وتعيد مريم بنت آده رئيسة قسم النزاعات الأسرية في كتابة الدولة لشؤون المرأة أسباب انتشار ظاهرة الطلاق في موريتانيا إلى عوامل عديدة يأتي في مقدمتها المشاكل المادية، "فمعظم النزاعات التي تأتي إلى القسم تتعلق بالنفقة، ثم بعد ذلك تأتي عوامل أخرى منها التفاوت في العمر بحيث تكون الزوجة فتاة صغيرة والزوج طاعن في السن".
بيد أن هناك رأيا مخالفا يرجع أسباب الطلاق إلى أمور أخرى، إذ يقول الباحث الداه ولد الحسن إن من "أهم أسباب سهولة الطلاق عند الرجل الموريتاني هو غياب مؤخر الصداق ، حيث أن الأسر في المجتمع الموريتاني تتجنب عادة الحديث عن مثل هذه الأمور عند الزواج، كذلك فإن طبيعة المرأة الموريتانية خصوصا العربية، الرافضة لتعدد الزوجات تحاصر الرجل أحيانا في جحيم البيت الواحد مما يجعله مضطرا للخروج من بوابة الطلاق ، أضف إلى ذلك مشاكل الزواج المبكر، وانتشار زواج الأقارب الذي تتفق عليه عادة الأسر دون أن تكون هناك رغبة حقيقة لدى الزوجين، وكذلك التفاوت في المستوى الثقافي".
وتوضح الأرقام في هذا السياق أن المرأة غالبا ما تكون صاحبة المستوى الثقافي الأدنى، وهو ما تبرره الإحصائيات التي نشرت رسميا عن تعلم النساء، ونسبة الأمية بينهن، والتي تبلغ حسب إحصائيات منتدى المرأة للثقافة والتنمية 53.2% مقابل 35% بين الرجال، بينما لا تتجاوز نسبة من وصلن إلى مستوى التعليم الثانوي بين النساء المتعلمات 42% ، و13% وصلن لمستوى التعليم الجامعي، تنضاف إلى ذلك "الطبيعة الملكية للمرأة الموريتانية التي اعتادت في الغالب ألا تكون منتجة وأن تبقى مستهلكة تنتظر من يوفر لها مأكلها ومشربها".
وقد دفعت "سهولة إيقاع الطلاق لدى الرجال المرأة إلى أن تستعد من يوم زواجها الأول لإمكان حدوثه"، ويساعد المجتمع الموريتاني المرأة على تقبل الطلاق من خلال "القيام ببعض طقوس الفرح عند طلاقها عبر الزغاريد والتزام بعض الأوساط بتعويضها معنويا عن طريق ما يعرف محليا بعادة "التحراش" وهي أن يتظاهر الرجال أمام المطلقة برغبتهم فيها".
وفي الوقت الذي ترتفع فيه نسبة الطلاق بين النساء العربيات فإنها تنخفض بشكل ملحوظ بين النساء الزنجيات اللاتي يقبلن بتعدد الزوجات، كما أن غلاء المهور القياسي لدى العربيات، ينخفض بشكل كبير لدى الزنجيات.
وأدى انتشار ظاهرة الطلاق إلى ارتفاع معدلات النساء اللواتي يعلن أسرهن في المناطق الريفية إلى 42% حسب إحصائيات منتدى المرأة للثقافة والتنمية، مقابل 37% في المدن.
وقد سعت السلطات للحد من تخلي الرجال عن مسؤولياتهم الأسرية عبر فرض حقوق للمطلقة نصت عليها مدونة الأحوال الشخصية الصادرة سنة 2001 والتي ضمنت لها حق نفقة أطفالها وحق المتعة.
ومقابل انتشار ظاهرة الطلاق تنتشر ظاهر الإقبال على الزواج من المطلقات بين الرجال في موريتانيا، حيث بلغت نسبة المطلقات اللواتي تزوجن بعد طلاقهن الأول 72.5%، ونسبة 20% بين من طلقن مرتين، و6.7% بين من طلقن ثلاث مرات، أما نسبة النساء اللواتي تزوجن خمس مرات أو أكثر فتصل إلى 1.5% .
