الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا علي الظالمين الأثمين وأشهد ألا إله الا الله وحده لا شريك له ولي المتقين , وأشهد أن محمد عبده ورسوله النبي الأمين ( صلي الله عليه وأله وصحبه الدر الميامين )
ثم أما بعد
فهذه بعض أحكام اللقطة جمعتها لتكون نفعا لي أولاًََ ثم لعله ينتفع بها غيري ممن يحسن الظن بي وأسئل الله تعالي ان تكون لوجهه حقا وألا يجعل لغيره فيها نصيباَ وليس ذلك علي الله بعسير إنه نعم المولي ونعم النصير .
أولاَ: معني اللقطة :
لغة : قال الفيروزأبادي في القاموس المحيط : لَقَطَه أخَذه من الأرضِ، فهو مَلْقوطٌ ولَقِيطٌ، الثوبَ رَقَعَه ورَفَاهُ. واللاَّقِطُ الرَّفَّاءُ . أهــ ( 2-235 )
قال الحافظ في الفتح :
وَاللُّقَطَةُ الشَّيْء الَّذِي يُلْتَقَطُ ، وَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْمُحَدِّثِي نَ ، وَقَالَ عِيَاض : لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْفَائِقِ : اللُّقَطَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْعَامَّةُ تُسَكِّنُهَا . كَذَا قَالَ ، وَقَدْ جَزَمَ الْخَلِيلُ بِأَنَّهَا بِالسُّكُونِ قَالَ : وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ اللَّاقِطُ : وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْقِيَاس وَلَكِنَّ الَّذِي سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ الْفَتْح . وَقَالَ اِبْن بِرِّي : التَّحْرِيكُ لِلْمَفْعُولِ نَادِر فَاقْتَضَى أَنَّ الَّذِي قَالَهُ الْخَلِيلُ هُوَ الْقِيَاسُ . وَفِيهَا لُغَتَانِ أَيْضًا : لُقَاطَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ ، وَلَقْطَة بِفَتْحِهَا . وَقَدْ نَظَمَ الْأَرْبَعَةَ اِبْن مَالِك حَيْثُ قَالَ : لُقَاطَةٌ وَلَقْطَةٌ وَلُقَطَهْ وَلُقْطَةٌ مَا لَاقِطٌ قَدْ لَقَطَهْ وَوَجَّهَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِي نَ فَتْح الْقَافِ فِي الْمَأْخُوذِ أَنَّهُ لِلْمُبَالَغَةِ . وَذَلِكَ لِمَعْنًى فِيهَا اِخْتَصَّتْ بِهِ ، وَهُوَ أَنَّ كُلّ مَنْ يَرَاهَا يَمِيلُ لِأَخْذِهَا فَسُمِّيَت بِاسْمِ الْفَاعِلِ لِذَلِكَ .أهـ ( 7-318)
قال الخطيب الشربيني الشافعي في الإقناع :
{فصل}: في اللقطة وهي بضم اللام وفتح القاف وإسكانها لغة: الشيء الملتقط، وشرعاً: ما وجد من حق محترم غير محترز لا يعرف الواجد مستحقه. والأصل فيها قبل الإجماع الآيات الآمرة بالبر والإحسان، إذ في أخذها للحفظ والردّ برّ وإحسان، والأخبار الواردة في ذلك كخبر مسلم: "وَاللَّهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا دَامَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ" 1-160
أحكام اللقطة : وسيكون ( بمشيئة الله تعالي ) في مسائل عدة :
• المسئلة الأولي حكم إلتقاط اللقطة :
بمعني هل يشرع للرجل إذا وجد لقطة أن يلتقطها مع غض النظر عن الإنتفاع بها أم لا ؟
قال الامام السرخسي الحنفي في المبسوط :
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَالْمُتَفَلْسِ فَة يَقُولُونَ : لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ ، وَذَلِكَ حَرَامٌ شَرْعًا ، فَكَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ إثْبَاتُ الْيَدِ عَلَيْهِ ، وَبَعْضُ الْمُتَقَدِّمِي نَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ كَانَ يَقُولُ : يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا وَالتَّرْكُ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا إنَّمَا يَطْلُبُهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَقَطَتْ مِنْهُ ، فَإِذَا تَرَكَهَا وَجَدَهَا صَاحِبُهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَطْمَعَ فِيهَا بَعْدَ مَا يَرْفَعُهَا فَكَانَ فِي رَفْعِهَا مُعَرِّضًا نَفْسَهُ لِلْفِتْنَةِ ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ رَفْعَهَا أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ تَصِلَ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَيَكْتُمَهَا عَنْ مَالِكِهَا . 13-22
