طالما تكلم العلماء عن الأحكام من جهة كونها معللة أم غير معللة ، فذهب جمهور المعتزلة إلى أنها معللة وجمهور الأشاعرة وبعض أهل السنة إلى أنها غير معللة وأن حكم الله تبع لمشيئته ، فهو يخلق ما يشاء ويختار ، وله الحكم ،ولا يسأل عما يفعل ، وذهب جمهور أهل السنة وهو المشهور من مذهب أحمد إلى أن أحكام الشريعة معللة في الجملة ، وعلّيتها تبع للحكمة من التشريع ، ولكن فصّل بعضهم فقال: العبادات توقيفية ، والمعاملات معللة لحاجة الناس إلى القياس في مالا نص فيه. والخلاف في ذلك كله مبسوط في كتب الأصول. ولكني قدّمت بهذه المقدمة لتعلقها بسؤال المشاركة :"لماذا شرع التيمم في الوجه واليدين دون الرأس والرجلين ؟".=================
يجتهد بعض العلماء في إيجاد حكمة معينة لما لم تتضح حكمته من بعض العبادات التي يؤمر بها المكلف ، وهذا الاجتهاد قد يصيب وقد يخطيء. جواباً على السؤال أعلاه يقول الإمام الونشريسي في كتابه الماتع "عدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق" ، ص 92 :
(وإنما شرع التيمم في الوجه واليدين دون الرأس والرجلين ، لأن العرب من عادتها ألا تعمل التراب على رأسها إلا لحزن [1] أو لأمر طارىء ، والرجلان لا يمسح عليهما بالتراب ، لأن محلهما بالتراب بكرة وعشياً [2]. قاله الشاشي في محاسن الشريعة. وأيضاً التراب على الرأس علامة الفراق من الحبيب ، والله عز وجل حبيب العارفين ، و لاتكون بينهما فرقة ، فلذلك لم يؤمر به. قاله القشيري في كنز اليواقيت). أ.هـ.
[1] قلت ربما أيّد ذلك نهي الشارع عن لطم الخدود وشق الجيوب والصراخ عند الحزن على فراق الميت أو المصيبة والفاجعة ، وما كان من جنس هذا مما يعبر به عن حال الجزع كوضع التراب على الرأس يلحق بما سبق. وقد روي أن الشيطان يوم عرفة يحثو على نفسه التراب تعبيرا عن بؤسه.
[2] قلت: وربما يشبه هذا من بعض الأوجه ما روي أن امرأة سألت أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر ؟ قالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يطهره ما بعده. فاعتبار الونشريسي لتراب الأرض مطهراً عوضا عن مسح الرجلين به فيه وجاهه.