بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ثم أما بعد..
أقول وبالله التوفيق: حديث:
"يَا عِيسَى، إِنِّي بَاعِثٌ مِنْ بَعْدِكَ أُمَّةً، إِنْ أَصَابَهُمْ مَا يُحِبُّونَ حَمِدُوا اللَّهَ وَشَكَرُوا، وَإِنْ أَصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ احْتَسَبُوا وَصَبَرُوا، وَلَا حِلْمَ وَلَا عِلْمَ. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ هَذَا لَهُمْ، وَلَا حِلْمَ وَلَا عِلْمَ؟ قَالَ: أُعْطِيهِمْ مِنْ حِلْمِي وَعِلْمِي".
هذا الحديث لا يروى إلا عن معاوية بن صالح الحضرمي؛ لا يعرف إلا به، تفرد به عن أبي حلبس يزيد بن ميسرة، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم هو يروى عنه من طريقين فقط _ يكادان يكونان طريق واحد؛ مجازاً، قال أبو زرعة: سمعت عبد الله بن صالح يقول: قدم علينا معاوية بن صالح فجالس الليث بن سعد فحدثه فقال الليث: يا عبد الله ائت الشيخ فاكتب ما يملي عليك، فأتيته فكان يمليها علي ثم يصير إلى الليث فقرأها عليه؛ فسمعتها من معاوية مرتين. _:
* الطريق الأول: طريق الليث بن سعد؛ أخرجه:
-الإمام أحمد في (المسند رقم 26995)، والبزار في (المسند رقم 4088) من رواية: [الحسن بن سوار].
-أبو مسهر (في نسخته رقم 31) من رواية: [آدم بن عبد الرحمن].
-ابن أبي الدنيا في (الصبر رقم 91) من رواية: [عمر بن معروف الكوفي].. وهو مجهول ليس بشيء.
* الطريق الثاني: طريق عبد الله بن صالح الجهني _ كاتب الليث بن سعد _؛ أخرجه:
-البخاري في (التاريخ الكبير 8/355) عنه.
-الحكيم في (النوادر رقم 123) من رواية: [أبو سنان أحمد بن حمويه البلخي].. مجهول؛ من شيوخ بلخ.
-الطبراني في (الشاميين رقم 2050) و(الأوسط رقم 3252) ومن طريقه أبو نعيم في (الحلية 1/227، 5/243) ومن طريق أبو نعيم الشيخة مريم في (المعجم رقم 93) وابن حجر في (الأمالي المطلقة ص49) من رواية: [بكر بن سهل الدمياطي].. مضعف، و[مطلب بن شعيب الأزدي].
-الحاكم في (المستدرك رقم 1221) ومن طريقه البيهقي في (الشعب رقم 9293) من رواية: [بشر بن سهل اللباد].. متروك.
- البيهقي في (الأربعون الصغرى رقم 47) و(الأسماء والصفات رقم 230) و(الشعب رقم 4161) ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 48/364) من رواية: [الفضل بن محمد الشعراني].. متكلم فيه.
-الخرائطي في (الشكر رقم 19) من وراية: [علي بن داود القنطري].
ملاحظة:
قد سقط (معاوية بن صالح) من مطبوع المستدرك للحاكم. فتنبه
وأتى عند البزار بدل يزيد بن ميسرة؛ أخوه يونس.. وهو خلاف المحفوظ، وما أراه إلا خطأ ووهم عنده. فتأمل
وسقط من سند ابن عساكر (أم الدرداء).
* أقوال العلماء حول هذا الحديث:
-قال البزار: (وَهَذَا الْحَدِيثُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا اللَّفْظِ إِلا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ثِقَةٌ، وَيُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ ثِقَةٌ، مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، مِنْ عُبَّادِهِمْ، يُجْمَعُ حَدِيثُهُ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ).
-وقال الطبراني: (لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ إِلا يَزِيدُ بْنُ مَيْسَرَةَ، تَفَرَّدَ بِهِ : مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ).
-وقال أبو نعيم _ بتصرف _: (تَفَرَّدَ بِه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، تَفَرَّدَ بِهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي حلبسٍ).
-وقال الحاكم: (حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي.
قلت: لم يصب لا الحاكم ولا الذهبي فيما قالاه، بل ليس هذا السند من روايته على شرط البخاري ولا حتى مسلم ولا ما يحزنون، وكيف يعقل أن يكون على شرط البخاري؟!!
-وقال الهيثمي: (رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط؛ ورجال أحمد رجال الصحيح، غير الحسن بن سوار، وأبي حلبس يزيد بن ميسرة؛ وهما ثقتان).
-وقال ابن حجر: (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ).
· وأقول:
هذا الحديث مداره على (معاوية بن صالح بن حدير الحضرمي) عن (يزيد بن ميسرة بن حلبس).. وعندي أن هذا الحديث من غرائب معاوية التي تفرد بها.
و[معاوية بن صالح] على أنه قد وثق؛ إلا أن الصحيح أنه ليس على إطلاقه أبدا، بل الواجب وضع حديثه في الميزان؛ فقد جرح وتكلم به من قبل أئمة؛ مما بجعل هذه الثقة فيه غير مطلقة، وإليك بيان هذا:
-روى ابن معين قال: (كان يحيى بن سعيد القطان لا يرضاه).. وروى أخرى قال: (كان ابن مهدي إذا حدث بحديث معاوية بن صالح زبره يحيى بن سعيد؛ وقال: إيش هذه الأحاديث) وكان ابن مهدي لا يبالي عن من روى ويحيى ثقة في حديثه.
-بل قال يحيى بن سعيد نفسه: (ما كنا نأخذ عنه ذلك الزمان ولا حرف) وكان يضعفه.
-وقال حميد بن زنجويه لعلي بن المديني: (إنك تطلب الغرائب؛ فائت عبد الله بن صالح واكتب كتاب معاوية بن صالح تستفد مائتي حديث).
-وقال أبو حاتم: (يكتب حديثه ولا يحتج به).
-وقال يعقوب بن شيبة: (قد حمل الناس عنه؛ ومنهم من يرى أنه وسط ليس بالثبت ولا بالضعيف، ومنهم من يضعفه).
-وقال أبو إسحاق الفزاري: (ما كان بأهل أن يروى عنه).
-وقال محمد بن عبد اله بن عمار: (زعموا أنه لم يكن يدري أي شيء في الحديث).
-وقال ابن عدي: (يقع في أحاديثه إفرادات).
-وقال موسى بن سلمة: (أتيت معاوية بن صالح لآخذ عنه فرأيت أداة الملاهي؛ قال: فقلت: ما هذا؟ قال: شيء نهديه إلى ابن سعد صاحب الأندلس. قال: فتركته ولم أكتب عنه).
والخلاصة: فالذي يظهر من هذا كله أنه ثقة فيما وافق الثقات، أما ما تفرد به فهو ضعيف لا يصح ما تفرد به، بل ولا يحتمل منه أيضاً.. وروايته عن أبي حلبس من رواية الشاميين، والتي قال ابن حجر عنها: (وكان معاوية يغرب بحديث أهل الشام جداً).
وأما [يزيد بن ميسرة] فقد وثق، وهو قليل الحديث، ولكنه مع ذلك فإن الواضح على حديثه الغرابة، ولا يحتمل التفرد أيضا. فتأمل
فالحديث بهذا الإسناد ضعيفٌ جداً لا يصح. والله تعالى أعلم