موقف المُسلم مِن الخلاف



عبد الرحمن بن ناصر البراك
تحقيق:عبد الله عائض القحطاني


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد :
فقد قال الله سبحانه وتعالى : (( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)) (الملك:1، 2) .
وقال تعالى : (( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)) (الكهف:7) .
وقال سبحانه وتعالى : (( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)) (هو:7) .
دلت هذه الآيات على أنَّ من حكمته تعالى في خلق الوجود ابتلاء العباد ، أي اختيارهم، ليتبين المحسنُ من المسيء، بل ليظهر من هو أحسنُ عملاً ، فهذه الحياةُ ميدان ابتلاء ، بدأت هذه الرحلة رحلة الابتلاء، منذُ ابتلى الله آدم بإبليس، حين أبى أن يسجد له استكباراً وحسداً ، فأسكن الله الأبوين الجنة ونهاهما عن الأكل من الشجرة، وابتلاهما بإبليس فأغواهما وزين لهما الأكل من الشجرة : (( فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ، قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )) (الأعراف:22، 23،24)
فأهبط الله آدم وزوجه وإبليس إلى الأرض، وبدأت رحلةُ الابتلاء على ظهر الأرض، يبتلي الله عباده بما آتاهم ، ويبتليهم بالخير والشر، ويبتلي بعضهم ببعض، ويبتلي أولياءه بأعدائه، وأعداءه بأوليائه، قال الله تعالى: (( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ )) (الأنعام:53).
يبتليهم بما أنزلَ الله عليهم من الشرائع المشتملة على الأوامر والنواهي .
فبدأ آدم- عليه السلام- وذريته هذا الطريق ومضوا، لكنهم مضوا على هدى الله وتوحيده، فمضى على ذلك عشرة قرون كلها على التوحيد، كما جاءَ عن ابن عباس -رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى : (( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) (البقرة:213).
فبعث الله نوحاً- عليه السلام- لينذر قومه الشرك، ويحذِّرهم بأس الله، فلبث فيهم ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً، فآمن معه من شاءَ الله من عباده ، قال الله تعالى : (( وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) (هود:36) .
فمن ذلك التأريخ صار الناس فريقين :
* مؤمنين .
* وكافرين .
وكلما بعث الله نبياً انقسم الناس أمام دعوته فريقين :
* مستجيبين مؤمنين .
* ومعارضين مكذبين .
هكذا تتابعت رحلة الدعوة إلى الله وقصة الدعوة إلى الله قال الله تعالى: (( ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِين ، مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ * ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ)) (المؤمنون:42- 44) .
فالناس فريقان : مؤمن وكافر، مطيع وعاصي، بر وفاجر، هو فريقان في الدنيا وهم فريقان في الآخرة ، هذا الاختلاف الأعظم ، الاختلاف بالإيمان والكفر ، والطاعة والعصيان، والتقوى والفجور، قال الله تعالى : (( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) (التغابن:2).
وهذا واقع بمشيئة الله تعالى وتقديره، وله الحكمةُ البالغة ، وهذا الاختلافُ ينشأ عنه تباغض واقتتال وتباين، لأنَّهُ اختلافٌ جذري، اختلا فٌ بالإيمان والكفر، كما قال الله تعالى : (( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)) (البقرة:253) .
فهذا اختلافٌ قدره الله وقضاه، ولا يزال الناس مختلفين ذلك الاختلاف، كما قال تعالى : (( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) (هود:118، 119) .
وهذا يدلُ على استمرار هذا الاختلاف بين الحق والباطل ، بين أولياء الله وأعداء الله ، بين حزب الله وحرب الشيطان ، فهما حزبان مختلفان على ظهر هذه الأرض، فهذا اختلاف الحق فيه بيّن، الحق فيه ما عليه الرسل وأتباعهم، فمن أراد النجاة والسعادة والفلاح فليكن في هذا الجانب ، ومن كان في الجانب الآخر فقد شاق الله ورسوله كما قال الله تعالى: (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (لأنفال:13) .
فالخيرُ والصلاح، والفوز والسعادة في الدنيا والآخرة، في سبيل الرسل وأتباعهم، والشر والشقاء، والضلال البعيد لمن سلك سبيل الغاوين الحائدين الزائغين عن سبيل المرسلين، قال الله تعالى: (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (الأنعام:153) .
