أحكام العطاس وآدابه في الشريعة الإسلامية
المقــدمــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه . وبعد :
فإن التأسي بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طريق لفلاح المؤمن , وسعادته في الدنيا والآخرة , والله –عز و جل- يقول في كتابه الكريم :{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21
قال القرطبي (التفسير :8/149):(الأسوة القدوة , والأسوة مايتأسى به ,أي يتعزى به ,فيقتدى به في جميع أفعاله , ويتعزى به في جميع أحواله .)ا.هـ .
وقال ابن كثير ( تفسيره :3/483) :(هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أقواله, وأفعاله, وأحواله .) ا.هـ .
وما أحوج الأمة, في هذه الأزمنة المتأخرة , أن تتأسى برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن تسير على سنته , تقتفي أثره, وتسلك دربه ,وتهتدي بهديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ورحم الله الإمام مالك بن أنس حيث قال في كلمته المشهورة :(لن يصلح آخر هذه الأمة إلابما صلح به أولها ) .
وإن من صلاح أولها ما حدثنا به التاريخ من تأسيهم برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى في الأمور الجبلية فضلاً عن غيرها .
ومن ذلك ماجاء عند أحمد عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ((كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب الدباء )) (1 )
وفي المتفق عليه :(كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتتبع الدباء من حوالي القصعة , فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذ) (2)
وفي رواية مسلم يقول أنس ـ رضي الله عنه ـ:(فما صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دباء إلاصُنع ).
قال الحافظ ابن حجر (الفتح: 9/536) : (وفيه فضيلة ظاهرة لأنس لاقتفائه أثر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى في الأشياء الجبلية )
وهكذا ينبغي لآخر هذه الأمة أن تكون متأسية به ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما كان أولئك الأوائل .
وحتى نحقق شيئاً من هذا, أضع بين يديك ـ أخي الكريم ـ أدباً من آدابه النبوية , وخلقاً من أخلاقه المهدية , وهو أدب العطاس , جمعت فيه ماتيسر لي من أحكامه, وآدابه ,
ولا أدعي الكمال في هذا الجمع , فهو عمل بشري معرض للخطأ ,والزلل,والنسيان والخلل, ولكن :
وإن تجد عيبًا فسد الخللا فجل من لاعيب فيه وعلا
سائلاً المولى ـ عز وجل ـ أن يرزقني الإخلاص في جميع أقوالي, وأفعالي ,ويجعلها ذخراُ لي يوم لقاه , وسبباً لنيل رضاه , وأن يتقبلها مني بقبول حسن .
اللهم آمين
والحمد لله رب العالمين , و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وكتبه / أبومالك عدنان بن عبده بن أحمد بن سعيد بن علي المقطري
اليمن ـ تعز15رجب1430هـ
تعريف العطاس
تعريفه لغة :-
في القاموس المحيط:(ص:516) قال : (عطس ويعطس عطساً وعُطاساً أتته العطسة ، وعطسه غيره تعطيساً ، والصبح : انفلق وفلان مات ,والعاطوس : مايعطس منه ، ودابة يتشاءم بها ) .
وفي مختار الصحاح( ص : 233): ( العطاس بالضم من العطسة, وقد عطس يعطس بضم الطاء وكسرها, وربما قالوا: عطس الصبح إذا انفلق , والمعطس بوزن المجلس أنف وربما جاء بفتح الطاء ) .
تعريفه اصطلاحا : زفير مفاجئ قوي ,يخرج عن طريق قصبة الأنف ، دون إرادة الشخص ، وينشأ نتيجة لتهيج الغشاء المخاطي للأنف ، أو يخرج مرضاً كما يحدث في الزكام ، وانحباسه يحدث خمولاً في الجسم ، أما خروجه فيحس العاطس بعده بخفة في بدنه . (1)
وقال ابن القيم (مفتاح دار السعادة ص: 618) :(والعطاس ريح مختنقة تخرج,وتفتح السد من الكبد ,وهو دليل جيد للمريض مؤذن بانفراج بعض علته, وفي بعض الأمراض يستعمل مايعطس العليل ,ويجعل نوعا من العلاج ومعينا عليه) .
الذكر بعد العطاس
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله ) رواه البخاري (1)
وقد نقل ابن حجر في الفتح( 10/600 ):(عن ابن بطال وغيره عن طائفة أنه لا يزيد على الحمد لله لهذا الحديث ) .
وثبت عند الترمذي وأبي داوود أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ): إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين على كل حال ) (2)
وجاء في حديث عبد الله بن مسعود ـ موقوفاً عنه ـ أنه قال : ( إذا عطس أحدكم فليقل الحمدلله رب العالمين ) (3)
فتيبن من هذه الآثار أن الألفاظ المشروعة في العطاس هي :
1-الحمد لله 2- الحمد لله على كل حال 3- الحمد لله رب العالمين
قال الإمام النووي في الأذكارـ رحمه الله ـ ( ص: 240 ) : (اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه الحمد لله , ولوقال الحمدلله رب العالمين لكان أحسن ,فلو قال الحمد لله على كل حال كان أفضل)
وقال ابن حجر ( الفتح :10/601) :(ونقل ابن بطال عن الطبراني أن العاطس يتخير بين أن يقول : الحمدلله, أويزيد رب العالمين, أوعلى كل حال , والذي يتحرر من الأدلة أن كل ذلك مجزئ , ولكن ما كان أكثر ثناء أفضل, بشرط أن يكون مأثوراً .)
