تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: أذكار الصباح والمساء

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    179

    Exclamation أذكار الصباح والمساء

    مجموعة الفردوس البريدية لطلبة العلم
    www.al-fr.net
    الإستغفار مفتاح الأقفال

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    مصر المسلمة
    المشاركات
    301

    افتراضي رد: أذكار الصباح والمساء

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:
    فإن ذِكر الله - جل وعلا - حياةُ القلوب، وبه الطمأنينة، وبه السكينة والراحة، وهو حياة الأرواح وروح الحياة، فلا سَعة للناس وراحة بال إلا بذكر الله - جل وعلا - قال: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

    وذكر الله - جل وعلا - كلامٌ جامع، يشمل أنواعًا عدة من التشريع، ويدخل فيه - في بعض الأوضاع - سائرُ ما جاء في الشرع من الوحي الشريف، فيدخل في ذكر الله - جل وعلا - القرآنُ الكريم؛ كما قال الله - جل وعلا - في الكتاب العظيم: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، ويدخل فيه تعليمُ الناس الخيرَ، وتبيين الحلال من الحرام؛ كما روى الترمذي وغيره من حديث جابر بن عبدالله، ومن حديث أبي هريرة وأنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا))، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: ((حِلَق الذِّكر))، ويدخل فيه ذكر الله - جل وعلا - بتسبيح أو تحميد، وتمجيد وثناء الله، على سائر أنواع الذكر والحمد والثناء والتمجيد؛ ولذلك يقول الله - سبحانه وتعالى -: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

    وأمر الله - جل وعلا - بذكره في آيات كثيرة في سائر الأوقات؛ من غدو وعشي، ومساء وصباح، وسائر وقت الإنسان؛ كما قال الله - سبحانه -: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191].

    ويدخل في ذكر الله سائرُ العبادات وما جاء الله - جل وعلا - به من تشريع؛ كما روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما من حديث عائشة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما جُعل الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله))؛ ولذلك قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].

    فذكرُ الله ما يفعلُه الإنسان من قولٍ أو فعل، وما يقع في ذهنه وفي قلبه من تذكُّر لله - عز وجل - وتحميدٍ وتمجيد وثناء لله - سبحانه - فإن هذا داخلٌ في باب الذكر أيضًا.

    وأما أقسام الذكر، فالذكر على أنواع عدة، ومجملها نوعان:
    أولها: ذكر الله - سبحانه وتعالى - بأسمائه وصفاته، وهذا النوع على نوعين:
    أولهما: ذكر الله بالأسماء والصفات على وجه التحميد والتمجيد والثناء، وأفضل ذلك وأشملُه ما جاء جامعًا مما جاء النص به؛ كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((سبحانه الله وبحمده، عَدَدَ خلقه، ورضا نفسه، وزِنَةَ عرشه)).

    النوع الثاني: الإخبار عن الله - سبحانه وتعالى - بالصفات؛ كأن يقول الإنسان: إن الله سامع صوت العباد، ويرى مكانهم، وغير ذلك، وهذا على ثلاثة أنواع: أولها: حمد، وثانيها: ثناء، وثالثها: تمجيد، وهي كلها مجتمعة في سورة الفاتحة؛ كما جاء في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا قال العبد: الحمد الله، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله - تعالى -: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجَّدني عبدي)).

    وذكر الله - سبحانه وتعالى - بأسمائه وصفاته على وجه الكمال هو الحمد، وتَكرار ذلك هو الثناء، وذكر ذلك بصفات الجلال والكمال، والعظمة والكبرياء، والقوة والسلطان - هو التمجيد، وهو أكملها؛ وذلك أنه يشمل النوعين السابقين وزيادة.

    النوع الثاني من أنوع الذكر هو: الإخبار بأوامر الله - سبحانه وتعالى - وهي على نوعين:
    الأول:ذكر أوامره ونواهيه؛ أي: من حلالٍ وحرام.
    والنوع الثاني: المبادرة بامتثال الأمر واجتناب النهي، وهذا كله داخلٌ في ذكر الله.

    والمراد ذكرُه هنا هو النوع الأول بأقسامه وأنواعه، وأفضل ما يكون الذكر ما يقع في القلب ويتلفظ به اللسان، ثم يليه ما يقع في القلب من غير تلفظ باللسان، ثم يليه التلفظ باللسان من غير ذكر بالقلب؛ وذلك أن ذكر القلب وذكر اللسان إن اجتمعا كان هو الكمال والغاية، وهذا فيما أردناه، وإلا فالكمال هو أن يجتمع ذكر القلب وذكر اللسان وذكر الجوارح على وجه العموم في تأويل ذكر الله - سبحانه وتعالى - على الأقسام السابقة كلها؛ ولكن المراد هو النوع الأول، وهو ذكر الله - سبحانه وتعالى - والتلفظ بأسمائه وصفاته.

    وذكر الله مكانتُه عظيمةٌ، ومنزلتُه جليلة، وكما تقدم فإنه هو روح الحياة وحياة الروح، وبه تطمئنُّ القلوب، وتسعد الصدور وتنشرح؛ لأن الله - جل وعلا - هو أعظم مذكور؛ ولذلك كلما أكثر الإنسان من ذكر الله، اطمأنَّ قلبُه ولان وقرُب من الله، وكلما بعُد قلبُه عن ذكر الله - جل وعلا - قرب من غيره من شياطين الإنس والجن؛ لذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي موسى -: ((مَثَلُ الذي يذكر الله والذي لا يذكره، مَثَلُ الحي والميت)).

    الحي الذي تنبض به الحياة، ويستطيع أن يعمل، وأن يقول، وأن يرى، وأن يفكر ويتأمل ما لا يراه الميت، وهذا تشبيه بليغ، وقد جاء في كلام الله - سبحانه وتعالى - وفي كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيان فضل الذكر ومدحه من الآي والأحاديث ما لا يُحصى، مما يطول ذكره جدًّا.

    ويكفي في ذلك أن الله - سبحانه وتعالى - قد امتدح الذاكرين الله كثيرًا؛ بل أمر بذكره - جل وعلا - وأخبر أن المؤمنين الحقيقيين الذين يذكرون الله ولا تُلهيهم تجارةٌ عن ذكر الله، وأمر أهلَ الإيمان ألاَّ يصرفهم عن ذكر الله شيءٌ من الصوارف، فقال الله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون: 9]، فهؤلاء هم أهل الإيمان.

    وأخبر الله - جل وعلا - أن ذكر الله - تبارك وتعالى - ينبغي أن يكون للعبد في كل حال، فقال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191]، وهذا في كل حال.

    والذكر والدعاء بينهما تلازمٌ، وإن كان الذكر هو أفضل من الدعاء؛ فالذكر عند الاستقلال يسمى دعاء ويسمى ذكرًا؛ ولذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما من حديث جابر بن عبدالله، قال: ((أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله))، مع أن ((الحمد لله)) هي ذكر لله - سبحانه وتعالى - وإنما كان ذكر الله وحمده وتسبيحه وتهليله وتكبيره من الدعاء؛ لأن الإنسان يذكر الله بصفات المحامد وتعظيم الله - جل وعلا - لأن الله - سبحانه وتعالى - يستحق؛ لما فيه من جميل الصفات، ومحاسن الأسماء؛ ولأن الدافع لذلك هو الحب لله - سبحانه وتعالى - لما سبق من فضل، وما يلحق من فضل للعبد، وكأن الإنسان يعرف تلك الأذكار لله - جل وعلا - يطلب منه المزيد؛ ولذلك كان من أفضل الدعاء ذكرُ الله - سبحانه وتعالى.