وأكثر الخلق هم في حزب الشيطان كما قال تعالى: (( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)) (غافر: من الآية59) .
وقال : (( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)) (سبأ: من الآية13).
وقال: ((وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ)) (يوسف: من الآية38) .
وقال: ((وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه)) (الأنعام: من الآية116).
هذا هو حكمُ الله في هذا الخلاف، وهذا الاختلاف قال تعالى : (( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)) (النساء:76) .
والله تعالى يقيم الدلائل على الحق، يقيم المعالم التي يهتدي بها المهتدون ينصر أولياءه، ينجيهم مع قلتهم وضعفهم ، ويخذل أعداءه ويخزيهم، وينزل بهم النكبات على كثرتهم، وفي هذا تبصير للمستبصرين كما قال سبحانه: (( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (لأنفال: 42) .
جاءت هذه الآية في قصة بدر، فبنصره تعالى لنبيه والمؤمنين وهم قلة على أعدائهم، وهم كثرة وذو عُدة وهالة، فيه آية يهتدي بها الموفقون، ويعمي عنها المعرضون الهالكون.
ثُمَّ إنَّ أعداءَ الرسل بينهم اختلافات ولكن هذه الاختلافات لا يخرجون بها عن دائرة الضلال والشفاء، قال تعالى: (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)) (البقرة:176) .
وقال تعالى: (( إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ)) (الذريات:8،9) .
كل هؤلاء المختلفين على باطل، فالاختلاف الأول بين الحق والباطل، وأهلُ الحق والباطل، فهذا الاختلاف يُحْمَد فيه أحد الفريقين ويَُذَم الفريق الآخر.
وأما الاختلاف بين ملل الكفر وطرق الضلال فهذا لا يخرجها عن الذم، فكلها باطلة، وكلها مذمومة، وكلها سبلَ ضلالٍ، وإن كان بعضها أبعدُ عن الحق من بعض، فتكتسبُ مزيداً من الذم، ومزيدً من سوءِ المصير .
أما الداخلون في دائرة دين الرسل – في دائرة الإسلام - هؤلاءِ يجري بينهم اختلافات، فالخلاف والاختلاف سنة كونية، وطبيعية بشرية، اقتضتها حكمة الله تعالى في خلقه، حسب تكوينهم في عقولهم ومآدبهم، وتأثراتهم وتأثيراتهم، فالداخلون وإن كانوا جميعاً ينتمون إلى دين الإسلام، فأما المنتسبون لدين الإسلام ظاهراً لا باطناً فهم المنافقون ، وهؤلاء لا وزن لهم ولا اعتبار، فهم داخلون في حزب الشيطان كما قال الله سبحانه وتعالى : (( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ، اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)) (المجادلة:18، 19) .
لكن نبقى مع المؤمنين المسلمين الذين معهم أصل الإسلام ، فهؤلاءِ أيضاً يجري بينهم الاختلاف ، والاختلاف المعتبر هو الخلاف الذي يكون بين أهل العلم .
وهناكَ اختلافات بين فئات الأمة، وهذه الاختلافات منشأها التفاوت في الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-، فكثيرٌ من المسلمين قد فرطوا في هذا الواجب، فتخبطوا في الظلمات، وتلقفتهم أيادي الأعداء من شياطين الإنس والجن، فتدينوا بما لم يشرع الله، واعتقدوا ما لم ينزل الله به من سلطان، وهذا يصدق على فرق الأمة، أهل الأهواء الذين ابتدعوا بدعاً اتخذوها ديناً بدعاً اعتقاديه، أو بدعاً عمليةً، فهم مختلفون فيما بينهم، وهم أيضاً مخالفون لأهل السنة والجماعة، إذن هذا نوع من الاختلاف .
وأيضاً فهذا الاختلاف الخطير بين المنتسبين للإسلام أخبر به- صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور الذي قال فيه (( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة )) قيل : من هي يا رسول الله ؟ قال : (( من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)) وفي رواية : قال : (( هي الجماعة )) [1]
وهذا الاختلاف من وجه يشبه الاختلاف بين المؤمنين والكفار، لأنه اختلاف تضاد، واختلاف منشأه المأخذ الذي يعتمد عليه، ويتمسك به كل فريق، فهذا الخلاف بين أهل السنة والجماعة وغيرهم هو اختلاف تضاد، والحق فيه دائماً مع أهل السنة ، فأهل السنة في الأمة، كالأمة في سائر الأمم ،الحق كله في الأمة المسلمة، ثم إنَّ الحق كله والصواب كله مع أهل السنة.