وقال النووي في شرح مسلم (18/100): ( وقال ابن جرير هو مخير بين هذا كله , وهذا هو الصحيح ,وأجمعوا على أنه مأمور بالحمد لله )
وكل ما ذكر هنا من الألفاظ فإنما هو مقيد بحمد الله ـ عز وجل ـ , والثناء عليه .
ولذلك يقول ابن حجر ( الفتح 10/600) :( وعن طائفة مازاد من الثناء فيما يتعلق بالحمد, كان حسناً ) .
وأما الزيادة على ذلك, وإضافة أذكار مبتدعة, وطرق مخترعة, وأساليب مصطنعة, فكل هذا مما يخالف هدي محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :( وخير الهدي هدي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ) .
فائدة :
يذكر بعض علماء العصر الحديث :أن القلب يتوقف عن النبض, ثم يستأنف عمله بعد العطاس ... والعطسة سرعتها 100 كلم في الساعة، فإذا عطست بقوة فإنه من الممكن أن تكسر ضلع من أضلاعك، وإذا حاولت إيقاف عطسة مفاجئة من الخروج، فهذا يؤدي إلى ارتداد الدم في الرقبة أو الرأس ومن ثم إلى الوفاة ...
أما إذا تركت عينيك مفتوحتين أثناء العطاس، فمن المحتمل أن تخرجا من مخرجيهما ...
وأثناء العطسة تتوقف جميع أجهزة الجسم التنفسي , والهضمي , والبولي، رغم أن زمن العطسة ثانية, أو أجزاء من الثانية, وبعدها تعمل إن أراد الله لها أن تعمل, وكأنه لم يحصل شيء ...
والعطاس رد فعل طبيعي من الجسم عندما يكون هناك مواد دخلت للأنف قد تضر بصحة الإنسان , فتأتي العطسة لتخرجها خارج الجسم بقوة طرد عالية لحماية الجسم ...
لذلك كان حمد الله تعالى هو شكر لله على هذه النجاة !!! فسبحان الله العظيـم ...
من البدع عند العطاس
وبعد أن عرفنا الأذكار الشرعية للعاطس , يستحسن أن نُذكر ببعض المخالفات, والبدع المحدثات من بعض المسلمين في هذا الباب, وبالله التوفيق :
1- الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم –
روى الترمذي عن نافع : أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمرـ رضي الله عنهماـ فقال : الحمد لله والسلام على رسول الله . قال ابن عمر ـ رضي الله عنهماـ: وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله ,وليس هكذا علمنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . علمنا أن نقول : الحمد لله على كل حال .) (1)
فالصلاة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أعظم القربات , وأجل الطاعات , ولكن ابن عمر ـ رضي الله عنهماـ أنكر على الرجل قوله في هذا الموضع لأن هذا ليس من هديه ,ولا من سنته التي علمهم إياها- صلى الله عليه وسلم- فلكل مقام مقال ,وليس مقامها هنا فتنبه .
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في الأذكار ( ص 241 ) :(فصل: إذا قال العاطس لفظاً آخر غير الحمد لله لم يستحق التشميت )(11)
وقال ابن القيم : ( جلاء الأفهام )
(وقالوا : لا تستحب الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند العطاس وإنما هو موضع حمد الله تعالى وحده ,ولم يشرع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند العطاس إلا حمد الله تعالى ,والصلاة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ,وان كانت من أفضل الأعمال ,وأحبها إلى الله تعالى فلكل ذكر موطن يخصه لا يقوم غيره مقامه فيه ,
قالوا :ولهذا لا تشرع الصلاة عليه في الركوع , ولا السجود ,ولا قيام الاعتدال من الركوع ,وتشرع في التشهد الأخير إما مشروعية وجوب,أو استحباب.
ورووا حديثا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا تذكروني عند ثلاث عند تسمية الطعام,وعند الذبح, وعند العطاس ,وهذا الحديث لا يصح ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ مجموع الفتاوى ( 11 / 631 - 633 ) :
(إن من المقرر عند العلماء أنه لا يجوز التقرب إلى الله بما لم يشرعه الله, ولو كان أصله مشروعا كالأذان مثلا لصلاة العيدين, وكالصلاة التي تسمى بصلاة الرغائب, وكالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم عند العطاس , ومن البائع عند عرضه بضاعته للزبون - ونحو ذلك كثير وكثير جدا - من محدثات الأمور التي يسميها الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ ب" البدع الإضافية " وحقق في كتابه العظيم حقا " الاعتصام " دخولها في عموم قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " (2)
2- قول كلمة( آب )
عن مجاهد ـ رحمه الله ـ قال :عطس ابن لعبد الله بن عمرـ رضي الله عنه ـ فقال : آب . فقال ابن عمر: وما آب ؟ إن آب اسم شيطان من الشياطين جعلها بين العطسة, والحمد ) (1)
قال إبراهيم : إن شيطاناً يسمى أهاب , فمن عطس , فليخفض من صوته , ولا يقل : أهاب ,وكذلك كانوا يكرهون أن يقول : أشهب إذا عطس ) .