    ولذلك يروى في الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في الترمذي وغيره من حديث أبي سعيد: ((من شَغَلَه ذِكري عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين))؛ وهذا خبر قدسي قد روي من طرق عدة جلُّها ضعيف؛ لكنه قد روي عن بعض السلف صحيحًا موقوفًا عليه؛ قد رواه الترمذي والدارمي من حديث محمد بن الحسن، عن عمرو بن قيس، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال الله - جل وعلا -: من شغله ذكري عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين))، وهذا معناه صحيح، وإن كان قد تفرَّد به محمد بن الحسن، وأعله الترمذي بقوله: حديث غريب، وأعله أبو حاتم بقوله: تفرد به محمد بن الحسن ولم يتابَع عليه، وكذلك العقيلي، لكن له شواهد عدة؛ فقد رواه الطبراني وغيره من حديث صفوان بن أبي الصهباء، عن بكير، عن سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله - سبحانه وتعالى - وفيه صفوان بن أبي الصهباء، وهو مجهول، وقد روي من حديث جابر بن عبدالله، كما رواه البيهقي في "شعب الإيمان" من حديث الضحاك، عن يزيد بن خمير، عن جابر بن عبدالله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربِّه، وتفرد به الضحاك، وهو منكَر الحديث، كما قال ذلك البخاري، وقد رواه القضاعي في "مسند الشهاب" من حديث الضحاك، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبدالله به، وكذلك قد رواه أبو نعيم في كتاب "الحلية" عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - رواه من حديث أبي مسلم عبدالرحمن بن واقد، وقد تفرد به، عن سفيان بن عيينة، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة بن اليمان، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه، وعبدُالرحمن بن واقد لا يكاد يُعرَف؛ ولكنه جاء مرسلاً عن ابن أبي شيبة من حديث عمرو بن مرة بإسناد صحيح عنه منتهٍ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

    ويعضده ما رواه البيهقي في "شعب الإيمان"، وعبدالرزاق في "المصنف" من طرق عن مالك بن الحارث بإسناد صحيح عنه موقوفًا، قال: "قال الله - سبحانه وتعالى -: من شغله ذكري عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".

    ولذلك كان من علامات إجابة الدعاء أن يسبق الدعاءَ شيءٌ من ذكر الله - سبحانه وتعالى - ووصف الله - جل وعلا - بصفات الجلال والعظمة والجمال، فإذا كان كذلك دلَّ على أن ذكر الله هو أفضل من الدعاء؛ لأنه يتضمن ذكرًا ودعاءً، فهو دعاء وزيادة، وكذلك الدعاء، فإن الإنسان حينما يدْعو الله - سبحانه وتعالى - هو يذكر الله - جل وعلا - ضمنًا؛ لأنه حين يرفع يديه ويدعو الله يؤمِن بأن الله سامع ومبصر وقادر؛ فإنه لا يسأل عاجزًا، وغير ذلك من صفات الكمال والجلال والجمال التي يثبتها الإنسان لله - سبحانه وتعالى - في دعائه.

    والذكر والدعاء وقراءة القرآن، هي من أفضل الأعمال، وقراءة القرآن هي من ذكر الله؛ بل هو ذكر الله كما قال الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وذكر الله هو الذكر.

    ومن الذكر ما هو أصله في القرآن؛ ولذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح الإمام مسلم، قال: ((أفضل الكلام بعد القرآن أربع، وهن من كلام الله، وهن من القرآن: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر))، فهذه كلها من كلام الله؛ لكنها لما جاءت مفردة من غير استحضار القلب أنها من كلام الله، كانت من الذكر المطلَق، ليستْ من القرآن عند الاستملاء إن استحضر الإنسان ذلك.

    ولذلك كان كلام الله - سبحانه وتعالى - هو خير الكلام؛ لظاهر قوله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، فاستحق كلام الله الحفظ؛ لمنزلته، وكماله، ومزيته عن سائر الكلام؛ ولقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((أفضل الكلام بعد القرآن أربعوهو من القرآن، لا يضرك بأيهن بدأت، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)) فجعل فضل ذلك الكلام بعد كلام الله - سبحانه وتعالى - دلَّ على مزية ذكر الله - تعالى - بقراءة القرآن، وإن كان هذا الإطلاق - أي: فضل كلام الله - جل وعلا - على سائر الأذكار - هو من جهة الجنس، لا من جهة الوقوع في كل حال وفي كل زمان؛ فإنه إذا قيل: إن كلام الله هو أفضل الذكر على كل حال، وإن كلام الله - سبحانه وتعالى - جنسه أفضل من سائر الكلام على الإطلاق - لا يعني هذا أنه في بعض الأحوال يكون الذكر من غير كلام الله أفضل من غيره، كذكر أدبار الصلوات، هذا من جهة الأوقات، وكذكر الله في بعض المواضع التي نهى الله - سبحانه وتعالى – عن قراءة القرآن فيها، كحال الركوع وحال السجود.

    ولذلك يقال: إن ذكر الله - سبحانه وتعالى - من غير كلامه أفضل في هذه المواضع، وما دل الدليل عليه في تقديمه، وإن كان كلام الله ذكرًا، وذكر الله - سبحانه وتعالى - مما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - داخل في عموم الذكر، وهما في الفضل والمزية في المقام المحمود، وداخل في قول الله - جل وعلا -: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

    ولذلك شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون كلام الله - سبحانه وتعالى - في أفضل حال، فشرع له سائر أنواع الطهارة: الطهارة الكبرى، والطهارة الصغرى، وطهارة البدن في حالة الصلاة؛ وذلك لتضمنها قراءة القرآن.

    ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقرأ القرآن في حال الركوع؛ لأن حال الركوع مظهر من مظاهر المذلة والاستكانة لله، فناسب أن لا يُقرأ شيء من القرآن في مثل هذا الموضع، وأن لا يكون القرآن إلا في حال القيام، وخص الله - جل وعلا - ذلك بذكره مما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولذلك كان القرآن الكريم تُشترط له الطهارة الكبرى وتُستحب له الصغرى، بخلاف ذكر الله - تعالى - بما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولذلك يقال: إن ذكر الله - جل وعلا - في غير القرآن لا يشرع له طهارة، أما ذكر الله بالقرآن، فإنه يشرع له الطهارة؛ كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله ويوصي أصحابه، والأدلة في هذا عن السلف وعموم الأدلة من القرآن كثيرةٌ معروفة.

    والذكر الذي سنتكلم عنه هنا مقيد بذكر الصباح والمساء، لا بعموم الأذكار؛ وذلك أنها تفتقر إلى كلام طويل، ولو تحدثنا فيها أيامًا طوالاً وأشهرًا، لَمَا كفى؛ لأن المسائل فيها متنوعة.

    وإنما حدد ذلك بأذكار الصباح والمساء؛ لأنها يفتقر إليها الإنسان في كل صباح ومساء في يومه وليلته، وأنها من أعظم الحرز وما يحمي الإنسان في يومه وليلته، وما حث الله - عز وجل - عليه في مواضع كثيرة في كتابه؛ فأمر الله - سبحانه وتعالى - بذكره غدوًّا وعشيًّا، صباحًا ومساءً؛ ولذلك قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِفَسَبّ ِحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه: 130]؛ أي: إنه في كل وقت، وقال الله - سبحانه وتعالى -: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]، وقال الله - سبحانه وتعالى -: {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [آل عمران: 41]، وهذا المراد في هذه الليلة؛ أي: الكلام على أذكار الصباح والمساء.

    وأذكار الصباح والمساء على وجه العموم يدخل فيها آيُ قرآن، وما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذكرٍ من تسبيح، أو تحميد، أو تهليل، أو تكبير، أو دعاء، ويأتي الكلام عليه - بإذن الله جل وعلا - بتفصيله.

