شرح يحيى بن أبي طي الحلبي حمل اسم «المنتخب في شرح لامية العرب» وهو عالم ومؤرخ

جليل العطية الشنفرى الازدي: كان شاعرا جاهليا، يماني الاصل ـ اعتبره النقاد من فحول الطبقة الثانية. من فتاك العرب وعدائيهم حتى ضرب به المثل في شدة عدوه. فكان يقال:
ـ اعدى من الشنفرى والشنفرى لقب له، يعني عظيم الشفتين ـ اما اسمه ففيه خلاف واقترن بتأبط شراً وعمرو بن براق وهما من صعاليك العرب وعدائيهم.

وصل الينا ديوان الشنفرى الازدي، ونشر بعناية العلامة (عبد العزيز الميمني) المتوفى سنة 1978م ونشر في القاهرة ضمن كتاب الطرائف الادبية 1937م. ولا يمكن ان يمثل هذا الديوان مجموع شعره، لأنه لا يضم سوى89 بيتاً! ويلاحظ ان (الميمني) يتفق مع العلماء الذين يرون ان اللامية ليست للشنفري فأثبت منها مطلعها قائلا: وقيل لغيره وقيل انها لخلف ـ يعني الأحمر.

ومطلع اللامية:

اقيموا بني أمّي صدور مطيكم فإني الى قوم سواكم لأميلُ ولقد نالت (لامية العرب) هذه شهرة مدوية، لم يزاحمها ـ في وقت لاحق وبعد قرون ـ الاّ شعر المتنبي! نعود الى الشنفرى فنقول إن هذه اللامية تصور مجتمع البادية في الجاهلية، هذا المجتمع الزاخر بعناصر الشجاعة والعزيمة والقوة وعزة النفس.

نال شعر الشنفرى ولاميته اهتمام المستشرقين وكان من اقدم هؤلاء:

الفرنسي (دي ساسي) 1826م، والانجليزي (ردهاوس) 1881م، والايطالي (جابريل) 1946م والالماني (يعقوب) 1912م وغيرهم.

شروح اللامية وقبل ذلك عني بهذه اللامية عدد من العلماء العرب والمسلمين فشرحها نحو اربعين عالما بينهم:

ـ المبرد (محمد بن يزيد) ت 291 هـ / 940م، وقد نشرت (لامية العرب) في استانبول 1300هـ.

ـ التبريزي (يحيى بن علي) 502 هـ / 1109م ـ الزمخشري (جار الله) ـ 538هـ / 1143م. ونشر (اعجب العجب في شرح لامية العرب)، في استانبول سنة 1300هـ.

ـ وتولى العكبري (عبد الله بن الحسين) 616هـ ـ 1219م (إعراب لامية الشنفرى) وصدر الكتاب بتحقيق (محمد أديب عبد الواحد جمران) ـ بيروت 1404هـ ـ 1984م.

ـ ولابن ايلجك التركي (محمد بن الحسن) شرح ألفه سنة 698هـ/1298م توجد نسخة منه بخط المؤلف في مكتبة ايا صوفيا في استانبول رقمها 3145.

ـ وللنجحواني (المؤيد بن عبد اللطيف) شرح الفه سنة 983هـ/1574م منه نسخة في مكتبة ليدن بهولندا رقمها 2758/3.

ـ وللفيومي (جاد الله) شرح وضعه سنة 1101هـ/1689م منه نسخة في دار الكتب المصرية في القاهرة رقمها أدب 195.

ـ ولابن زاكور (محمد بن قاسم) المتوفى سنة 1120هـ 1708م شرح له عنوان طريف هو (تفريج الكرب عن قلوب أهل الأرب في معرفة لامية العرب) منه نسخة في مكتبة البلدية بالاسكندرية رقمها 3889.

ـ شرح للسويدي (عبد اللّه بن الحسين) المتوفى سنة 1174هـ/ 1761م منه نسخة في مكتبة المتحف البريطاني في لندن (رقمها اضافات 23/584).

ـ وللمصري (عطا الله بن أحمد) (من القرن الثاني عشر الهجري) شرح عنوانه: (نهاية الأرب في شرح لامية العرب).

