الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين أما بعد :
فهذا شرح شيخنا الحبيب عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم –رحمه الله تعالى ، وأسكنه الله فسيح الجنان ، وجمعني به في الفردوس الأعلى آمين- شرْحه لكتاب (البيوع) من (عمدة الفقه) للعلامة الموفق ابن قدامة المقدسي –رحمه الله تعالى- ، وكان الشيخ قد شرحه في الشارقة في الإمارات في الدورة العلمية المكثفة الثانية في بداية الشهر السابع الميلادي من عام 2002 .
وكنت أكتب شرحه مباشرة منه – رحمه الله تعالى – حيث كنت حاضرا تلك الدورة ، ولذا فإنه لابد أن يكون في الشرح الآتي عبارات فيها نوع من التصرف ، ولكني لا أعرفها بعينها ، ولكن – والحمد لله – أنا أكتب بسرعة ، فلو وجد مثل هذا فهو قليل ، وسأقوم برقم شرح الشيخ تباعا ، وسـأحاول أن يكون في كل مرة فصلا من هذا الشرح ، والحمد لله رب العالمين ، وإلى المقصود :
قال المصنف – رحمه الله تعالى - :
كتاب البيوع
[قال الله تعالى: ((وأحل الله البيع)) ، والبيع معاوضة المال بالمال، ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح إلا الكلب، فإنه لا يجوز بيعه ولا غرم على متلفه، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- (نهى عن ثمن الكلب)،
وقال: (من اقتنى كلبًا إلا كلب ماشية أو صيد ، نقص من عمله كل يوم قيراطان).
ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك لبائعه إلا بإذن مالكه ، أو ولاية عليه، و"لا بيع ما لا نفع فيه كالحشرات(1)"(1)، ولا ما نفعه(2) محرم كالخمر والميتة.
ولا بيع معدوم(3) كالذي تحمل أمته أو شجرته، أو مجهول كالحَمْل(4)، والغائب(5) الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته، ولا معجوز عن تسليمه(6) كالآبق والشارد(7) والطير(8) في الهواء والسمك في الماء(9)، ولا بيع المغصوب(10) إلا لغاصبه أو من يقدر على أخذه منه(11)، ولا بيع غير معين(12) كعبد من عبيده أو شاة من قطيعه(13) إلا فيما تتساوى أجزاؤه كقفيز من صُبْرة(14) ].
قال الشارح – رحمه الله تعالى - :
(1) معطوف على (ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك) ، وهو إشارة لشرط من شروط صحة البيع ، وهو كونه فيه نفع لغير حاجة .
(1) كالخنافس والصراصر ، وقد اتفق العلماء على تحريمه.
(2) هذا من باب أولى أن يمنع من السابق ، فقد جاء النص في تحريمها ، لأنها ليس فيها منفعة في الأمور المعتادة ؛ ودليل تحريمه حديث جابر مرفوعا (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)رواه الشيخان وأصحاب السنن.
ذكر القاضي عياض –رحمه الله تعالى- مسألة الأباريق وغيرها التي عليها صور الأصنام هل يحرم بيعها ؟ البيع صحيح ، لأنها ليست مقصودة لذاتها ، ولكن يجب طمس الصور التي فيها .
(3) لأن من شروط صحة البيع أن يكون العاقدان قد علما بالصفة المنضبطة لهذا المبيع ، وإلا كان من بيوع الغرر التي تفضي إلى البغضاء والشحناء ؛ وفيه حديث أبي هريرة مرفوعا (نهى عن بيع الغرر) رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
مثاله : أبيعك ثمر هذه الشجرة حينما تثمر .
فائدة :
العلماء قسموا الغرر إلى ثلاثة أقسام ، لكل قسم حكمٌ :
1- غرر كبير .
2- غرر يسير.
3- غرر متوسط.
والغرر اليسير هو الغرر الذي لا يمكن التحرز منه في بيوع الناس ، مثاله : حشو الجبة؛ ومثاله أيضا : سقيا الماء ، ومثاله كذلك دخول الحمّامات في المكان البارد فقد وقع الإجماع على أنه من الغرر المعفو عنه.
الغرر المتوسط : اختلفوا في إلحاقه ؛ وذكر النووي ضابطا جيدا في الغرر : وهو أنه إذا كان لا يمكن التحرز منه إلا بمشقة وحرج قال: هو من الغرر اليسير.