وكل من خالف أهل السنة في أمرٍ فهو منحرف عن الصراط المستقيم بقدر هذه المخالفة، كمّاً وكيفاً ، فهذه الفرق بعضها أبعد عن الحق من بعض ، وبعضها أقرب من بعض .
فهذا اختلاف جارٍ دل عليه القرآن الكريم والسنة ، لأنَّ الله أخبر عن افتراق الأمم الماضية كما في قوله تعالى : (( وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ )) (الشورى: من الآية14) .
وقوله : (( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) (آل عمران:105) .
وقوله: (( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ)) (البينة:4) .
مع قوله- صلى الله عليه وسلم- : ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة)) [2]

ثم إن أهل السنة أيضاً يقع بينهم اختلافات، ولكن مع الفرق بين اختلاف أهل السنة فيما بينهم واختلافهم مع غيرهم ، واختلاف غيرهم من بعضهم مع بعض، فأهل السنة إن اختلفوا في شيء فإنه لا يكون في مسائل الاعتقاد البتة إلا في مسائل جزئية قليلة، وإنما اختلافهم في المسائل العملية، ثم إن الخلاف الذي يكون بين أهل السنة ، بل أقول : إن هذا الاختلاف بين أهل السنة وسلفهم – وهم الصحابة رضي الله عنه – فإن الخلاف وقع بينهم ، أقول : إن هذا الاختلاف الذي وقع بين الصحابة وبين أتباعهم من أهل السنة والجماعة نوعان :
النوع الأول : اختلاف تنوع ، واختلاف التنوع ضابطه أنَّ كلاً من المختلفين مصيب، كما اختلف الصحابة في عهده- صلى الله عليه وسلم- في فهم قوله : (( لا يصلينَّ أحد منكم العصر إلاَّ في بني قريظة )) [3]
فصلى بعضهم في الطريق، وبعضهم آخر الصلاة – صلاة العصر – حتى جاء إلى بني قريظة ، وقد يقال : إنَّ هذا من اختلاف التضاد الذي لم يبين فيه المصيب، لكن كل من المختلفين محمود لأنَّهُ اجتهد ، فإنَّ اختلافَ التنوع كل من المختلفين فيه مصيب، وكل منهما محمود ، ولعل المثال البيّن لهذا هو الاختلاف في القراءات من اختلاف التنوع ، وكالاختلاف فيما أقرَّ الله عباده عليه من تصرفاتهم، كما في قوله تعالى : (( مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ)) (الحشر:5) .
فهذا كله اختلاف تنوع لا يُذم فيه أحد من المختلفين، بل كل من المختلفين محمود، وكل من المختلفين على حق ، وهؤلاءِ إنما يُؤتون إذا بغى بعضهم على بعض، وأنكر بعضهم ما عند الآخر، مع أنَّ كلاً منهما على الحق وكل منهما مصيب .
النوع الثاني: من الاختلاف الذي يكون بين السلف الصالح وأتباعهم ، هو اختلاف التضاد ، وهذا يمكن أن أقول : إنه نوعان :
الأول : اختلاف قام الدليل على تصويب أحد المذهبين ، فهذا القولُ الذي وافق الدليل هو الحق وما خالفه خطأ ، ولكن حيث كان المختلفون مجتهدين فكل منهما محمود ومأجور، – وإن كان أحد من المختلِفين أو المختلفَين أفضل من الآخر – فمن اجتهد وأصاب الحق فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد على حد قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد )) [4]
يعني وخطؤهُ مغفور، لقوله سبحانه وتعالى : (( َلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) (الأحزاب: من الآية5) .
وحينئذٍ فكل من المختلفين ، وإن كان القولان متضادين – محمود وكل منهما مأجور – وإنَّ كان الحقُّ مع أحدهما .