ونالت لامية العرب إعجاب الأمم الاخرى! فلقد عرفنا ان الطغرائي (الحسين بن علي) المتوفى سنة 515هـ نظم (لامية العجم)، وحظيت هذه اللامية بعناية الادباء فشرحها (صلاح الدين الهندي) 764هـ وسواه! وهناك لامية الهند التي وضعها احد الشعراء الهنود المتأخرين.

و(المنتخب في شرح لامية العرب) ليحيى بن أبي طي الحلبي يأتي ضمن هذه السلسلة الذهبية.

المؤلف: يحيى بن أبي طي حميد بن ظافر الطائي الحلبي. عالم ومؤرخ له عناية بالادب ولد سنة 575هـ في حلب. درس على علماء عصره وتعانى صنعة التجارة ثم نظم الشعر ومدح الملك الظاهر، وله مشاركة في الاصول والقراءات وتوفي سنة 630هـ.

له مؤلفات كثيرة منها:

ـ اشتقاق أسماء البلدان.

ـ حوادث الزمان.

ـ سلك النظام في أخبار الشام (أربعة مجلدات).

ـ سيرة ملوك حلب.

ـ شرح الحماسة.

ـ غريب القرآن.

ـ معادن الذهب في تاريخ حلب.

ـ ملح البرهان في تفسير القرآن.

أورد له (ابن شاكر الكتبي) المتوفى سنة 764هـ أسماء ستين كتابا لم تبق لنا الايام منها سوى نقول مهمة تداولتها كتب التواريخ لبلاد الشام تغطي أخبار القرنين الخامس والسادس للهجرة.

والكتاب الوحيد الذي وصل الينا من هذه المؤلفات الكثيرة (المنتخب في شرح لامية العرب) ومن حسن التوفيق ان المخطوطة الوحيدة التي انتهت الينا منه تحتفظ بها مكتبة الاسكوريال الاسبانية برقم 314 بخط يد المؤلف: فرغ من كتابتها في العشرين من شهر رمضان سنة 618هـ وتقع في 169 ورقة. وعلى النسخة تملكات تشير الى انها كانت مودعة في خزائن عدد من الملوك آخرهم يدعى (عبد الله).

توثيق تناول (ابن ابي طي) اللامية في المقدمة المسهبة، الموثقة التي وضعها للكتاب ومما جاء فيها: وقرأتها على الشيخ الاجل رشيد الدين محمد بن علي بن شهراشوب، السدري، المازندراني في سنة خمس وثمانين وخمس مئة (للهجرة) وحدثني بها وبهذا الحديث قال:

قدمت في سنة سبع واربعين وخمس مئة (للهجرة) من مازندران طالبا للحج، وكانت اذ ذاك آهلة بالعلماء، فحضرت مجلس الوزير (عون الدين أبي منصور بن هبيرة) في يوم الاثنين، ـ وكان يجلس لسماع الحديث ـ فعرض ذكر قصيدة الشنفرى فقال ناس إنها ليست بشعر الشنفرى الأزدي، وانما هي شعر (خلف الاحمر) استاذ (الاصمعي) وكذلك أبيات ابن اخت (تأبط شرا) التي اولها:

إن بالشعب الذي دون تسلح.

قالوا: وكان (خلف) شاعرا مجيدا، يعمل الشعر الجيد، فإذا أنشده اتهم فيه، فكان ينظم ابياتا ويعزوها الى القدماء، قال فقال (ابن هبيرة): ـ هذا كذب، ومحال، ومن (خلف) حتى ينسب اليه مثل هذا الشعر، وان في شعره لينة الحضر ورائحة الاعاجم والخلعاء، وان في هذا الشعر لرائحة الجاهلية والشجاعة والقناعة.

