قال أبو يعلى في مسنده ( رقم/2738) :
حدثنا زهير حدثنا محمد حدثنا محمد ابن عمرو عن أبي أمية عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نُهِيتُ أن أصلي وراء المتحدثين والنيام ).
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ
[2738 ] ( ضعيف ) هذا إسناد غامض!! ورجاله لم أفطن لهم سوى شيخ المؤلف وابن عباس فقط!! وأبو أمية لا أكاد أميزه!!
نعم قد يكون هو أبا أمية عبد الكريم بن أبي المخارق الضعيف المشهور!! وبهذا جزم حسين الأسد في تعليقه!! ثم قال: (وهو لم يدرك ابن عباس؛ فالإسناد منقطع!!).
قلت: إن صح احتمال كون أبي أمية هو عبد الكريم؛ فالظاهر أن في إسناد المؤلف سقطًا بين عبد الكريم وابن عباس؟!
ويؤيده: ما أخرجه الطيالسي [2645]، قال: (حدثا شريك عن عبد الكريم عن مجاهد أو عكرمة عن ابن عباس به مرفوعًا مثله).
وهذا إسناد تالف!! شريك هو القاضي النخعي ضعيف الحفظ مضطرب الحديث على جلالته!!
وعبد الكريم هو ابن أبي المخارق ضعفه الجمهور؛ وتركه جماعة!! وقال ابن عبد البر (مجمع علي ضعفه!!) ثم اعتذر لمالك عن الرواية عنه!! راجع ترجمته من (التهذيب) وذيوله.
وقد خولف شريك في وصله!! خالفه ابن عيينة!! فرواه عن عبد الكريم عن مجاهد - بدون شك- به مرسلاً ...!! ولم يذكر فيه ابن عباس!! هكذا أخرجه عبد الرزاق [2491]، وابن أبي شيبة [6467].
وكأن هذا الأشبه!! وهو ضعيف على كل حال!!
وللحديث طرق أخرى عن ابن عباس لا يصح منها شيء أصلاً!! بل جزم أبو داود وابن المنذر بكونها واهية!! وكذا له شواهد عن جماعة من الصحابة معلولة أيضًا كما بسطنا الكلام علي كل ذلك في (غرس الأشجار).
نعم: أخرجه الطبراني في الأوسط [5/ رقم 5246]، من طريق محمد بن الفضل السفطي عن سهل بن صالح الأنطاكي عن شجاع بن الوليد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة به مرفوعًا بلفظ: ( نهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام ).
قلت: وهذا إسناد ظاهره الجودة!! رجاله كلهم معروفون مقبولون:
شيخ الطبراني وثقه الخطيب في تاريخه [153/3]، وقال الدارقطني: (صدوق) كما في سؤالات الحاكم له [ص /145 رقم 197].
وسهل بن صالح ثقة صالح من رجال (التهذيب).
وشجاع بن الوليد هو الحافظ الفقيه الثقة المشهور؛ وفيه كلام يسير؛ فهو وإن ضعفه أبو حاتم الرازي - وتشدده معلوم- فإنه قال: (إلا أن عنده عن محمد بن عمرو بن علقمة أحاديث صحاح) كما في الجرح والتعديل [278/4].
وهذا الحديث من روايته عن محمد بن عمرو؛ فلم يبق إلا محمد بن عمرو!! وبه أعله الهيثمي في المجمع [202/2]،فقال: (واختلف في الاحتجاج به!!).
والصواب بشأنه: أنه حسن الحديث ما لم يخالف!! ومن حاول توهينه في أبي سلمة خاصة!! فلم يفعل شيئًا!! كما أوضحناه في غير هذا المكان.
ثم رأيت الحافظ قد وهَّى هذا الإسناد في الفتح [485/1]، وأحوال رجاله الماضية لا تساعده على ذلك أصلاً!! ولو أنه ضعَّف إسناده كما فعل صاحبه العيني في العمدة [114/4]، لكان عذره في ذلك أوضح مع الرفض أيضًا!!
فالظاهر: هو القول بتحسين هذا الإسناد الماضي كما جزم بذلك الإمام في الإرواء [96/2].
لكن في القلب منه شيء!! وأخشى أن يكون متنه قد انقلب على بعضهم!! فإن الحديث بهذا الإسناد غريب في ذوقي؟! لكني لست ابن المديني حتي أجزم بذلك هنا!!
ونحن قد نقبل من بعض المتقدمين إعلاله للحديث وإن لم يُبْدِ حجته على ذلك!! فإن هؤلاء النقاد المتقدمين من كثرة ممارستهم للعلل، ومخالطتهم للنقلة؛ صارت لهم ملكة قوية؛ وذوق عجيب؛ في نقد المتون والأسانيد؛ ولذلك فإنك تراهم لا يغترون بظواهر الأسانيد!! بل كان لهم في غربلة الأخبار جَلَد إلى الغاية!!
بل كان بعضم يمكث الأزمان لأجل معرفة ما اعترى الحديث الواحد من وهم أو خطأ!!
وفي هذا يقول الخطيب في الجامع [257/2]: (من الحديث ما تخفى علته!! فلا يوقف عليها إلا بعد النظر الشديد، ومضي الزمن البعيد!!) ثم أسند عن ابن المديني - بإسناد ضعيف- أنه قال: (ربما أدركت علة حديث بعد أربعين سنة!!).
فلم يكن كلامهم في هذا الفن بالمجازفة ولا التخرُّص!! بل سبيله ما قاله ابن رجب في شرح علل الترمذي [/664/2 عتر]: ( ولابد في هذا العلم من طول ممارسة، وكثرة مذاكرة؛ فإذا عدم المذاكرة به؛ فليكثر طالبه المطالبعة في كلام الأئمة العارفين؛ كيحي القطان، ومن تلقي عنه كأحمد وابن المديني وغيرهما؛ فمن رزق مطالعة ذلك وفهمه؛ وفقهت نفسه فيه، وصارت له فيه قوة نفس، وملكة، صلح له أن يتكلم فيه) .
قلت: وأين موقع تلك الأنفاس من أغمار أهل العصر؟!
وبالجملة: فنحن مع ظاهر إسناد حديث أبي هريرة الماضي، وقد بينَّا أنه حديث حسن على غرابته!! والله المستعان.
ثم وقفتُ - بعد زمن - على علة حديث أبي هريرة الماضي ولله الحمد.
فرأيتُ أبا داود قد أخرج هذا الحديث في (سننه / رواية أبي الطيب ابن الأشناني ) كما في تحفة الأشراف [رقم/6574 ]، وأبو موسى المديني الحافظ (نزهة الحفاظ) [ص/2738 /مؤسسة الكتب الثقافية] من طريق يعلي بن عبيد الطنافسي حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن عبد الكريم عن ابن عباس به ...
قلتُ: وسنده صحيح إلى محمد بن عمرو، وفيه الكشف عن الغموض الذي وقع لنا في إسناد المؤلف!
فإن ( محمد بن عمرو ) في إسناد المؤلف هو نفسه محمد بن عمرو بن علقمة هنا ! غير أني لم أستطع تمييز الراوي عنه عند المؤلف ؟!
وصح أن أبا أمية في سند المؤلف: هو أيضًا عبد الكريم بن أبي المخارق كما كنا قد قلناه احتمالا ! ونحن الآن نجزم به الآن.
إذا عرفتَ هذا : فاعلم أنه قد اختلف في سنده على محمد بن عمرو بن علقمة ! فرواه عنه شجاع بن الوليد عن محمد بن عمرو فقال: عن أبي سلمة عن أبي هريرة به ... كما مضى عند الطبراني !
وخولف فيه شجاع ! خالفه يعلى بن عبيد - وهو أوثق منه وأثبت - ! فرواه عن محمد بن عمرو فقال: عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن عباس به ... كما أخرجه أبو داود وأبو موسى المديني سابقًا.
وتوبع عليه يعلى على هذا الوجه: تابعه مَنْ لا أُميِّزه عند المؤلف أيضًا .
وهذا الوجه هو المحفوظ - إن شاء الله - عن محمد بن عمرو، فكأنَّ شجاع بن الوليد قد أخطأ فيه وسلك في روايته الجادة ! وشجاع كانت له أوهام غمزه بعضهم لأجلها !
وقد سبق: أن ابن عيينة روى هذا الحديث عن عبد الكريم بن أبي المخارق فقال: عن مجاهد به مرسلا ...وهو المحفوظ عن عبد الكريم كما سبق.
وعبد الكريم شيخ واهي الحديث عندهم ! فالحديث لا يثبت موصولا ولا مرسلا !
والحمد لله حمدًا كثيرًا على ما أرشد وألهم.
وبما تقدم من تخريج حديث أبي هريرة هنا : تعلم مقدار قول محدث الزمان محمد عمرو عبد اللطيف في جزئه في تضعييف حديث: (ما من عبد إلا وله ذنب...) [ص 174]، ( إذا وجدت حديثًا في أحد (المعاجم) الثلاثة - يعني للطبراني- رجاله كلهم ثقات أو صدوقون؛ فلا تتسرع بالحكم عليه بالصحة أو الثبوت؛ إذ لابد أن تجد فيه خللاً ما !! من إعلال؛ أو شذوذ؛ أو عدم اشتهار بعضهم بالرواية عن بعض ....!!)
قلتُ : وهذا كلام جيد رائق يشهد لصاحبه بشفوف الذوق الحديثي في هذا الباب، وقد كنا - قديما - نجد عليه في صدورنا ما ربما أفصحتْ عنه ألسنتا بالنكران !
لا سيما قوله : ( إذ لابد أن تجد فيه خللاً ما !! ).
ثم تركنا ما كنا نراه هنالك، وتنكبنا عن الخوض في تلك المسالك، وأعرضنا عن نزال الأبطال إلى طلب المهادنة ! معتذرين للعاذل بقول الصادق المصدوق : ( ليس الخبر كالمعاينة ) !
والله المستعان لا ر ب سواه. ).
انتهى بحروفه من كتاب: ( رحمات الملأ الأعلى بتخريج مسند أبي يعلى ) [رقم/2738 ] .
__________________