    تقدم الكلام على تعريف ذكر الله، والصباح والمساء تعريفه: الصباح: مأخوذ من الإصباح، وهو الظهور، وهو أول النهار، ويكون من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ويدخل فيه تبعًا ما كان بعد طلوع الشمس إلى صلاة الظهر، والمساء - على المشهور - أنه يكون بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وقد اختلف العلماء في وقت وقوع الأذكار التي دل الدليل عليها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالإصباح والإمساء بالغدو والعشي، على عدة أقوال في الصباح، وعدة أقوال في المساء:
    أولها: أن ذكر الصباح يبدأ من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وهذا هو المشهور، وهو الذي مال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية - عليه رحمة الله تعالى - وكذلك رجحه ابن القيم في كتاب "الوابل"، وهذا ظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يعضده ما رواه الترمذي من حديث أنس بن مالك، ورواه الإمام أحمد أيضًا من حديث أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لأن أجلس مع قومٍ يذكرون الله من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربع رقاب، ولأن أجلس مع قوم يذكرون الله من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربع رقاب)).

    وهذا يعضد أن أذكار الصباح والمساء تكون من بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وهذا هو المشهور.

    وذهب ابن الجزري - وهذا هو القول الثاني - إلى أن أذكار الصباح تكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ أي: إن النهار كله للصباح، وذهب بعض العلماء - وسبره الحافظ ابن حجر - إلى أن الصباح يكون من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ويدخل فيه تبعًا - ويكون وقتًا مفضولاً، لا فاضلاً - من بعد طلوع الشمس إلى صلاة الظهر، وهذا قول قوي.

    وقال بعضهم - وهذا مروي لبعض المتأخرين -: إن الصباح يكون من منتصف الليل إلى طلوع الشمس، ولا أعلم لهذا قائلاً من السلف في القرون المفضلة ومن الأئمة المشهورين الأوائل، وأما المساء، فالمشهور أنه يكون من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وقال بعضهم: إنه من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وهذا قال به ابن الجزري.

    وقال بعضهم: إنه يكون من صلاة العصر إلى منتصف الليل، وسبر الحافظ ابن حجر أنه يكون من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، ويدخل تبعًا ما كان بعد غروب الشمس من باب الوقت المفضول لا الفاضل.

    والظاهر أن وقت الصباح يكون من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والمساء من صلاة العصر إلى غروب الشمس، وهذا الذي كان يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وإن ثبت عن بعض الصحابة أنه كان يذكر الله جالسًا بعد طلوع الشمس، كما جاء عن جويرية كما في "صحيح مسلم"؛ فالصحابة والنبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يجلسون بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ثم يقومون؛ كما جاء في حديث جابر بن سمرة في "صحيح الإمام مسلم"، وهذا يدل على أن الأذكار تكون في هذا الوقت، فيبقى الإنسان ذاكرًا لله.

    وهنا قد ذكر بعضهم أنْ لا حرج على الإنسان أن يذكر الله قبل دخول الصباح للصباح، وقبل دخول المساء للمساء؛ لأن قوله: ((إذا أمسيت)) لا يعني دخول الإمساء؛ كما قال الله - عز وجل -: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98]؛ أي: قبل شروعك بذلك؛ لكي يحميك وتحترز به من صوارف الهوى، ومن شياطين الإنس والجن، وكقول الله - سبحانه وتعالى -: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6]، فيكون الوضوء قبل الشروع في الصلاة، فإذا قيل: إذا أمسيت أو إذا أصبحت، يكون قبيل الصباح وقبيل المساء لا حرج في ذلك.

    ويكون هذا بدخول الوقت، لا علاقة له بالصلاة، ويظن البعض أن الذكر لا يكون إلا بعد أداء صلاة العصر وبعد أداء صلاة الفجر؛ بل هو متعلق بالصباح والمساء وقتًا، لا صلاةً وعبادة، وهذا ما يتعلق بأذكار الصباح والمساء، لا بالأذكار التي هي مقيَّدة بأدبار الصلوات مما هو مخصوص بصلاة معينة؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الإمام أحمد وابن السني وغيرهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى الصبح قال: ((أصبحْنا على فطرة الإسلام، وعلى دين محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى ملة إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين))،فهذا مقيد بصلاة الصبح في وقتها، لا قضاء في مساء؛ وإنما هو في صباح؛ ولذلك قال أصحابنا: وذكر الله - سبحانه وتعالى - تقدم أنه من أعظم الأعمال وأحبها إلى الله - سبحانه وتعالى - وذلك أن الإنسان بإمكانه أن يتعبَّد لله - جل وعلا - في كل وقت وكل حين، وعلى أي هيئة كان، ولا يشرع لذكر الله - سبحانه وتعالى - استقبال القبلة، ولا قيام، ولا هيئة، ولا وضوء؛ ولذلك قال الله - سبحانه وتعالى - مادحًا سائر الأحوال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191]، إلا ما دل الدليل عليه؛ كما في حديث البراء في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما تقول إذا ما أويت إلى فراشك طاهرًا؟))، فقال: الله ورسوله أعلم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك...)) إلى آخر الخبر، ويأتي الكلام عليه.

    وذكر الله - سبحانه وتعالى - بما جاء به مطلق من غير عدد، يذكره الإنسان من غير حسبان، وكلما أكثر فالثوابُ أكثر من غير عدد، وقد أنكر بعضهم المبالغة في ذكر الله، والإكثارَ عن ما دل عليه الدليل، وقال بعضهم: إنه لم يَرِدْ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من مائة، وهذا وَهْمٌ وغَلَطٌ؛ فقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد...)) إلى آخره، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لن يأتي يوم القيامة أحدٌ بأفضل منه، إلا رجلٌ قال أكثر مما قال))، وكذلك ما جاء في "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ))، فدل على أنه يشرع الزيادة، وأنه ما دل الدليل عليه بعدد يلتزمه، ولا حرج عليه أن يزيد في جملة الأذكار.

    وقد ثبت عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يذكرون بالآلاف؛ كما ثبت عن أبي هريرة عند أبي نعيم في "الحلية" أنه قال: إني لأستغفر الله في اليوم ثنتي عشرة ألف مرة، وكذلك قد جاء عن أبي الدرداء كما أخرجه عبدالغني المقدسي في كتابه "الكمال": أنه كان يذكر الله أربعين ألف مرة، وجاء في ذلك عن خالد بن معدان وعن غيره.

    وذكر الله - سبحانه وتعالى - يكون بالأنامل بعقد الأصابع أو بغيرها؛ ولذلك ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يعقد التسبيح بيده، وجاء في زيادة غير محفوظة: "بيمينه"، ويشرع عقد التسبيح والأذكار باليدين كليهما، ومن قال باليمين تصحيحًا للرواية فلا حرج، وهو على اتباع، وقد قال بذلك غير واحد من الأئمة، وأما عقد التسبيح بغير اليدين كالمسابح والخرز وغيرها، فلا حرج فيه على الصحيح، ولا أعلم أحدًا من السلف ولا من الأئمة المعتبرين قال ببدعيتها.

    والأفضل أن يكون بالأصابع، وقد جاء في ذلك حثٌّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما رواه الترمذي وأبو داود من حديث يُسَيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اعقدن بالأنامل؛ فإنهن مسؤولات مستنطقات))؛ وهذا الحديث قال الترمذي فيه: قد تفرد به هانئ بن عثمان ولا يصح، وقد جاء عند الترمذي وعند أبي بكر الشافعي وعند الحاكم في مستدركه من وجه آخر، من حديث هاشم بن سعيد، عن كنانة مولى صفية، عن صفية قالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي أربعة آلاف نواة أسبِّح بهن، فقال:((يا بنت حيي، ماذا تصنعين؟))، فقالت: إني أسبح، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إني قلت أكثر مما تقولين، إني قلت: سبحان الله وبحمده، عدد ما خلق من شيء...)) الخبر، وهذا تفرد به هاشم بن سعيد كما قال ذلك الترمذي - عليه رحمة الله - ولا يصح عن صفية، ولا يصح نهي عن عقد التسبيح بالمسابح ولا بالخرز، فهذا جائز، قد نص على جوازه غيرُ واحد من أئمة السنة؛ كيحيى بن سعيد الأنصاري، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن حجر، وروي عن غير واحد من الصحابة؛ كأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأبي الدرداء، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم.