فقال بعض الحضور: فما بالنا لا نجدها في اكثر دواوين الشنفرى؟ فقال: العامة اخس واسقط من ان (تقدم) لهم رواية مثل هذا الشعر. ثم قال: انها عندي في أول ديوانه، ثم أمر باحضار ديوان الشنفرى، فأحضر فاذا هو بخط (عبد السلام البصري) وهو يقول في اول الديوان: قرأت شعر الشنفرى على الشيخ الاجل (ابي الحسن علي بن عيسى بن علي الرماني) بمنزله بالجانب الشرقي بباب الميدان في (درب ابي محجن) يوم الاربعاء خامس محرم سنة خمس وستين وثلاثمائة (للهجرة) قال:
واخبرني انه قرأه على (أبي بكر أحمد بن أبي سهل محمد بن عاصم الحلواني) قال: قرأت على (أبي سعيد بن الحسين السكري) شعر الشنفرى بن مالك الازدي وشعر تأبط فلم اجد اللامية في شعر الشنفرى فقلت:
ـ ان العامة تقول ان اللامية ليست بشعر الشنفرى ويقول انها لخلف فقال: خلف اقل من ان ينسب اليه مثل هذا الشعر، وكان كذابا في روايته ثم قال ابو سعيد: ـ والله انني قرأت ديوان الشنفرى على (ابي الفضل الرياشي) ولم تكن اللامية فيه، فقلت له صدقت العامة في قولها ان القصيدة اللامية ليست للشنفري وانما هي منحولة اليه، ويقولون انها لخلف فقال: كذب من يقول هذا انما العامة أسقط من ان يجاد عليهم برواية مثل هذا الشعر ثم قال:

ـ اذا شئت فألحقها بالديوان، ثم املاني القصيدة من لفظه، فكتبتها ثم قال: هكذا رويت عن الاصمعي اللامية ثم التائية ثم هذه الابيات اليسيرة بعدهما.

قال: ثم اخرج الينا ابو سعيد جزءاً لطيفا جدا والقصيدة ملحقة في اوله، وفي حاشية ذلك الجزء بخط الرياشي:

قرأ عليّ ولدي ابو سعيد شعر الشنفرى وانا ارويه عن الاصمعي.

ـ قال: ثم ارانا (ابن هبيرة) الديوان والقصيدة في اوله وفي ذيله رواية ابن هبيرة عن ابي الحسين الوراق عن (ابن بديل) عن (ابي القاسم) عن (ابي المنهال الازدي) عن (مؤرج البصري) ـ الرواية ـ عن (عبد الله بن هشام النمري).
ثم يذكر المؤلف طرقاً اخرى عن عدة علماء تتناول الشنفرى وشعره فيها الكثير من الحوادث والتوثيق والجدة والطرافة وقد ذكر مجموعة من شيوخه الذين قرأ عليهم اللامية منهم: ـ أحمد بن علي بن الحسن بن زنبور الحلي (اجازة من الموصل سنة 601هـ) ـ موفق الدين يعيش بن علي الخطيب الحلبي (قراءة عليه في داره سنة 601هـ).
ـ يحيى بن الحسن بن البطريق الحلي.

ـ يونس بن سعيد بن حسن الموصلي (سنة 591هـ) ـ والده (حميد بن ظافر الطائي) روى عنه عدة مرات.

كتب جديدة وزادت المقتبسات التي نقلها المؤلف من كتب مفقودة، بل ان قسما منها نسمع به اول مرة حيث لم نجدها في كتاب الفهرست للنديم أو معجم الادباء لياقوت الحموي ومن ذلك:

ـ الاختراع لابن الاعرابي.

ـ أسماء السيف لابن خالويه.

ـ تذكرة أبي (الحسن بن أحمد) الفارسي.

ـ ديوان تأبط شرا.

ـ اللصوص لعمارة (؟).

ـ مختار فضائل أهل البيت لحميد بن ظافر (والد المؤلف).

ـ المناقب ليحيى بن الحسن بن البطريق الحلبي.

ـ نوادر أحمد بن كامل الشجري.

ـ نوادر ابن الاعرابي.

ـ نوادر النساء لابن الاعرابي.

ـ الوزراء لرشيد الدين محمد بن علي بن شهر اشوب.

وأورد المؤلف اسماء عدد من مؤلفاته، بينها عدة كتب لم يذكرها الذين ترجموا له، منها:

ـ الاشتقاق (في الرد على أبي جعفر النحاس).

ـ الفرق بين السين والصاد.

ـ مدح العزلة (يزيد على مائة ورقة).
ـ مفاخرة الشيب والشباب.
ـ من لقيته من الرجال العلماء.
واضافة الى هذا يسلط الكتاب الضوء على حياة المؤلف وسفراته الى عدة حواضر ومدن بهدف لقاء العلماء والأخذ منهم مباشرة.

ان هذا المخطوط المهم ينتظر جهود الباحثين لوضعه بين ايدي القراء.http://www.aawsat.com/details.asp?se...4&issueno=8156