3- السلام عند العطاس :
جاء عند الترمذي وأبي داوود أن رجلاً عطس عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : السلام عليكم , فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( وعليكم السلام وعلى أمك ) ثم قال : ( إذا عطس أحدكم فليحمد الله ) قال : فذكر بعض المحامد : وليقل له من عنده: يرحمك الله وليرد يغفر الله لنا ولكم ) (1)
ويحدث هذا لكثير من الناس إذا عطس أو سمع من يعطس قال : السلام عليكم وغالب هؤلاء إن لم يكن جميعهم تحدث منهم على غفلة دون تعمد والله أعلم(2)
قال بن حجر ( الفتح 10/60) : ( ولا أصل لما اعتاده كثير من الناس من استكمال قراءة الفاتحة بعد قوله : الحمد لله رب العالمين ، وكذا العدول من الحمد إلى أشهد أن لا إله إلا الله أ وتقديمها على الحمد فمكروه ) أ.هـ
4 - استبدال الحمد ببعض الكلمات الأجنبية :
يقول الشيخ عبد السلام في( السنن والمبتدعات):(وقد ترك هذه السنة الجليلة ( أي الحمد ) كثير من الناس, واستعاضوا عنها بسنة إفرنجية خسيسة وهي قولهم: سلوتي , اجراستي ( .
5 - بدعة قولهم ( صحة ) للعاطس : عطس أو لم يعطس , وهذه الكلمة في هذا الموطن لا أصل لها لا من كتاب, ولا من سنة
حكم الحمد للعاطس وحكمته
نقل الإمام النووي – رحمه الله – اتفاق العلماء على استحباب الحمد للعاطس كما في الأذكار (( ص :24 )) .
وبوب الإمام البخاري – رحمه الله – باب الحمد للعاطس .
قال الحافظ ( 10/ 60 ) : ( أي مشروعيته ، وظاهر الحديث يقتضي وجوبه لثبوت الأمر الصريح به ، ولكن نقل النووي الاتفاق على استحبابه )أ. هـ
قال ابن القيم – رحمه الله – ( زاد المعاد 2/400 ) :- ( ولما كان العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة, ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه ,التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عسرة ، شرع له حمد الله على هذه النعمة ، مع بقاء أعضائه على التئامها, وهيئتها بعد هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها ) .
وقال ( 2/401 ) :( وقيل : تشميت له بالشيطان ، لإغاظته على نعمة العطاس ، وماحصل له من محبة الله, فإن الله يحبه ) .
وفي الآداب الشرعية لابن مفلح : ( ص:493 ) ط ( مؤسسة الرسالة ناشرون في مجلد واحد): ( قال ابن هبيره :- فإذا عطس الإنسان استدل بذلك من نفعه بصحة في بدنه ,وجودة مطعمه ، واستقامة قوته , فينبغي له أن يحمد الله, ولذلك أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يحمد الله ) .
تنبيه :- قال الرازي من الأطباء : العطاس لايكون أول مرض أبداً إلا أن تكون له زكمة ) المصدر السابق .
قال الحافظ ـ رحمه الله ـ ( الفتح 7/602 ) :( قال الحليمي : الحكمة في مشروعية الحمد للعاطسين ,أن العطاس يدفع الأذى من الدماغ الذي فيه قوة الفكر ، ومنه منشأ الأعصاب التي هي معدن الحس ,وبسلامته تسلم الأعضاء, فيظهر بهذا أنها نعمة جليلة ، فناسب أن تقابل بالحمد له لما فيه من الإفراد لله بالخلق والقدرة ، وإضافة الخلق إليه لا إلى الطبائع ) أ .هـ
ماينبغي على الحامد
قال الإمام النووي ( الأذكار ص 42 ): ( وأقل الحمد التشميت, وجوابه أن يرفع صوته بحيث يسمع صاحبه ) .
وقال العلامة ابن عثيمين ( شرح رياض الصالحين 2/1163): ( ولابد أن يكون حمد العاطس مسموعاً ) , وفي شرح السنة للبغوي ( 6/366): ( وفيه دليل على أنه ينبغي أن يرفع صوته للتحميد حتى يسمع من عنده حتى يستحق التشميت ) .
ومراده بالحديث حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في البخاري:( كان حقاً على كل مسلم سمعه ,أن يشمته ) وسيأتي إن شاء الله
يتبع إن شاء الله