    كما روى الإمام أحمد في مسنده، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا الجريري، عن أبي نضرة، عن الطفاوي، عن أبي هريرة، قال: نزلت على أبي هريرة ستة أشهر، فما والله رأيت أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد تشميرًا ولا أقوم على ضيف من أبي هريرة، وكان عنده كيس فيه نوى يسبح فيه وعنده جارية، فيأخذ من الكيس فيرمي ويسبح، فإن فرغ أعادته إليه ليسبح مرة أخرى، وهذا الحديث فيه الطفاوي قد نزل على أبي هريرة ستة أشهر، وقد لقي جملة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يعرَف إلا بهذا الحديث.

    لكنه قد جاء عن غير واحد من الأئمة، فذكر الذهبي في ترجمة يحيى بن سعيد الأنصاري في كتابه "التاريخ" قال: قال يحيى بن معين: كان يحيى بن سعيد الأنصاري يجلس ومعه مسبحة يدخلها بين ثيابه يسبح بها؛ أي: يريد التخفي بها؛ لكي لا يرائي.

    وذكر السخاوي - عليه رحمة الله - في كتابه "الدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر": أن شيخ الإسلام إذا قعد مع الجماعة بعد صلاة العشاء يتذاكرون، جعل بيده مسبحة بين ثيابه وبين جسده يسبح بها؛ لكي لا يراه أحد، فإن سقطت تغيَّر وجهه؛ يريد أن يتخفى بذكر الله.

    قال الإمام أحمد - عليه رحمة الله -: ويحيى بن سعيد الأنصاري ما رأيت مثله قط، وهو كان ممن يسبح بداره.

    قد صنف في جوازها غير واحد من الأئمة، فالسيوطي - عليه رحمة الله - له رسالة سماها: "المنحة في السبحة"، ولابن طولون رسالة فيها سماها: "الملحة في السبحة"، وكذلك لابن علان الشافعي رسالة فيها سماها: "إيقاظ المصابيح بمشروعية المسابيح".

    وهناك أدلة ربما يستدل بها على جوازها، خاصة لمن يغلب عليه النسيان فلا يضبط العدد؛ قد روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" من حديث صالح بن درهم، عن عبدالله بن عمر أنه جاءه رجل يسأله عن الطواف على الصفا، فقال له: افتتح بالصفا واختم بالمروة، قال: وإن خشيت أن تنسى فخذ بيدك حصى، وضع عند الصفا واحدة، وعند المروة واحدة، وروى الفضل بن شاذان في كتابه "عد الآي والركعات في الصلاة" من حديث عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة - عليها رضوان الله تعالى - أنها كانت تعد ركعاتها في الصلاة بخاتمها.

    وروي من حديث أبي معشر عن إبراهيم النخعي، قال: لا بأس بعد ركعات الصلاة بالخاتم، وأن يحفظها به، ولا أعلم أحدًا من السلف كره التسبيح أو ذكر الله - عز وجل - بالمسابيح ولا بالنوى، إلا ما يروى عن عبدالله بن مسعود فيما رواه ابن وضاح في كتابه "البدع والنهي عنها" من حديث الصلت عن عبدالله بن مسعود: أنه رأى امرأة بيدها مسبحة فقطعها، وما جاء عنه أنه كان يكره العد.

    وكذلك ما جاء عند ابن أبي شيبة بإسناد جيد عن إبراهيم النخعي، أنه كان ينهى ابنته أن تعين النساء في فتل الحبال التي يسبح بها.

    فيقال: إن ذلك قد يحمل قول عبدالله بن مسعود على عد الحسنات؛ لأنه قد دخل عليهم - كما ذكر ابن وضاح - فقال: عدُّوا سيئاتكم؛ لأنهم كانوا يقولون: سبحوا مائة، وهللوا مائة، ونحو ذلك، بامتثال قدر معين يقابلونها بعد حسنات، وهذا لا يشرع؛ ولذلك شيخ الإسلام ابن تيمية مال في "الفتاوى" إلى جواز التسبيح بها، إلا إذا غلب على ظن الإنسان المراءاة، وربما يراه الناس يرائي بها؛ يعني يسبح بها، فحينئذٍ تكره من هذا الوجه، أما استقلالاً فلا؛ ولذلك قد ذكر السيوطي - عليه رحمة الله - في كتابه "الحاوي" قال: لا أعلم أحدًا من المتقدمين والمتأخرين قال بكراهتها، قال: وما جاء عن بعض الصحابة - يعني أبا هريرة وغيره - أنه كان يستغفر اثني عشر ألف مرة، قال: ذلك لا يكون إلا بعدِّ مسابح، وما جاء عن بعض السلف في أنه لا ينكر ذلك باليد، فيقال: إنه من الفقه في الدين، ومن الحكمة لمن كان يغلب عليه النسيان، أو لديه صوارف كثيرة، ونحو ذلك، ألاَّ ينهى عن العد بالمسابح؛ ولذلك عبدالله بن عمر لما جاءه رجل وسأله في طواف لسبع مرار في ذهاب ومجيء، قال: خذ حصى، وضع عند الصفا واحدة، وعند المروة واحدة، وعائشة - رضي الله عنها - تعد ركعات صلاتها بخاتمها تديره؛ تضعه من يد إلى يد، وكذلك عن إبراهيم النخعي، وروي عن عائشة ذلك بإسناد صحيح، وما جاء في الشرع عدد معين، فلا يزاد عليه ولا ينقص؛ لأن هذا تعبُّدي.

    والأذكار تتفاضل بحسب الدليل، وأفضلها: لا إله إلا الله؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الذكر: لا إله إلا الله))؛ كما رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما من حديث جابر، وكذلك قد روى الإمام مالك في "الموطأ" من حديث طلحة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفضل ما قلت أنا والنبيون: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير))، وهذا هو أفضل الذكر.

    ولذلك قد جاء في الشرع بيان فضل جملة من الأذكار وتفضيلها على غيرها، وبيان فضل جملة من الأذكار من غير تفضيل على غيرها، كتفصيل "لا إله إلا الله" على غيرها، والفضل المطلق كفضل "لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ كما جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى قال: ((قولوا: لا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"؛ فإنها كنز من كنوز الجنة)) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))، وهذا يدل على فضلها وثقل ميزانها، ولا يعني تفضيلَها بذاتها على غيرها بهذا الدليل؛ وإنما بدليل آخر، كما جاء في مسلم: ((أفضل الكلام بعد كلام الله، وهن من كلام الله: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)).

    وهذا يتميز به العالم عن غيره؛ روى الإمام مسلم من حديث كريب مولى عبدالله بن عباس، عن عبدالله بن عباس، عن جويرية، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بعد صلاة الصبح، وما زالت في مصلاها تذكر الله، فما رجع إلا بعد ارتفاع الشمس، قال: ((ما زلتِ في مصلاك؟))، قالت: نعم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أما إني قلت أربع كلمات ثلاث مرات، لو وُزنتْ بما قلتِ لوزنتْه: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، ثلاثًا)).

    فالأذكار تتفاضل؛ ولذلك ينبغي تفضيل أو تقديم الفاضل على غيره من الأذكار، وينبغي للمرء أن يتفقه فيها، وأن يعرفها، وأن يميزها عن غيرها؛ لكي يتحقق له ذلك الفضل؛ ولذلك جعل الله - سبحانه وتعالى - ذكره حرزًا للإنسان وحماية له، ومع ذلك شكرًا للمنعم، فمن أعظم الحِكَم التي شرع الله - عز وجل - لأجلها الذِّكرَ شكرُ الله - عز وجل - على ما أنعم على العبد حينما سلم له جسده فأصبح معافى؛ كما روى الإمام مسلم من حديث أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُصبح على كل سُلاَمَى منكم صدقة، فبكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وبكل تحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة...)) إلى آخر الخبر، وهذا يدل على أن التسبيح والتحميد هو شكر للمنعم على ما سلم الله - جل وعلا - للإنسان من نعماء، ومن حواس، وما رزقه، وكأنه يطلب المزيد في ذلك، وهذا من أعظم شكر المنعم، إضافة لذلك فإنه يكون حرزًا للإنسان في يومه وليلته.