وقال إبن مودود الموصلي الحنفي في الاختيار لتعليل المختار :
وأخذها أفضل، وإن خاف ضياعها فواجب، وهي أمانة إذا أشهد أنه أخذها ليردها على صاحبها، فإن لم يشهد ضمنها ويعرفها مدةً يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك . ( 1-57 )
قال أبوالوليد الباجي المالكي في المنتقي :
فَأَمَّا جَوَازُ أَخْذِهَا فَقَدْ رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ** أَنَّهُ كَانَ يَمُرُّ بِاللُّقَطَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَهَا مَنْ وَجَدَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا قَدْرٌ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، أَوْ لِذِي رَحِمِهِ وَأَمَّا الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ بَالٌ فَأَرَى لَهُ أَخْذُهُ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَمَّا الدَّنَانِيرُ وَشَيْءٌ لَهُ بَالٌ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَيْسَ كَالدِّرْهَمِ وَمَا لَا بَالَ لَهُ لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّرْهَمَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ الْكَثِيرَ الَّذِي لَهُ بَالٌ يَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ إِنْ تَرَكَهُ فَأَخَذَهُ لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعْرِيفِ بِهِ وَالْحِفْظِ لَهُ إِلَى أَنْ يَجِدَهُ صَاحِبُهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ .)( 4-66 )
** لم أجد رواية نافع عنه ولعله يقصد ماجاء في مصنف إبن ابي شيبة : عن وكيع عن مسعر عن شيخ ، سمعه قال : رأيت ابن عمر وجد تمرة فمسحها ثم ناولها مسكينا. وهو ضعيف بهذا السند إلا لو ثبت عنه رواية نافع هذه ولم أجدها.
..لكن عنده أيضا : عن طلحة بن مصرف عن ابن عمر أنه وجد تمرة فأكلها.5-192.
وهو صحيح : وسفيان هو ابن عيينة الإمام الحافظ وهو لا يدلس إلا عن ثقة والله أعلم .
و في مصنف عبد الرزاق : عن معمر عن عبد الله بن مسلم - أخي الزهري - قال : رأيت ابن عمر وجد تمرة في السكة فأخذها ، فأكل نصفها ، ثم لقيه مسكين فأعطاه النصف الآخر. (18640)
قلت : وسنده صحيح إلي عبد الله بن مسلم . وأورده في الأمالي بسنده أيضا : 1-37
لكن جاء في الموطأ :
1250 - و حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ لُقَطَةً فَجَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
فَقَالَ لَهُ إِنِّي وَجَدْتُ لُقَطَةً فَمَاذَا تَرَى فِيهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَرِّفْهَا قَالَ قَدْ فَعَلْتُ قَالَ زِدْ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَهَا وَلَوْ شِئْتَ لَمْ تَأْخُذْهَا.
قلت : ولعل هذا يشهد له أو ربما هو ما عناه بما ذكر والأول أقرب ووجهته أن قوله رضي الله عنهما وإن شئت لم تأخذها , أي تدعها مكانها أو ما كان عليك أن تأخذها بداية , والأول أقرب ولا يقال أنه أراد : أي لا تنتفع بها _ وإن كان هذا مقصودا بلازم حثه علي تركه للقطة _ لأنه قال له لا آمرك أن تأكلها وهذا كاف في حثه علي تركه ولا يحتاج إلي زيادة ذلك فيقول لا تأخذها والله تعالي أعلم .
