بِسْمِ اللهِ الرحْمَن الرحِيم
حُكْمُ الاحْتِفالِ بالعامِ الهِجْرِي
رَقَمُ الفَتْوى: 100/ 9/ 23112
للشيخ أبي الوليد الغزي الأنصاري
نقلا عن موقعه الخاص : www.aknafansari.com

وسُئِلَ عن حُكْمِ الاحْتِفالِ بالعامِ الهِجْرِيِّ الجَدِيد؛ كما يَفْعَلُهُ بَعْضُ الناس؟.
فَأجاب:
الحَمْدُ للهِ؛ وبَعْد:
فَقَدْ قالَ اللهُ تعالَى فِي كتابِهِ الكريم {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وبِرَحْمَتِهِ فَلْيَفْرَحُوا} فَدَلَّتْ هَذهِ الآيَةُ عَلَى أنَّ فَرَحَ المُسْلِمِ بِشَيءٍ إنَّما يَرْجِعُ إلَى ما أذِنَ لَهُ اللهُ تعالَى فِيهِ شَرْعاً وقَدَراً، ولذا كانَت الأعيادُ فِي الإسلامِ من العِباداتِ؛ وشُرِعَ لَها مِن الشعائرِ والأحْكامِ ما يَخُصُّها، وهِي ثَلاثَةُ أعْيادٍ لا غَير، الفْطْرُ والأضْحَى؛ والجُمُعَة.
وما سِوى ذلكَ كالمَوْلِد؛ والاحْتِفالِ برأسِ السنَةِ الهِجْرِيَّةِ وغَيرِها فَمِنَ البِدَعِ المُحْدَثَةِ فِي الدِّينِ، بَلْ هِي عِنْدَ التَّحْقِيقِ مِن التَّقْلِيدِ للأُمَمِ النصرانِيَّةِ التِي ابْتَدَعَت االاحْتِفالَ بِميلادِ المسيحِ وبِرأسِ السنَةِ المِيلادِيَّةِ؛ فَعادَت الحُرْمَةِ إلَى وَجْهَينِ: الإحْداثِ فِي الدينِ؛ والتَشَبُّهِ بالكُفارِ الذِي نَهَى اللهُ تَعالَى عَنْه، وإذا كانَ التَشَبُّهُ بِهِم مَنْهِيا عَنْهُ فِي أمُورِ العاداتِ؛ فَهُو فِي أمورِ العِباداتِ أعْظَمُ وأولَى.
ولِذا لا تَجِدُ شَيئاً من هَذا فِي القُرُونِ الأولَى؛ وفِي الصّدْرِ الأولِ من الإسلام، وقَدْ قالَ النِبيُّ عَلَيهِ الصلاةُ والسلامُ: (مَن أحْدَثَ فِي أمْرِنا هَذا ما لَيْسَ مِنهُ فَهُو رَدّ)؛ ودَعْوى أنَّ ذلكَ مِن تَعْظِيمِ شأنِ الهِجْرَةِ غَيرُ صَحِيح؛ فإنَّ التعْظِيمَ إنما يَكُونُ باتِباعِ ما أمَرَ اللهُ تعالَى؛ والاهْتِداءِ بِسُنَّةِ رَسولِ اللهِ صلى اللهُ علَيهِ وسلمَ وسيرَتِهِ، ومنْ سِيرَتِهِ الهِحْرَةُ فِي سِبيلُ اللهِ؛ التِي هِي من العَقَباتِ الثلاتِ التِي يُمْتَحَنُ بِها العِباد، وكم من الناسِ مَن يدَّعِي الاحْتِفالَ بالهِجْرَةِ وهُو مُقِيمٌ علَى مَعْصِيةِ اللهِ تعالَى؛ مُلازِمٌ لِما يُسْخِطُهُ!!، ولَو صَدَقَ فِي دَعْواهُ لَكانَ أولَ ما يَصْنَعُ أنْ يَرْجِعَ إلَى اللهِ ويَتُوبَ إلَيْهِ.
وأيْضاً فالهِجْرَةُ؛ التِي هِي قَرِينَةُ الجِهادِ فِي سَبِيلِ اللهِ تعالَى؛ وهِي الهِجْرَةُ فِراراً بالدينِ من الفِتَنِ؛ والهِجْرَةُ فِي طلبِ العِلم؛ والهْجْرَةُ لنَصرَةِ دِينِ الإسلامِ وإعلاءِ كلمَتِهِ؛ وهِي الهِجْراتُ التِي وَقَعَتِ الإشارَةُ إلَيها فِي سُورَةِ (الكَهْفِ) عَبادَةٌ ماضِيَةٌ إلَى قِيامِ الساعَةِ؛ ومَعَ ذلكَ تَرَاها مِن العِباداتِ المَهْجُورَةِ بَينَ الناسِ الخاصَّةِ مِنْهُم والعامَّة!، علَى أنَّ الهِجْرَةَ بِها حَياةُ الأمَةِ وبَقاءُ دِينِها؛ وهِيَ سِرُّ مِن أسرارِ قُوتِها، بلْ هِي سُنَّةُ مِن سُنَنِ اللهِ تعالَى الكَونِيَّةِ التِي جاءَ الشرْعُ علَى وَفقِها، وإنْ شِئتَ الوُقوفَ علَى الحِكَمِ والأسرارِ فِي هذهِ السنَّةِ فَفِي المَسامَرَةِ المُعْقُودَةِ باسمِ: (سِرُّ صِناعَةِ الحَياةِ)؛ إن شاءَ اللهُ تعالَى، وبالله وحَدَهُ التوفيق.
وصلّى اللهُ علَى مُحمدٍ وعَلى آلِهِ وصَحْبِهِ وسلم.
خاَدِمُ العِلم وأهْله:
كانَ اللهُ له
أبو الوليد الغزي الأنصاري