    وذكر الله في الصباح والمساء قد جاء على أنواع عدة، منها ما هو مقيَّد بصباح، ومنها ما هو مقيد بمساء، ومنها ما هو بصباح ومساء، ومنها ما هو بليل لا يكون بصباح ولا يكون بمساء، ويأتي الكلام عليه.

    وحصر ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحاديث أذكار الصباح والمساء يصعب جدًّا؛ لأن ثمة شيئًا كثيرًا منها في عِداد الواهي والموضوع، وما نذكر هو أجود ما جاء في هذا الباب، وما هو مشتهر مما هو معلل وضعيف، مع بيان علته وضعفه، وبيان الوقت الذي يشرع فيه، والعدد الذي دل الدليل عليه، وما ورد في بعض الأدلة من اختلاف واضطراب، وما ينبغي التقديم به هنا وقبل الشروع في ذلك أن يقال: إن الأئمة - عليهم رحمة الله - من النقاد وغيرهم لا يتعاملون مع فضائل الأعمال كما يتعاملون مع أحاديث الأحكام (الحلال والحرام)؛ بل إنهم يخففون فيها كما قال يحيى بن سعيد: إذا روينا في الحلال والحرام شدَّدنا، وإذا روينا في الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال تساهلْنا؛ ولذلك الأئمة لا يطبقون قواعد النقد وتشديد الرواية في أبواب: السير والمغازي، والتاريخ والتفسير، والفتن والملاحم، وأشراط الساعة، والترغيب والترهيب، وفضائل الأعمال، وما يدخل في بابنا هذا هو فضائل الأعمال.

    ومتى يجوز رواية الحديث في فضائل الأعمال؟

    فقد نص العلماء على شروط، وإن لم ينص عليها بعضهم صراحة، إلا أنها موجودة في استعمالهم، فيقال:
    الشرط الأول: ألاَّ يكون الحديث ضعيفًا جدًّا فلا يكون فيه راوٍ متهم، أو متروك، أو ضعيف جدًّا، أو مطروح الحديث.
    الشرط الثاني:أن يكون قد دلَّ أصل على فضل ما ورد في الحديث، وإنما هذا الحديث قد جاء بزيادة فضل.
    الشرط الثالث:ألاَّ يرويه جازمًا بصحَّته، وأن يرويه بصيغة التمريض، وهذا الذي عليه عامة العلماء، ولا أعلم أحدًا منع من رواية الحديث الضعيف في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب على الإطلاق، إلا ما يحكى عن يحيى بن معين، وهو متأول بما حكاه الخطيب البغدادي عنه، وليس هذا محل بسطه.
    وهنا مسألة ينبغي أن يتنبه لها، وهي أن فضائل الأعمال والرواية فيها، قد يستشكل على البعض ما جاء من الترغيب فيه كصلاة معينة أو عبادة معينة، مما يتساهل الناس فيه على الإطلاق؛ فيقال: إن فضائل الأعمال التي يترخص فيها هي ما دل دليل على وجود أصلها، لكن هذا الحديث قد انفرد بثواب فيها، فهذا الحديث لم يأتِ بمشروعية تلك العبادة استقلالاً، كصلاة الضحى مثلاً، هي مشروعة والأحاديث فيها صحيحة، فلو جاء حديث في بيان قدر من الحسنات لمن صلاها، أو "لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، هذا الذكر معلوم لو جاء حديث في بيان قدر معيَّن من فضائل مَن قاله، والعاقبة وثواب الذي يؤتاه، فهذا من فضائل الأعمال، ما لا يدخل في فضائل الأعمال ما يأتي من الأدلة على فعل معين من صلاة أو ذكر غير مطلق بتقيده أو بمكان، أو بحال، فإن هذا لا يدخل في فضائل الأعمال؛ وإنما يدخل في باب إنشاء العبادات المحضة التي لا يشرع الاستدلال بها.

    مثال ذلك ما يأتي في بعض الأحاديث من ذكر معين بعد الصلاة، والحديث ضعيف، قد يقول قائل: إن هذا من فضائل الأعمال.

    نقول: هذه اللفظة التي جاءت: هل دلَّ دليل عليها استقلالاً؟ فهذا الحديث إنما جاء ببيان ثواب فقط، فإن قال: لا، قيل: إنها عبادة محددة بوقت، إنما تقبل هذه اللفظة إذا جاء دليل في بيان فضلها، من غير تحديد بوقت أو بزمان ولا بحال، فيقال حينئذٍ بفضلها إذا كان المعنى مستقيمًا، وقد دل الدليل على استقامته وسلامته، إذًا فلا يدخل في هذا من يرى تضعيف صلاة التسابيح، ليس له أن يقول: إنها من فضائل الأعمال، ولا يدخل في هذا بعض الأذكار الضعيفة في الصلاة التي لم يدلَّ الدليل عيها أصلاً، فلو ثبت في دليلٍ ما بيان ثواب قول: (سبحان الله الأعلى) في السجود، أو: (سبحان الله العظيم) في الركوع، في بيان فضل معين، لقيل: إن هذا من فضائل الأعمال؛ لأن أصله ثابت، وهذا ينبغي فهمه على وجهه؛ لكي لا يختلط على كثير من الناس، فينزل كثير من الأحاديث على غير وجهها.

    وهنا أمر ومسألة مهمة ربما تخفى على الكثير، أنه ينبغي حفظ الأذكار التي جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنصها؛ ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للبراء - كما في الصحيح -: ((ما تقول إذا أويتَ إلى فراشك؟))، قال: الله ورسوله أعلم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أويتَ إلى فراشك طاهرًا، فتوسد يمينك، وقل: اللهم أسلمتُ وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلتَ، ونبيك الذي أرسلتَ))، قال البراء - عليه رضوان الله تعالى -: فقلت كما قال، إلا أنني قلت: وآمنت برسولك الذي أرسلت، فوضع يده على صدري، وقال: ((قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت)).

    ولذلك ينبغي أن تحفظ الأذكار على وجهها، وهذا هو الأولى لمن أراد متابعة الدليل.

    ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أذكار في الصباح والمساء، منها ما هو ضعيف، ومنها ما هو صحيح، وكثير ممن صنف في هذا الباب يتساهل باعتبار روايته في فضائل الأعمال، وربما لا يأتي بهذه القاعدة على وجهها، وبعضهم قد أجاد في هذا، والأكثر قد جمع الضعيف والصحيح ولم يميز، فنذكر هنا ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أذكار الصباح والمساء مما يذكر في الوقتين مما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
    أولها: ما رواه البخاري من حديث شداد بن أوس، وهو يسمى بسيد الاستغفار، من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)).
    قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قالها حين يصبح مؤمنًا بها فمات، دخل الجنة، ومن قالها حين يمسي موقنًا بها، دخل الجنة))- ومنها ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مائة مرة في يومه، كان كعتقه عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة، وحط عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا سائر يومه))، قد جاء في بعض الأحاديث ذكرها عشرًا، فيقال: إن في التهليل تفصيلاً:
    أولاً: ذكر المائة مقيد في أول اليوم، وأما ذكرها عشرًا في الصباح والمساء، فقد جاء من حديث أبي أيوب وغيره في الصحيح وغيره عشرا في الصباح والمساء، والمائة في اليوم في أول اليوم، وأما قول: لا إله إلا الله، بعد صلاة الفجر والمغرب، فلا يصح، والحديث في إسناده شهر بن حوشب، وهو ضعيف.
    - ومنها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قال: سبحان الله وبحمده، حينما يصبح وحينما يمسي مائة مرة، لم يأتٍ أحد بأفضل منه يوم القيامة...)) الخبر.