الثاني من اختلاف التضاد : اختلاف لا يتبين فيه الصواب، وليس هناك دليل يعتمدُ عليه لواحد من المذهبين، بل يكون منشأ القولين هو محض الاجتهاد ، فهذا الاختلاف الذي إذا لم يعارض دليلاً شرعياً، ولم يُبْن أحد القولين على دليلٍ يعيّن أنه هو الصواب، فيبقى القولان سائغين، وكل من المختلفين محمود عل اجتهادهِ مأجور، على اجتهاده والله أعلم بالصواب.
وبعد هذا العرض لتنوع الاختلاف، فيجبُ على المسلمِ أن يعتصم بحبل الله، فيتمسكُ بكتاب الله تعالى وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- في العلم وفي العمل، وفي الحكم بين الناس ، قال تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً)) (النساء:58) .
وقال تعالى: (( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا )) (الأنعام: من الآية152) .
فالواجب على المسلم أن يعتصم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يعدل في حكمه وفي قوله ، فلا يتعصبُ لرأيهِ الشخصي، لا يتعصبُ لرأي إمامٍ ينتسبُ إليه، ولا يتعصبُ لرأي أحدٍ من الناس كائناً من كان ، بل عليه أن يعرضَ ما يبدو لهُ من آراء وما يردُ عليه من آراءٍ وأقوال الناس، يُعرضُ ذلك على كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- ، وهذا تطبيقٌ لقوله سبحانه: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )) (النساء:59)
إذا فيجبُ على المختلفين أنفسهم أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- ، فإنَّ الردَّ إلى كتاب الله: هو الردُّ إلى القرآن ، والرد إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- يكون إليه في حياته ، وإلى سنته- صلى الله عليه وسلم- ، بعد وفاته .
وكتاب الله تعالى وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- قائمان إلى أن يأتي أمر الله تبارك وتعالى ، وهما حجة الله على عباده ، يجب الرجوع إليهما عند التنازع ، قال الله تعالى : (( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)) (الشورى:10) .
وهذا إنما يقدر عليه من له بصر بالكتاب والسنة وعلم بنصوصهما، وفهمٌ لدلالتهما ومن لو يتوفر له ذلك فعليه أن يرجع إلى من يثق بعلمه ودينه، فيقتدي به ويهتدي ببيانه ، قال الله تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) (الأنبياء:7) .
إذن الخلاف الذي بين أهل السنة والجماعة وغيرهم يجبُ أن يعلم المسلم أنَّ الحق بيّن ، فالحق هو ما درج عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، وهذه الفرق المخالفة معها حق وباطل ، فالواجب نحوها قبول ما معها من الحق ورد ما معها من الباطل، وقد أوضح ذلك العلماء، وهذا من تحقيق العدل والإنصاف أن تعترف لخصمك بما معه من الحق، وأن ترد ما معه من الباطل، فتنصفه حينئذ وألا تظلمه، ولا تحملهُ ما لا يستحق من الذم والبغض فضلاً عن العقاب، فإنَّ العدل واجب في كل الأحوال، فيجب العدل في الحكم بين المسلم والكافر ، وبين السني والمبتدع ، وبين المطيع والعاصي، بقبول الحق ممن أتى به إذا قامت براهينه واتضحت معالمه.
وكما ذكرت أن كل ما خالفت فيه فرق الأهواء أهل السنة والجماعة فقد عُلِم أنه باطل، فإنَّ هذه الفرق توافق أهل السنة في أشياء، فما وافقت فيه أهل السنة فهو حق مقبول ، وما خالفت فيه أهل السنة فهو مردود .
أما الخلاف الذي يكون بين أهل السنة في المسائل العملية فهو جار على ما ذكرت:
إما أن يكون اختلاف تنوع .
أو اختلاف تضاد ، وفي هذه الحال : إما أن يكون المصيب معلوماً لقيام الدليل على صحة قوله .
وإما أن لا يتوفر ذلك، وإذا كان هذا الاختلاف من النوع الذي يتبينُ فيه صواب أحد الفريقين، فإنَّ هذا هو الذي يقولُ فيه أهل العلم : إنَّهُ لا إنكار في مسائل الخلاف، فإنَّ من الخلاف ما يتبينُ فيه خطأ أحد القولين وصواب الآخر، وحينئذٍ ينكرُ الخطأ المخالف للدليل ويرد على صاحبه، وإن كان هو في نفسهِ معذوراً لأن المخالف للدليل والمخالف للحق من المجتهدين، قد يكون له عذر، بل هناك أعذار بيّنها أهل العلم كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه – في رسالته المشهورة : رفع الملام عن الأئمة الأعلام " ذكر أنَّ الإمام قد يخالفُ الدليل إما لكونه لم يبلغه أصلاً
أو بلغه ولكن لم يثبت عنده، لأنَّه وصل إليه من طريقٍ ضعيف .