وقد رُوي عن بن عباس الكراهة أيضا فيما حكاه بن رشد في بداية المجتهد :
قال رحمه الله : فأما الالتقاط فاختلف العلماء هل هو أفضل أم الترك؟ فقال أبو حنيفة: الافضل الالتقاط، لانه من الواجب على المسلم أن يحفظ مال أخيه المسلم.
وبه قال الشافعي، وقال مالك وجماعة بكراهية الالتقاط، وروي عن ابن عمر وابن عباس، وبه قال أحمد، ...) أهـ 2-247
قلت : روي عبد الرزاق في مصنفه : عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس قال : لا ترفعها من الارض ، فلست منها في شئ. وفيه جرير ثقة لكن وهم بأخره وابن أبي شيبة مشهور الأخذ عنه وفيه قابوس وهو ابن أبي ظبيان الكوفي فيما يظهر لي وليس بن مخارق لأن مخارق لم يرو عن ابن عباس ولم يرو جرير وهو ابن عبد الحميد إلا عن قابوس بن أبي ظبيان وفي سنن أبي داود : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكُونُ قِبْلَتَانِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ. وله روايات عند الترمذي وأحمد كثر وهو ( أي قابوس ) لين الحديث والله تعالي أعلم .
وسوف نبين وجهة هذه الإثار بإذنه تعالي عند تحرير القول .
قال ابوعبد الله العبدري المالكي في التاج والاكليل :
عند شرحه لقول المصنف :
( ووجب آخذه لخوف خائن )* ابن عرفة في حكم أخذ اللقطة اضطراب ,* ابن رشد : يلزم أن يؤخذ اللقيط ولا يترك لأنه إن ترك ضاع وهلك ولا خلاف بين أهل العلم في هذا وإنما اختلفوا في لقطة المال على ثلاثة أقوال ... )6-71
ثم قال :
(* اللخمي إن كانت بين قوم غير مأمونين كان حفظها واجبا لأن حفظ أموال الناس وإلا ( كلمة لم أعرفها ولعلها فهي كما يقتضيه السياق ) واجب ( لا إن علم خيانته هو فيحرم ) اللخمي إن كان السلطان غير مأمون ومتى أنشدت وعرفت أخذها منع من وجدها أن يعرض لها ) نفس المصدر .
: هكذا في المطبوع دون قوله قال ابن عرفة , او قال ابن رشد او قال اللخمي فاما انه سقط واما ان هذه عادة المصنف في ايراد اقوال اهل العلم وقد رايت هذا في نسختين للمصنف فضلا عن تكراره – ورأيت بعضاً من أهل العلم يفعلونها في مصنفاتهم كالذهبي في سيره - ولعل الاخير هو الأقرب والله أعلم .
قال النووي في المجموع :
(فصل)
وهل يجب أخذها ؟ ( يريد اللقطة )
روى المزني أنه قال: لا أحب تركها.وقال في الام: لا يجوز تركها.
فمن أصحابنا من قال فيه قولان (أحدهما) لا يجب لانها أمانة فلم يجب أخذها كالوديعة (والثانى) يجب، لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (حرمة مال المؤمن كحرمة دمه) ولو خاف على نفسه لوجب حفظها، فكذلك إذا خاف على ماله. وقال أبو العباس وأبو إسحاق وغيرهما (ان كانت في موضع لا يخاف عليها لامانة أهله لم يجب عليه.أهـ المجموع . 15-250
قال ابن قدامة المقدسي في كتابه الكافي : عند تعريفه للقطة :
وهي المال الضائع عن ربه وهي ضربان ضال وغيره فأما غير الضال فيجوز التقاطه بالإجماع وهو نوعان يسير يباح التصرف فيه بغير تعريف ... ثم قال : النوع الثاني الكثير فظاهر كلام أحمد أن ترك التقاطه أفضل لأنه أسلم من خطر التفريط وتضييع الواجب من التعريف...) 2-351