    وقد ذكر فيه الصباح والمساء، وما جاء في الصحيح من حديث عبدالله بن مسعود قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول حينما يصبح: ((أصبحنا وأصبح الملك لله، ولا إله إلا الله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ربِّ إني أسألك خير هذا اليوم وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر ذلك اليوم وشر ما بعده))، وإذا أمسى قال مثل ذلك.

    ومنها ما رواه أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده، من حديث وهيب، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا أصبح: ((اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا وبك نموت، وإليك النشور))، وقال مثلها في المساء، ويقول: ((وإليك المصير)).

    ورواه الإمام أحمد في مسنده وابن أبي شيبة في المصنف، من حديث حماد بن سلمة، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، فقال في المساء: ((وإليك النشور))، وهو وهم وغلط.

    ورواه الإمام أحمد من حديث حماد بن سلمة على الوجه كما رواه وهيب، والصواب رواية وهيب أن يقول في الصباح: ((وإليك النشور))، وفي المساء: ((وإليك المصير)).

    ومنها ما رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث أبان بن عثمان بن عفان، عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا أمسى وأصبح: ((باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء))، قد جاء عند أبي داود ذكر العدد ثلاثًا وفيه ضعف.

    وأما قول : ((أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق))، فهذا الحديث صحيح بذكر المساء فقط، كما جاء عند الإمام مسلم من حديث أبي هريرة في الرجل الذي لدغته عقرب، فقال النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((أما لو قلت: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، ما ضرك شيء))، وأما قول: ((أعوذ بكلمات الله التامة)) ثلاثًا، فلا يصح، قد رواه الطبراني وغيره من حديث محمد بن إبراهيم - وهو أخو معمر - عن محمد بن أبي بكر، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، وذكر التثليث، وفيه محمد بن إبراهيم ولا يعتد به، وهو غير معروف.

    ومنها - أي: الثابت - ما رواه أبو داود في سننه وغيره، من حديث عبادة بن مسلم، عن جبير بن أبي سليمان، عن عبدالله بن عمر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في الصباح والمساء: ((اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة...)) الخبر.

    وقد قال ابن حبان في عبادة بن مسلم: إنه منكر الحديث، مع قلة حديثه، مع أن عامة العلماء على توثيقه، وثَّقه الإمام أحمد ويحيى بن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وعلل إنكاره له؛ لأنه يروي عن بعض الوضاعين، كنفيع الأعمى وغيره.

    وأما قول: ((اللهم عافني في بدني، وعافني في سمعي وفي بصري))، فلا يصح، قد رواه أبو داود وغيره من حديث جعفر بن ميمون، عن عبدالرحمن بن أبي بكر، عن أبيه، وفي إسناده جعفر، وقد أعل هذا الحديثَ النسائيُّ حينما أخرجه في كتابه، قال: وجعفر بن ميمون ليس بالقوي.

    وأما قراءة (قل هو الله أحد) والمعوذتين في الصباح والمساء، فقد روى الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في السنن والترمذي والنسائي، من حديث ابن أبي ذئب، عن أبي سعيد أسيد عن معاذ بن عبدالله بن خبيب، عن أبيه، أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال له: ((قل))، قال: فلم أقل شيئًا، فقال: ((قل))، فقال: لم أقل شيئًا، فقال: ((قل إذا أمسيت وإذا أصبحت: (قل هو الله أحد) والمعوذتين ثلاثًا؛ فإنك إذا قلتَها كُفيت))، وهذا الحديث قد أُعل بالاضطراب في إسناده؛ فقد رواه زيد بن أسلم متابعًا لأبي سعيد في روايته عن معاذ، ورواه عبدالله بن سليم الأسلمي، واختلف عليه فيه؛ فرواه خالد بن مخلد القطواني عن عبدالله بن سليمان، عن معاذ بن عبدالله بن خبيب، عن عقبة بن عامر.

    ورواه عبدالعزيز بن محمد الدراوردي عن معاذ بن عبدالله بن خبيب، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، وعن الحافظ ابن حجر - عليه رحمة الله - ولا يستبعد أن يكون الحديث محفوظًا من كلا الوجهين، وهذا الحديث هو أحسن حديث جاء بذكر (قل هو الله أحد) في الصباح والمساء، ومن قوَّاه فله وجه، وقد روي في بعض الطرق من غير ذكر (قل هو الله أحد)، وقد جاء ذكر المعوذتين عند النوم - ولا علاقة لها بذكر الصباح والمساء - في حال المسح حينما ينفث النبي - صلى الله عليه وسلم - والحديث في الصحيح.

    ومنها ما جاء من قول: ((اللهم إني أصبحت أشهدك، وأشهد حملة عرشك أنك أنت الله وحدك لا شريك لك))، فهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد وأبو داود في سننه، من حديث عبدالرزاق بن مسلم، عن مدرك بن سعيد، عن يونس بن ميسرة، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصباح والمساء، فقد وقع اختلاف في هذا الحديث، فرواه أبو داود في سننه عن عبدالرزاق بن مسلم به موقوفًا، ورواه البيهقي في "الشعب" من حديث هشام بن عمار، عن مدرك بن سعيد، عن يونس مرسلاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصواب إرساله، ولا يصح موصولاً.

    ومن الأذكار ما جاء مقيدًا بالصباح فقط، وهو قول: ((سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه))، كما جاء في مسلم من حديث كريب، عن عبدالله بن عباس، عن جويرية.

    ومنها قول: ((أصبحنا على فطرة الإسلام، وعلى دين نبينا محمد، وعلى ملة إبراهيم))، وهذا حديث صحيح؛ لكنه في الصباح فقط.
    ومن الأذكار الصحيحة في الصباح والمساء قول: ((رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا))؛ رواه الإمام أبو داود في سننه وغيره، من حديث شعبة، عن أبي عقيل، عن سابق بن ناجية، عن أبي سلام، يذكر عن خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في الصباح والمساء: ((رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا)).

    ومن الأذكار ما هو خاص بالمساء:
    منها ما هو خاص بالليل بعد غروب الشمس، مما هو خاص بالليل قراءةُ آيتين من آخر سورة البقرة، فلا تقرأ قبل غروب الشمس؛ وإنما بعد الغروب؛ ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأهما في ليلة، كَفَتَاه))، قيل في تأويله: كفتاه من الشرور والأذية والشياطين، وقيل: كفتاه عن قيام الليل، وقيل غير ذلك، وهذا هو الأشهر.

    ومما هو خاص بالمساء قول: ((أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق))، فإنه خاص بالمساء، ويقال مرة واحدة لا ثلاثًا، والتثليث ضعيف في قوله: ((أعوذ بكلمات الله التامة))، وفي قوله: ((بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء))، والأصح بغيرها.

    وقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما هو ضعيف جملة من المرويات في هذا الباب، ويأتي الكلام عليها، وقد يحمل ما جاء عند الإمام أحمد وعند ابن السني، من حديث يعلى بن عطاء، عن عمرو، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له أبو بكر: يا رسول الله، علِّمني شيئًا أقوله إذا أصبحتُ وإذا أمسيت، فقال: ((اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه))، وجاء في حديث عبدالله بن عمرو زيادة بعد قوله: ((من شر نفسي وشر الشيطان وشَرَكِه - وتقرأ: وشِرْكِه))، جاء زيادة: ((وأن أقترف على نفسي ذنبًا، أو أجرَّه إلى مسلم))، وهذا مما هو يحتمل، ولا بأس بإسناده.

    ومما جاء مما هو معلول: ما رواه الطبراني وابن السني من حديث الأغلب بن تميم، عن الحجاج بن فرافصة، عن طلق، من ذكر الصباح والمساء مرفوعًا قول: ((اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم))؛ هذا في إسناده الأغلب بن تميم، قال البخاري: منكر الحديث.

    ومما يستنكر ويرد في هذا الباب قول: ((حسبي الله الذي لا إله إلا هو وهو رب العرش العظيم)) سبع مرات، وهذا الحديث ضعيف قد رواه أبو داود في سننه، من حديث عبدالرحمن بن عبدالمجيد، عن هشام، عن مكحول، عن أنس بن مالك، وإسناده منقطع؛ فإن مكحولاً لم يدرك أنسَ بن مالك، كما قال الإمام أحمد، وعبدالرحمن مجهول أيضًا، وقد رواه أبو داود من حديث محمد بن مسلم، عن أنس بن مالك، وفيه جهالة أيضًا.

    ومما يضعف أيضًا قول: ((اللهم ما أصبح بي من نعمة، أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك))؛ هذا الحديث رواه أبو داود في سننه من حديث عبدلله بن عنبسة، عن عبدالله بن غنام، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو زرعة: لا نعرفه إلا من حديث عبدالله بن عنبسة، ولا يعرف، قال أبو حاتم: بعضهم يقول: عبدالله بن عنبسة عن عبدلله بن غنام، وبعضهم يقول: عبدالله بن عنبسة عن عبدالله بن عباس، قيل له: أيهما أصح؟ قال: لا هذا ولا هذا، كلاهما مجهول.

    ومما جاء ويضعف أيضًا الصلاة على النبي - عليه الصلاة والسلام - عشرًا في الصباح والمساء، كما رواه الطبراني وغيره من حديث خالد بن معدان عن أبي الدرداء، وفيه انقطاع؛ فخالد بن معدان لم يسمع من أبى الدرداء، والصلاة على النبي - عليه الصلاة والسلام - مستحبة مطلقًا من غير تقييد بصباح أو مساء.

    ومما جاء أيضًا مما هو مضعف القول: ((اللهم عافني في بدني، وعافني في سمعي، وعافني في بصري))، وتقدم أن في إسناده جعفر بن ميمون، يرويه عن عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وجعفر بن ميمون ليس بالقوي.

    وهذا من أشهر ما ذكر، وهناك كثير مما هو مطروح في عداد الواهي والمردود، ومما ينبغي أن يتنبه له أن الإنسان ينبغي أن يذكر هذه الأذكار موقنًا بها، ومستحضرًا لمعانيها، وهذا ما يغفُل عنه كثير من الناس، فيسردون الأذكار من غير تدبُّر؛ لذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في سيد الاستغفار، قال: ((من قالها موقنًا بها))، واليقين يكون مع استحضار القلب؛ ولذلك الله - سبحانه وتعالى - لا يقبل من قلب ساهٍ لاهٍ معرِضٍ عنه - سبحانه.
    فما الرأي بقول قراءة الحديث بغير ذكر الله من طلوع الفجر إلى شروق الشمس؟ لا يكره؛ قد روى الإمام مسلم من حديث جابر بن سمرة قال: كان النبي - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه يجلسون من بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس، فإن طلعت الشمس قام، فكانوا يذكرون أمور الجاهلية فيضحكون، والنبي - عليه الصلاة والسلام - يبتسم.

    ما ثبت في الاستغفار شيء في الصباح والمساء؛ وإنما هو عام يستغفر في اليوم والليلة بلا عدد من جملة الأذكار، لا تقيد لا بصباح ولا بمساء، لا علاقة للاستغفار بأذكار الصباح والمساء؛ وإنما هو من جملة الذكر العام الذي لا يقيد بوقت.

    ما هي الأسباب التي تجعل المسلم يصاب بمكروه، مع أنه ذكر الأذكار التي قالها، ومع ذلك أصابه شيء، وأصابه مكروه؟
    الجواب:
    أولاً: الأذكار التي يذكرها الإنسان لها فضائلُ عديدةٌ، حتى أوصلها الحافظ ابن القيم - عليه رحمة الله - في كتابه "الوابل" إلى نحو أربع وستين فائدة، وقد يتحقق للإنسان بعضها ولا يتحقق له البعض، بقدر انصرافه وإتيانه بالمشروع واستحضار القلب؛ فالنبي - عليه الصلاة والسلام - مثلاً حينما قال في سيد الاستغفار: ((من قالها موقنًا بها))، يعني: أن من قالها من غير إيقان، يتلفظ بها ولا يعلم هل ذكر أم لا؟ - لا يتحقق له ذلك؛ ولذلك من جاء بالأذكار على شروطها، والوجه الشرعي بالكمال، فإنه لا بد أن يؤتى ما وُعد به.

    يقول بعض المسلمين: أنا أقول الأذكار؛ لكي لا تلدغني عقرب، ولا أُصاب بمرض، ونحو ذلك.

    نعم، هذا من الأسباب؛ ولذلك لما كان من الأسباب ذكرها النبي - عليه الصلاة والسلام - لما لُدغ الرجل من العقرب؛ قال: ((لو قلت: أعوذ بكلمات الله التامة، لم يضرك شيء)).

    يقول: هل المسبحة تستنطق كما تستنطق الأصابع؟

    لا أعلم في ذلك دليلاً، والأمر يتوقف على الدليل.

    يقول: إذا انتهى الوقت هل أقول الأذكار؟

    لا، تقول الأذكار التي تليها الصباح والمساء، فالصباح له وقت من بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ما بعد ذلك يدخل فيه تبعًا؛ لكنه يكون وقتًا مفضولاً، لا وقتًا فاضلاً، وهو من طلوع الشمس إلى صلاة الظهر، ما بعد ذلك فإنه يدخل في باب الذكر العام.

    قول: لا حول ولا قوة إلا بالله أربعًا، لا يصح.

    يقول: هل على المرء إثم إذا لم يؤدِّ هذه الأذكار التي جاءت في حديث أبي ذر: ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، بكل تسبيحة صدقة، وبكل تهليلة صدقة))؟

    الظاهر أن من تجرد من الأذكار بالجملة ولا يذكر شيئًا، أنه ما شكر المنعم، واستحق العقاب والابتلاء، فما يصيبه يكون عقابًا له من الله - سبحانه وتعالى - لكن الإنسان يذكر الله - عز وجل - ولا يخلو أحد من أهل الإسلام بالجملة إلا ويذكر الله - عز وجل - سواء في صلاته أو أدبار الصلوات، كلها داخلة في جملة ما يشكر به المنعم - سبحانه وتعالى.

    يقول: ما صحة حديث: ((يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث))؟

    الحديث قد رواه الإمام أحمد وأبو داود، من حديث عثمان بن موهب، عن أنس بن مالك، أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال لفاطمة: ((ما يضرك لو قلتِ ما أقوله لك؟ أن تقولي: يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين))، والحديث لا بأس به ويكون في الصباح والمساء.

    ((سبحان الله وبحمده عدد خلقه...)) تقدم.

    يقول: قول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب في النار وعذاب القبر)).

    هذا تقدم أنه في حديث عبدالله بن مسعود، وقد ذكرناه من أول الأحاديث، وقلنا: الحكمة من تمكن الساحر لبيد بن الأعصم من النبي - عليه الصلاة والسلام - الحكمة أن النبي - عليه الصلاة والسلام - يطرأ عليه ما يطرأ على البشر؛ فهو في دائرة البشرية من العباد، فهو من العباد، فهو عبدٌ ونبي، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا إلا ما شاء الله؛ ولذلك في ورود بعض الأذى ولحوقه بالنبي - عليه الصلاة والسلام - سواء من الجن أو من الإنس - أعظم الآيات على إنزال النبي - عليه الصلاة والسلام - منزلته من غير غلو؛ لذلك قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم))، هذا من فوائده.

