بسم الله الرحمن الرحيموبه تعالى نستعين
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ ثم أما بعد...
فهذا تخريج ودراسة لأثر ابن مسعود رضي الله عنه: (لا تشتروا السمك في الماء؛ فإنه غرر).. وذلك على وجه الاختصار الغير مخل بإذن الله تعالى، مبيناً حكمه وحاله والصحيح فيه، فأقول وبالله التوفيق:
هذا الأثر لا يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه إلا من طريق [يزيد بن أبي زياد، عن المسيب بن رافع الكاهلي، عنه]، واختلف على (يزيد بن أبي زياد) فيه.. فروي عنه موقوفاً، وروي مرفوعاً.
· فقد تفرد بروايته عنه مرفوعاً [محمد بن صبيح بن السماك] وحده، وتفرد بإخراجها من طريقه:
- الإمام أحمد في (المسند رقم 3667)، ثم حملت عنه، أخرجها من طريقه:
1) الطبراني في (الكبير 10/207)، ومن طريقه أبو نعيم في (الحلية 8/214).
2) القطيعي في (جزء الألف دينار رقم 321)، ومن طريقه مقروناً الخطيب في (تاريخ بغداد 5/369)، ومن طريقه ابن الجوزي في (العلل المتناهية 2/595).
3) الجصاص في (شرح مختصر الطحاوي 3/84).
4) البيهقي في (الكبرى رقم 10641) و(معرفة السنن رقم 3509).
· ورواه عنه موقوفاً كلٌ من:
- ابن أبي شيبة في (المصنف رقم 21457) من طريق [محمد بن فضيل].
- أبو يوسف في (الخراج رقم 102) من طريقه.
- الطبراني في (الكبير رقم 9607) من طريق [زائدة بن قدامة].
- وقد علقه البيهقي في (معرفة والسنن رقم 3509) من طريق [هشيم بن بشير]. وقد ذكر المحدثون زيادة في حديث الإمام أحمد تفيد أنه رواه عن هشيم ولم يرفعه.. ولم أجدها في المسند المطبوع أبدأ.. فلعلها سقطت من النسخ المطبوع عليها.
- وذكره عنه بلاغاً الإمام الشافعي في (الأم 7/103).
- وذكره أيضاً عنه بلاغاً الإمام محمد بن الحسن في (المبسوط 5/93).
· الحكم على الأثر:
هذا الأثر الصحيح فيه = وقفه على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من قوله.
- قال الدارقطني في (العلل): [يَرْوِيهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ: فَرَفَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّمَّاكِ، عَنْ يَزِيدَ. وَوَقَفَهُ غَيْرُهُ كَزَائِدَةَ، وَهُشَيْمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَالْمَوْقُوفُ أَصَح]. أهـ
- وقال البيهقي في (الصغرى): [والصحيح أنه عنه موقوف عليه]. أهـ
- وقال في (الكبرى): [هَكَذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا، وَفِيهِ إِرْسَالٌ بَيْنَ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ هُشَيْمٌ، عَنْ يَزِيدَ مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَاهُ أَيْضًا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ]. أهـ
وبالنسبة لرواية الرفع فهي مما تفرد بها (محمد بن صبيح بن السماك) وهو مما لا يحتمل تفرده هنا رحمه الله في مقابل الثقات الذين رووه بالوقف.
- قال الجصاص في (شرح المختصر): [قال عبد الباقي بن قانع: لم يرفعه إلا أحمد بن حنبل، عن ابن السماك، وهو عجيب، وابن السماك ثقة]. أهـ
- وقال أبو نعيم في (الحلية): [غَرِيبُ الْمَتْنِ وَالإِسْنَادِ، لَمْ نَكْتُبْهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ السَّمَّاكِ إِلا مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ]. أهـ
قلت: والخطأ في رفعه دائرٌ احتماله بين اثنين: (محمد بن السماك) و(يزيد بن أبي زياد)، فقد قال ابن الجوزي في (العلل):
[هَذَا حديث لا يصح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإنما هُوَ من قول ابن مَسْعُود، رواه هُشَيْم وزائدة كلاهما عن يزيد؛ فلم يرفعه، فيمكن أن يكون يزيد قد رفعه في وقت؛ فإنه كان يلقن فيتلقن، ويمكن أن يكون الغلط من ابن السماك، وقد قال علي ويحيى : يزيد لا يحتج به]. أهـ
ويبقى الأثر ضعيفٌ لا يصح بطريقيه؛ لما يلي:
- (الانقطاع):
فإن المسيب بن رافع لم يسمع من ابن مسعود رضي الله عنه.
قال الإمام أحمد في (العلل): المسيب بن رافع لم يسمع من عبد الله بن مسعود شيئاً.
وقال ابن أبي حاتم في (المراسيل) عن أبيه: المسيب بن رافع عن ابن مسعود مرسل، المسيب بن رافع لم يلق ابن مسعود. وقال في (العلل)عنه: المسيب عن عبد الله موقوف.
وقال في (المراسيل) عن أبو زرعة: قيل لأبي زرعة: المسيب بن رافع سمع من عبد الله؟ فقال: لا _ برأسه _.
وقال يحيى في (التاريخ): لم يسمع المسيب بن رافع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا البراء بن عازب.
- (يزيد بن أبي زياد الكوفي) من شيعة الكوفة الكبار:
مختلف فيه، والجمهور على تضعيف حديثه. لكنه ليس بمتروك.
قال الدارقطني: [لا يخرج عنه في الصحيح؛ ضعيف يخطئ كثيراً، ويتلقن إذا لقن].
وقال أبو داود: [يزيد بن أبي زياد ثبت، لا أعلم أحداً ترك حديثه، وغيره أحب إلي منه].
وقال ابن معين: [ليس بالقوي] وقال أخرى: [ليس به بأس] وقال أخرى: [لا يحتج بحديثه] وقال أخرى: [ضعيف الحديث].
وقال البخاري: [صدوق إلا أنه تغير بآخرة].
وقال أحمد: [حديثه ليس بذاك].
وقال ابن المبارك: [ارم به].
وقد تركت مثل هذه التعليقات عن الأئمة حوله، وبالجملة هو ضعيف الحديث جداً.. لكنه غير متروك.. كيف وقد تفرد برواية هذا الحديث!!
- (محمد بن صبيح بن السماك):
قال ابن نمير: [صدوق] وقال أخرى: [ليس حديثه بشيء].
وقال ابن حبان بعد ذكره في الثقات: [مستقيم الحديث].
وقال الدارقطني: [لا بأس به].
فائدتان:
- لم أقف بالمرة على رواية سفيان الثوري للطريق الموقوف. فالله أعلم
- أخرج الحديث من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أبو يوسف رحمه الله في (الخراج رقم 101) من طريق العلاء بن المسيب بن رافع، عن الحارث بن يزيد العكلي، عنه به.
وهي رواية منقطعة بين الحارث وعمر رضي الله عنه.