والغرر نوع من الميسر ، لأن الذي يشتري سلعة معدومة ، فإما أن يكون ثمنه أكثر من السلعة ، فيكون غارما ، وإما أن يكون أقل فيكون غانما.
(4) أي : لا يصح بيع المجهول كالحمل ، لأنه قد يكون ذكرا ، وقد يكون أنثى ، وقد يكون حيا وقد يكون ميتا.((نهى عن يع المضامين وبيع الملاقيح)(صحيح الجامع:6937).
(5) لأنه من بيع الغرر ، ولا يصح إلا بشرط وهو أن يوصف وصفا منضبطا ، أما إذا لم يوصف أو رآه وكان قد تغير فهو من بيع الغرر ؛ ويكون البيع عند جمهور العلماء بيعا فاسدا ، واختار ابن تيمية أن الغائب إذا بيع أنه يصح ويبقى خيار الرؤية ، وهو قول ثان للشافعي ، ورواية عن أحمد ، واستدل بقوله تعالى ((وأحل الله البيع)) ، وجاء أثر عند البيهقي عن عثمان وطلحة (أنهما تبايعا داريهما دون رؤية ، ثم تنازعا وتحاكما عند جبير بن مطعم ، فحكم بخيار الرؤية) ، وهو القول الصحيح لهذا الأثر.
(6) هذا من شروط البيع ، أن يكون المبيع مقدورا على تسليمه ، وإلا فإنه لا يصح ، كالآبق وهو العبد المملوك الذي يهرب من مواليه ، أما إذا قُدر على تسليمه ففيه قولان : الصحيح منهما أنه يصح.
(7) يطلق غالبا على الإبل لأنه أكثر أموالها ، وإن كان يطلق على البقر والغنم.
(8) لا يجوز ، لكن إذا كان من الحمام الذي يربيه الناس ، ومعتاد رجوعه ففيه خلاف ، والصواب أنه لا يجوز ، لأنه في رجوعه قد يتعرض لصيد أو موت .
(9) لأنه غير مقدور على تسليمه ، وقد صح عن ابن مسعود –رضي الله عنه – أنه قال : (لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر) ، أما إذا كان الماء قليلا في البرك ، مثل البرك التي في المطاعم ، فهذا جائز ، لأن السمك محجوز ، ومقدور عليه ، فلا غرر في بيعه ، وقول ابن مسعود يحمل على الماء الكثير الذي لا يُستطاع فيه حجز السمك ، والقدرة عليه .
(10) المغصوب ، كقولك : عندي سيارة مغصوبة ، فهذه السيارة لا يمكنك رؤيتها ، وعلة أخرى : أنه لا يمكن تسليمه ، لكن يستثنى من المغصوب أن تبيعه على الغاصب ، ولكن إن قيل قد تخلّف الرضا ، يقال: يصح إذا كان لا يردها له إلا بالبيع ، على أن يقول : أنا أبيعك وتعطيني المال.
(11) ويستثنى –أيضا- من بيع المغصوب إذا كان الشاري قادرا على أن يستخلصه منه.
(12) لتخلف شرط من شروط البيع وه تخلف التعيين ، فلا يكون معلوما .
(13) قال : بعتك من شياهي هذه واحدة بكذا ، فلا يصح لعدم التعيين ، أو يقول : خذ هذا المبلغ ، وأحضر لنا شاة من شياهك ، ولكن يصح بصورة واحدة ، مثل له المؤلف بما تتساوى أجزاؤه ن لأن التعيين سيكون حينما تُكال.
ومعنى تتساوى : أي أن تكون من نوع واحد ، أي : بر جيد ، ولا تكون مخلّطة : بر جيد ، وبر ردئ.
(14) القفيز : وحدة قياسية تساوي(27) كيلو ، و(17) غراما.
صُبْرة: كومة من الطعام أو غيره على فرش ..
فائدة1 : يجوز إدخال كلب الصيد للبيت ، لأنه أبيح الانتفاع به ، وكذلك كلب الحراسة.
فائدة2 : بيع أرقام السيارات عندي (البرجس) هو من بيع ما لا نفع فيه ، وكذا أرقام الهواتف ؛ ولكن لو قيل : لها قيمة ، ويكون لها منظر ومظهر كالحذاء والملابس ، فليس بعيدا عن الصواب ، وعندي الأول أوجه.
يتبع.....