريد .
    أي إنسان يريد أن يصون ماء وجهه فلا يذكر باللعنات فعليه أن يعرف مواضع قدميه ، كتب التواريخ غير كتب السنة ، أسانيد السنة حفظت والعلماء دققوا واشترطوا ألا يؤخذ حديثٌ من أحد إلا إذا كان دينًا ، خيرًا حافظًا ، لديه ذاكرة حفظ جيدة ، وليس كلما سئل قال أنا يتهيأ لي ، فنقول له لا ، ولا نقبل منه الخبر إلا إذا كان ضابطًا حافظًا .
    أسانيد كتب التواريخ ليست كذلك ، الفتن يكثر فيها الافتراءات والكذب والأسانيد المعضلات والمرسلات ، فضلاً عن الأسانيد المكذوبة ، فأي إنسان يطلب النجاة لنفسه يوم القيامة لأنه كما قيل:
    فلا تكتب بكفك غير شيء * يسرك في القيامة أن تراه .
    إن الله عز وجل يزن يوم القيامة بالذرة وبمثقال الذرة ، هذا الذي يقولوه يسد عين الشمس ، الذي يقولوه في الصحابة ، الذين قال فيهم النبي- عليه الصلاة والسلام- "لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم ملء أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " .
    معنى الكلام لو أن هذا السَّاب للصحابة كان يمتلك ملء الأرض ذهباً فأنفقه وجاء صحابي من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- وتصدق بمد من شعير ، والمد: ملء الكفين ، والنصيف: ملء كف واحد ، فهذا السَّاب المتأخر لو أنفق مثل أُحدٍ ذهبًا وأنفق صحابي مد شعير لكان هذا المد أفضل من هذا الجبل الذهب من هذا المتأخر السَّاب ، لأن النبي – صلي الله عليه وسلم- يقول لا تسبوا أصحابي لأن سب الصحابة باختصار كما قال الإمام مالك ، قال:[ هؤلاء أرادوا أن يطعنوا على رسول الله- صلي الله عليه وسلم فلم يجرئوا ولم يستطيعوا فنبذوا أصحابه ، وقالوا له صحابة سوء] فالإنسان إذا كان صالح هل يصاحب أهل السوء والدون والسوقة والرعاع ؟ فهم عندما سبوا الصحابة وهناك من كتب أبو هريرة الأراجوز ، أهذا يقال على أبو هريرة في بلاد السنة ، فكيف يقول الروافض إذا كان هذا حال أهل السنة ؟ ، فهناك سب لأصحاب النبي- صلي الله عليه وسلم- ، وهذا السب في الحقيقة إنما يعود على النبي- صلي الله عليه وسلم- كما قال الإمام مالك- رحمه الله- والكلام في الحقيقة مر وطويل ولعلنا نستوفي هذا الكلام إن شاء الله تعالي .
    س: ما حكم المال الحرام الذي تم جمعه قبل التوبة ؟
    الجواب: التوبة تجوب بما قبلها بشرط إرجاع الحقوق إلى أهلها ، فهذا الذي سرق المال من الناس يجب عليه أن يرجع المال إليهم بأي طريقة ولا يلزم أن يكشف نفسه ، لو واحد له أموال يضع له هذه الأموال في مظروف ويعطيه لواحد ويقول له اذهب لفلان وقل لفلان أنك كان لك دين عند واحد وهذا هو الدين ، ولا يلزم أن تظهر نفسك ، والأموال الموجودة الذي هو كتبها باسم أبيه أو غير ذلك ، أنا أوصي الآباء وأقول لهم اتقوا الله- تبارك وتعالي- فلا أحد يمضي فيأخذ إلا عمله الصالح ، والنبي – عليه الصلاة والسلام- قال:" أيكم ماله أحب إليه أم مال وارثه ، قالوا يا رسول الله ما منا من أحد إلا وماله أحب إليه من مال وارثه ، قال: فإن مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت " فهذه العقارات أو هذه الأملاك التي كُتِبت باسم الأب ، نحن نُهيب بهذا الأب أن يتقي الله - سبحانه وتعالي- ، وإذا كان أصحاب هذه الأموال معروفه ، لأن هذه أموال مغصوبة ، يرجع الأموال إلى أصحابها ، أما إذا كانت الأموال غير معروفة فعليه أن يتصدق بها وأن يتوب إلى الله – تبارك وتعالي- .

    * * *
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •