السلام عليكم ورحمه الله :
أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها- أن الشمس انكسفت على عهد رسول الله r فقام قياماً شديداً .... ثم قال « إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما من آيات الله يخوف الله بهما عباده فإذا رأيتم كسوفا فاذكروا الله حتى ينجليا »
و أخرج من حديث أبى مسعود الأنصارى t قال رسول الله r « إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس فإذا رأيتم منها شيئا فصلوا وادعوا الله حتى يكشف ما بكم »
يلاحظ أن الحديثين دلا صراحة على أن حكمة الكسوف والخسوف هو التخويف والتذكير للعباد ، وهذا ما نص عليه الحديث الشريف ، دون ذكر أن ذلك كان سببه الذنوب ، وهذا لا يعني أن الذنوب لا علاقة لها فيما يحصل من المصائب على العباد بل إن ذنوب العباد وخطاياهم أساس كثير من البلاء كما قال تعالى
ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ الروم: ٤١
وقوله تعالى ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ يشمل كما قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله- الذنوب والمعاصي ، ويشمل أيضاً تفريطهم في أسباب السلامة المادية ، ومن ثم فإن هذا الأمر لا نزاع فيه .
وإنما الحديث الآن عن خصوص حالة الخسوف والكسوف ، حيث نص الحديث المتقدم على أن الحكمة منهما هو التخويف والتذكير للعباد ، ووجه ذلك أن هذه الكونية العظيمة دالة على عظمة الله وقدرته في التصرف المطلق في ملكوته ، فإذا رأى العباد هذه الشمس -التي هي أكبر جرم يمكن لهم رؤيته بالعين المجردة- إذا رأوا هذا الجرم العظيم وقد حصل له ذلك علموا قدرة العزيز الجبار فأوجب لهم ذلك خضوعاً واستكانة وخشوعاً وإخباتاً ورجوعاً إليه سبحانه .
ومما يدلل على هذه القضية أن الكسوف حصل في أطهر مجتمع على وجه الأرض وأبعده عن الذنوب والمعاضي وهو مجتمع النبي r .
وهذا التأويل لهذه الحادثة الكونية يجيب عن كثير من الشبه التي قد يطرحها بعض ضعاف النفوس حين يستشكلون وقوع هذه الأحداث الكونية في مجتمعات المسلمين ، وعدم وقوعها أحياناً في مجتمعات الكفار وهم أشد كفراً وفسوقاً ، فيقال لهم إن الحكمة من هذه الآيات الكونية هي التذكير لمن كان له قلب من العباد ، وتخويفهم بقدرة العزيز الجبار جل وعلا ، حتى يعودوا إليه ، ولا يلزم منها أن تكون عن الذنوب والمعاصي التي يقترفها العباد.
ولذا لو أمكن معرفه وقوع الخسوف والكسوف قبل حدوثهما كما هو الحال في هذا العصر - فإن ذلك لا يلغي هذه الحكمة ، إذ إن من يرى الشمس كاسفة أو القمر خاسفاً ، فإنه يحدث له من الوجل والإندهاش ما لايحصل لغيره ، حتى ولو كان عالماً بوقت وقوع ذلك.
ولذلك نلاحظ هذا الاندهاش والوجل حاصلاً حتى عند الأمم الكافرة ، حيث إن وسائل الإعلام تنقل كثيراً من مظاهر الإندهاش والوجل ، بل الخوف والبكاء لدى بعضهم عند رؤيتهم لهذه الآية الكونية العظيمة ، إلا أن الفرق بيننا وبينهم أننا وظفنا هذا الوجل في التوبة والاستغفار والرجوع إليه سبحانه بخلاف ما يصنعه أؤلئك ، كما قال تعالى ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ يوسف: ١٠٥
هذا ما يظهر لي والله أعلم ، وبانتظار مشاركات الإخوة