أو ظن معارضة دليل له، ظنهُ ناسخاً له مثلاً، فيكون معذوراً لما عرض له من هذه الأعذار [5]
فواجب المسلم أن يكون دائراً مع الحق، طالباً للحق، متحرياً للحق، متبعاً للهدى لا للهوى، لا يتعصب لفلان ولا فلان ، وإنما يؤتي المختلفون من أهل السنة مثلاً من تعصب بعضهم كما يجري بين المنتسبين للمذاهب الأربعة ، لا ضير في الانتساب إلى الأئمة والاقتداء بهم والاستنارة بأقوالهم والاستفادة من فهو مهم ، ولا بأس في ذلك بل هذا هو الذي ينبغي أن يستفيد اللاحق من السابق في فهمه ومن بيانه ولكن المذموم أن يتعصب التابع للمتبوع ، وأن يقلد القادر على الاستدلال، فيأخذ بقول العالم من غير أن يعرف حجته، مع قدرته على معرفة الدليل .
فالواجب هو إتباع الدليل ، واحترام العلماء ، والناس في العلماء ثلاثة أقسام :
* القسم الأول: فريق يستخفُ بالعلماء ولا يعرف لهم قدرتهم، ولا ينتفعُ بأقوالهم، ولا يستنيرُ بأفهامهم وبيانهم ، بل هو مغرورٌ بنفسه كما حصل ويحصل من بعض المنتسبين لطلب العلم، والمنتسبين مثلاً للأخذ بالدليل ، وهذا تفريط منهم وإفراط .
* القسم الثاني: فريق يغلو في العلماء ، فكل جماعة تتخذ لها إماماً لا تعرف إلاَّ أقواله، ولا تعتد بأقوال سواه، ولا تنظرُ في كتابٍ ولا سنة، وهذا إفراطٌ في تعظيم العلماء وتفريط فيما يجب من الاعتصام بالكتاب والسنة .
* القسم الثالث: فريق توسطوا فجعلوا الحَكَم هو الكتاب والسنة، وجعلوا التحاكم إليهما، وآمنوا بأن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما أرشد إلى ذلك الأئمة أنفسهم ، فابن عباس – رضي الله عنهما – ينكر على الذين يتعصبون لأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – ويقول : " يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون : قال أبو بكر وعمر " [6] فكيف بمن عارض كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بقول من دون أبي بكر وعمر بكثير كثير .
فالواجب المسلم أن لا يدين بالإتباع المطلق والطاعة المطلقة إلاَّ للرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن مع معرفة أقدار الصحابة وأقدار العلماء، وإنزال كل منزلته، مع معرفة الإنسان لقدره ، وقد قيل : " رحم الله امرأً عرف قدر نفسه " .
فأوصيكم أيها الإخوة بأن تلتزموا في هذا الخضم من الاختلافات والآراء بهذا المبدأ، أو هذا الأصل الذي هو الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو يتضمن أن يلزم الإنسان العلم والعدل، فيتقي ربه في علمه وفي عمله ، وفي حكمه ، هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا سواءَ السبيل، وأن يجنبنا دروب الضلال، وأن يعصمنا من الزلل في القول والعمل ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله . انتهى .

[1] رواية " ما أنا عليه وأصحابي " رواية ضعيفة وبيان ذلك أنها وردت في حديث عبد الله بن عمرو وفي حديث أنس بن مالك ، فأما حديث عبد الله بن عمرو ، فأخرجه الترمذي في سننه (2641) وابن وضاح في البدع ( ص 85) والمروزي في السنة (59) والآجرِّي في الشريعة ( 15-16) وابن بطة في الإنابة ( 264-265) والحاكم في المستدرك ( 1/129) واللالكائي في السنة (145-146-147) والأصبهاني في الحجة ( 16-17) والعقيلي في الضعفاء ( 2-262) وغيرهم من طرق عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو – به – وعبد الرحمن هذا ضعيف من جهة حفظه ، قد ظهرت له منكرات تدل على سوء حفظه فلا يقبل تفرده .