    الأمر الثاني: النبي - عليه الصلاة والسلام - يطرأ عليه ذلك، ويطرأ عليه ما يطرأ على الناس من نسيان وسهو؛ وذلك لكي يشرع للناس، فإذا حصل للنبي - عليه الصلاة والسلام - وورد عليه السحر، فوروده لمن هو دونه من باب أولى، كذلك أيضًا لكي يعلم الناس ما يصنعون، فلو لم يكن النبي - عليه الصلاة والسلام - يسهو في الصلاة وينسى، ويقع منه شيء من ذلك، فماذا يفعل الناس في صلاتهم حينما يسهون؟! وهذا من أعظم التشريع، ومن أعظم الحكم.

    ما أفضل ما صُنف في جمع الأذكار؟
    هناك كتاب لابن القيم "الوابل"، وكذلك لشيخ الإسلام ابن تيمية "الكلم"، وجمعوا فيه كما جمع من سبقهم، كالإمام النووي - عليه رحمة الله - في كتابه "الأذكار"، وهناك أيضًا من جمع وأكثر في الأذكار على وجه العموم، كابن السني في كتابه "عمل اليوم والليلة"، وكذلك النسائي في كتابه "عمل اليوم والليلة"، وهناك من انتقى ممن لم يكن مصنفًا مسندًا، كالإمام النووي، وكذلك ابن الإمام في كتابه "سلاح المؤمن"، فهو من أوسع الكتب.

    آية الكرسي ليلاً، والحديث فيها معروف في الصحيح وغيره.

    يقول: قراءة آخر سورة البقرة: ما هو لفظ القراءة، وبعد صلاة المغرب مباشرة أم عند النوم؟

    هو ليلاً، جاء النص في قراءتها ليلاً، والليل يبدأ من غروب الشمس، سواء قبل الصلاة أو بعدها، أو بعد صلاة العشاء، والمبادرة أولى.

    يقول: قول: ((اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملاً متقبلاً))؟

    هذا الحديث رواه ابن السني من حديث سلمة بن كهيل، والحديث لا بأس به.

    لا يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قراءة سورة بكاملها غير المعوذتين، وما جاء في سورة الإخلاص في الصبح والمساء على خلاف فيها كما تقدم، غير ذلك لم يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قراءة سورة بكاملها.

    يقول: الذي يحرص على أذكار الصباح والمساء يكون من الذاكرين الله كثيرًا، مع التقصير في بعض الأذكار، كذكر دخول الخلاء وغيره؟

    هناك أذكار مقيدة ببعض الأفعال، كعند النوم، أو بعد الأذان، وأدبار الصلوات، وعند نزول مكان، أو عند دخول المنزل، وعند الخروج منه، أو نحو ذلك، هذه شرعها الله - سبحانه وتعالى - لكي يبقى الإنسان على ذكر على الدوام في كل حال، وينفعه - بإذن الله تعالى - ما يذكر من أذكار الصباح والمساء لسائر يومه؛ لكنه مع ذلك ينبغي أن يكثر من الذكر مما جاء مقيدًا في بعض الأفعال.

    لا يصح في قراءة سورة "تبارك" عند النوم شيء.

    التصنيف في بعض الأذكار كثير جدًّا، ومن المؤسف أن كثيرًا ممن يصنف فيها - سواء بالطريقة المبسطة، وطريقة الكروت، أو المطويات، أو الكتيبات الصغيرة - كلها يعتمد بعضها على الآخر، وينقلها شخص لآخر، ولا تكاد تجد من يحقق النصوص؛ بل هم نقلة، ولا يكادون يرجعون إلى الأصول؛ ولذلك من المهم جدًّا أن يعتني طالب العلم في هذا الباب بنفسه؛ لأن هذا الأمر مرتبط بيوم الإنسان وليلته صباحًا ومساءً، وهو من أعظم العبادات التي ينبغي للإنسان أن يعتني بها.

    وبهذا كفاية، والله أعلم.

    وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد.
    عن عبد الله بن مطرف أنه قال فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة قيل لم يا أبا جَزْء قال إنه أورعهما عن محارم الله

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    مصر المسلمة
    المشاركات
    301

    افتراضي رد: أذكار الصباح والمساء

    لمن أراد أن يسمع الدرس
    http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson...esson_id=58261
    عن عبد الله بن مطرف أنه قال فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة قيل لم يا أبا جَزْء قال إنه أورعهما عن محارم الله

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    29

    افتراضي رد: أذكار الصباح والمساء

    وأما ذكرها عشرًا في الصباح والمساء، فقد جاء من حديث أبي أيوب وغيره في الصحيح وغيره عشرا في الصباح والمساء،
    أقول : هذا الذي قاله قيه نظر : والثابت من حديث عمرو بن ميمون عن ابن أبي ليلى عن أبي أيوب مرفوعا ، بلفظ: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدر عشر مرارٍ كان كم اعتق أربع رقاب من ولد إسماعيل .كما في مسند أحمد وصحيح مسلم وسنن النسائي.
    وهذا الحديث جاء من أوجه عدة واختلف فيه رفعا ووقفا ، ورفعه صحيح . ولكن ليس فيه من كل اوجهه (ذكر الصباح والمساء)
    تنبيه : الحديث علقه البخاري بلفظ : كمن أعتق رقبة .
    والمحفوظ : أربع رقاب.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المشاركات
    29

    افتراضي رد: أذكار الصباح والمساء

    يعضده ما رواه الترمذي من حديث أنس بن مالك، ورواه الإمام أحمد أيضًا من حديث أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لأن أجلس مع قومٍ يذكرون الله من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربع رقاب، ولأن أجلس مع قوم يذكرون الله من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربع رقاب)).
    أقول: أما في مسند أحمد والترمذي من طريق أنس فلا .
    وهذا الحديث مروي من أوجه عن يزيد بن أبان الرقاشي عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً بألفاظ:
    فرواه :الطَّيَالِسِيُّ والحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى : بلفظ : لَأَنْ أُجَالِسَ قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ، وَلَأَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ ثَمَانِيَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ دِيَةُ كُلِّ واحد منهم (اثني) عَشَرَ أَلْفًا.
    ورواية أبي من وجهين كل وجه فيه قطعة من الحديث.
    ورواه : أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ : بلفظ : (لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ، وَلَأَنْ أذكر الله عز وجل (بَعْدَ الْعَصْرِ) حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ ثَمَانِيَةَ رِقَابٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ) .
    يزيد بن أبان الرقاشي : متروك.
    ورواه مُحَمد بن المثنى ، حَدَّثنا عَبد السلام بن مطهر ، حَدَّثنا موسى بن خلف ، عَن قَتادة عن أنس بنحوه ، وفيه عدد الرقاب أربع. أخرجه أبو داود ( 3669 ) و البزار (7244) والطبراني في الدعاء (1878)
    قلت: لم يروه عن موسى إلا عبد السلام.
    ثم موسى ضعيف.
    ومن طريق علي بن زيد عن أبي طالب الضُبَعِي عن أبي أمامة مرفوعابه ، وفيه عدد الرقاب أربع . أخرجه أحمد (22185) و الطبراني (8028)
    علي بن زيد هو ابن جدعان: ضعيف. وأبو طالب الضبعي: فيه جهالة.
    تنبيه: الحديث أورده ابن كثير في (جامع المسانيد) وابن حجر في (أطراف المسند) في ترجمة أبي غالب عن أبي أمامة!
    ورواه أبو عائذ محتسب بن عبد الرحمن البصري عن ثابت عن أنس به ، بنحو من رواية الطيالسي المتقدمة.أخرجه ابن عدي (6/466)
    وقال في ترجمة (محتسب): يروي عن ثابت أحاديث ليس محفوظة.
    وله شاهد من طريق عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت كردوسا يقول : سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بدر يقول : إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لأن أجلس في مثل هذا المجلس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب " . يعني القصص. أخرجه أحمد (23108) والدارمي (2780)
    ولفظ الدارمي : قال : قلت : أي مجلس تعني ؟ قال : مجلس الذكر
    وكردوس مجهول ، وفي أصل السند نكارة.
    وبالجملة: فهذا الحديث لا يصح فيه شيء.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •