لطائف في ترتيب الدعاء النبوي
" اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى"


اعلم –رحمني الله وإياك- أن هذا دعاء جليل القدر جامع لخيري الدناي والآخرة، لا غنى لمكلف عن الدعاء به ولا صلاح له إلا بتحقيق مضمونه.

وإليك جواب إيرادت ترد على ترتيبه تجلي معناه وتبين وجه الإعجاز في ترتيبه:


أولًا: إن قيل: لم قدم " الهدى والتقى" على " العفاف والغنى"؟
أجيب: لأن الهدى والتقى قوام صلاح العبد في أمر دينه والعفاف والغنى قوام صلاحه في أمر دنياه . وأمر الدين مقدم على أمر الدنيا.
أو لأن "الهدى والتقى" فيهما شفاء الشبهات ، و"العفاف والغنى" فيهما شفاء الشهوات. وداء الشبهات أخطر من دعاء الشهوات.

ثانيًا: وإن قيل: لم قدم"الهدى" على "التقى"؟
أجيب: ذلك لعله لأمور:
أحدها: أن "الهدى" هو العلم النافع، و"التقى" هو العمل الصالح . والعلم مقدم على العمل في ضرورة تحصيله؛ قال تعالى:"فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك". وبوب البخاري"باب العلم قبل القول والعمل".
الثاني: أن "الهدى" سبب لتحصيل "التقى"؛ قال تعالى"والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم".
الثالث: أن الهدى أخص بالظاهر، والتقى أخص بالباطن. وإصلاح الظاهر أيسر فقدم طلب تحصيله.
الرابع: أو أن"الهدى" عبارة عن اتباع الرسول ، والتقى مقتضٍ للإخلاص في الاتباع.

ثالثًا: إن قيل: ولم قدم " العفاف" على "الغنى"؟
أجيب: لأن العبد أحوج إلى العفاف منه إلى الغنى.
أو لأن العفاف فيه من درء المفسدة ما ليس في الغنى.
أو لأن العفاف فيه كسر شهوة النساء، والغنى فيه كسر شهوة المال والتطلع. والأول أولى.
والله أعلم.