قال الحاكم : " وقد رُوي هذا الحديث عند عبد الله بن عمرو ابن العاص وعمرو بن عوف المزني تفرد بإحداهما عبد الرحمن بن زياد الإفريقي والآخر كثير بن عبد الله المزني ولا تقوم بهما الحجة "
وقال الترمذي عن الحديث : غريب ==========
وقال الشاطبي في الاعتصام " إسناد غريب " .
وأما حديث أنس فأخرجه أسلم في تاريخ واسط ( ص 196) ومن طريقه العقيلي ( 2/262) والطبراني في الصغير ( 1/256) ومن طريق عبد الله بن سفيان قال : حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس وهذا لا أصل له من حديث الأنصاري بل هو باطل كما أشار إلى ذلك العقيلي قال : " ليس له من حديث يحيى بن سعيد أصل ، وإنما يعرف من حديث الإفريقي " ثم ذكر حديث الإفريقي بسنده .
وكلام العقيلي هذا كالمسار في الساج ن فلا يُعدل عنه فعبد الله بن سفيان مجهول ثم هو قد تفرد عن يحيي والروايات المشهورة عن أنس ليس فيها هذه اللفظة ، ومن هنا تعلم أن مّنْ قوّى هذه الرواية لم يصب ، فرواية الضعيف لا تتقوى برواية باطلة ، لا أصل لها والله أعلم .
وأما رواية ( الجماعة ) فقد صحت من حديث عدة من الصحابة وحديث الافتراق حديث صحيح رواة أكثر من ثلاثة عشر صحابياً ، فراجع السنة لابن أبي عاصم ( 1/32- 36) والشريعة للآجري ( 14-18) والسنة للآلكائي (99 – 104) والإنابة لابن بطة (1/366) والحجة للأصبهاني (1/ 106) فقد عقد هؤلاء باباً لذكر هذا الخبر وطرقه وتكلموا على متنه ، وكذا أجاد الزبيري في تخريج هذا الحديث في تخريجه لإحياء علوم الدين فراجعه ( النسخة المستخرجة 2982) .

[2]قطعة من حديث أخرجه البخاري في صحيحه ( 3456) في أحاديث الأنبياء ، باب ما ذكر عن بين إسرائيل ، وفي الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : لتتبعن سنن من كان قبلكم ومسلم في العلم ( مع شرح النووي 16/219) عن أبي سعيد الخدري بلفظ : لتتبعن سنن من كان قبلكم " ولفظ مسلم : " الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا حجر ضب لاتبعتموهم قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : " فمن " وفي لفظ للبخاري : حتى لو سلكوا حجر ضب لسلكتموه " بدل : " شبراً بشبر وذراعاً بذراع " وأخرجه أيضاً ابن ماجه ( 3994) في الفتن باب افتراق الأمم ، والإمام أحمد في المسند ( مع الفتح 1/197) وابن أبي عاصم ( 72) والحاكم ( 1/37) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي من حديث أبي هريرة بلفظ : " لتتبعن سنة من كان قبلكم باعاً بباع وذراعاً بذراع وشبراً بشبر حتى ولو دخلوا في حجر ضب لدخلتم فيه قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن إذاً " قال الهيثمي في المجمع : إسناده صحيح ورجاله ثقات أ. هـ
وأخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لتتبعن سن من كان قبلكم " عن أبي هريرة بلفظ " لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون قلبها شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، فقيل : يا رسول الله كفارس والروم ؟ فقال : ومن الناس إلا أولئك " وأخرجه الإمام أحمد في المسند ( مع الفتح ( 1/198) عن شداد بن أوس بلفظ : " ليحملن شرار هذه الأمة عن سنن الذين خلوا من قبلهم أهل الكتاب حذو القذة بالقذة " قال الساعاتي الحديث إسناده جيد وله شواهد عند الشيخين والترمذي من طرق متعدد بمعنى حديث الباب ، وله شاهد أيضاً عند الحاكم من حديث حذيفة بن اليمان مطولاً وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، قلت : وأقره الذهبي . انتهى
وأخرجه الإمام أحمد في المسند ( مع الفتح 1/198) عن أبي واقد الليثي بلفظ : " لتركبن سنن من كان قبلكم سنة سنة " ومن طريق آخر بلفظ : " إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم " وفيه قصة قال الساعاتي : الحديث أخرجه الشافعي أيضاً في سننه بلفظ حديث الباب عن أبي واقد أيضاً وكلاهما إسناده جيد . انتهى

[3]أخرجه البخاري في صحيحه في الخوف باب صلاة الطالب والمطلوب راكباً وإيماءً ، وفي المغازي باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم ، من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ، محاصرتهم إياهم . ومسلم في الجهاد والسير ( مع شرح النووي 12/97) عن عبد الله بن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب : " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة " فأدرك بعضهم العصر في الطريق ، فقال بعضهم : لا نصلي حتى نأتيها ، وقال بعضهم : بل نصلي ، لم يرد منا ذلك ، فكر للبني صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم .

[4]أخرجه البخاري في صحيحه في الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ ، ومسلم في صحيحه ( مع شرح النووي 12/13) عن عمرو بن العاص – رضي الله عنه -

[5] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " رفع الملام " ( مجموع الفتاوى 20/231) وجميع الأعذار ثلاثة أصناف : أحدها : عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، والثاني : عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول ، والثالث اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع على أسباب متعددة : السبب الأول أن لا يكون الحديث قد بلغه ، والسب الثاني أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده ، السبب الرابع اشتراطه في خبر الواحد العدل الحافظ شروطاً يخالفه فيها غيره ، السبب الخامس : أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده لكن نسيه ، وهنا يرد في الكتاب والسنة ، السبب السادس : عدم معرفته بدلالة الحديث ، السبب السابع : اعتقاده أن لا دلالة في الحديث والفرق بين هذا وبين الذي قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة ، والثاني عرف جهة الدلالة لكن اعتقد أنها ليست صحيحة ، السبب الثامن : اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما دل عل أنها ليست مراده ، السبب التاسع : اعتقاده أن الحديث معارض بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله إن كان قابلاً للتأويل بما يصلح أن يكون معارضاً بالاتفاق ، السبب العاشر : معارضته بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله مما لا يعتقده غيره أو جنسه معارضاً أو لا يكون في الحقيقة معارضاً راجحاً ، فهذه الأسباب العشرة ظاهرة وفي كثير من الأحاديث يجوز أن يكون للعالم حجة في ترك العمل بالحديث لم نطلع نحن عليها ، فإن مدارك العلم واسعة ولم نطلع نحن جميع ما في بواطن العلماء ..... انتهى مختصراً .

[6] روى معناه أحمد ( 1/337 ) والخطيب في الفقيه والمتفقه ( ص 144) وابن عبد البر في بيان العلم وفضله ( ص 570) من طريق شريك عن الأعمش عن الفضيل بن عمرو قال : أُراه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : تمتع النبي صلى الله عليه وسلم فقال عروة بن الزبير : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة فقال ابن عباس ما يقول عروة ؟ قال : يقول : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة ، فقال ابن عباس أراهم سيهلكون أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ويقول نهى أبو بكر وعمر . أ . هـ وفي سنده شريك من عبد الله القاضي وفيه ضعف يسير .
و للأثر سندُ آخر رواه إسحاق بن رهويه في مسنده ( كما في المطالب العالية ) 1/360 رقم 1214) ورواه ابن عبد البر في ( بيان العلم ) تعليقاً ( 570) ورواه الخطيب في الفقيه ( 1/145) وأبو مسلم الكجي ( ذكره ابن القيم في الزاد 2/206) من طريق أيوب عن ابن أبي مليكه عن عروة – به – قال الحافظ ابن حجر : سنده صحيح . وقد روى هذا الأثر معمر عن أيوب فأسقط ابن أبي مليكه ، لكنّ الصواب ذكر ابن أبي مليكه كذا ر واه حماد بن زيد عن أيوب . والله أعلم . وأما اللفظ المذكور : وهو يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ... فلم أجده لكن ذكره ابن القيم ولم يعزه لأحد كما في الزاد 2/195 .