ويعيد الباحث الاجتماعي الحسن ولد الداه أسباب إقبال الرجال في موريتانيا على الزواج من المطلقات إلى أن الرجال يدركون أن "الطلاق في المجتمع الموريتاني لا يعود في أغلب حالاته إلى نواقص أو مشاكل تعاني منها المرأة، بقدر ما يعود إلى أمزجة الرجال وغياب الإحساس بروح مسؤولية الأسرة عند معظمهم"، قد دفع الإقبال على الزواج من المطلقات في موريتانيا الباحث ولد سيدي يحيى إلى تسمية المطقلة في موريتانيا بـ"المطلقة المرغوبة"، كما أن انتشار ظاهرة الطلاق جعلت من المطلقات أغلبية وحدت من الخيار أمام الرجال، أضف إلى ذلك بحث الرجال عن ذوات التجربة.
رفض التعددية والتغاضي عن الخيانة
وتعتبر ظاهرة تعدد الزوجات بين النساء العربيات في موريتانيا إهانة للزوجة الأولى، وانتقاصا من كرامتها وفقا للمنظور التقليدي لكرامة المرأة عند المجتمع الموريتاني، لدرجة أن بعض القضاة التقليديين في موريتانيا يطلقون المرأة من زوجها إذا تزوج عليها، بينما تتضاءل حدة رفضه لدى الزوجة الثانية عادة، رغم أن بعض علماء الدين والمصلحين الاجتماعيين نادوا بضرورة رفع الحظر عن هذه العادة حتى لا يكون في ذلك تحريم لما أحله الله، غير أن مدونة الأحول الشخصية أعطت للمرأة الحق في رفض الزواج عليها كشرط من شروط عقد الزوج.
ووفقا للمسح الأخير الذي أجراه المركز الوطني للإحصاء، فإن نسبة تعدد الزوجات بين العرب الموريتانيين لا تتعدى 3% أغلبها نتيجة لظهور أفكار إصلاحية جديدة في المجتمع، أو لدوافع مادية قاهرة، كما أنها تقتصر في معظمها على زوجتين، بينما تصل لدى المجتمع الزنجي في موريتانيا إلى 39%، من بينهم 9% لهم أربع زوجات، ووفقا للتحقيق الوطني للخصوبة فإن نسبة تعدد الزوجات لدى الزنوج في موريتانيا تتفاوت حسب القوميات الزنجية، حيث تصل إلى 53.2% عند السونكي، و50% عند الولوف و35.9% عند البولار.
يفضلن الزواج السري على التعددية
ومقابل تفشي ظاهرة الطلاق تنتشر ظواهر أخرى بعضها غريب، إذ يجمع معظم الباحثين والمهتمين بالشأن الاجتماعي على أن المرأة العربية في موريتانيا "تفضل الزواج السري على أن يتزوج عليها في العلن"، وهو ما يصفه الخبير الحسن ولد الداه "بأنه هروب إلى الأمام تمارسه النساء الموريتانيات، حفاظا على أزواجهم، مدفوعات بالخوف من أن يقال إنهن أهينت كرامتهن بالزواج عليهن"، وفي هذه الحالة عادة ما تلجأ المرأة إلى التغاضي ما وسعها ذلك عن نزوات زوجها، "إلى أن تجد نفسها مضطرة لإعلان التمرد والتظاهر به، حين تدرك أن الجيران والأقارب باتوا على علم بذلك الزواج.
ويلجأ كثير من الرجال إلى الزواج السري، حيث توجد نسبة كبيرة بين النساء يقبلن به، إما لكونهن مطلقات يعلن أسرا ويرغبن في من يساعدهن في ذلك، أو أنهن فتيات تقدمت بهن سن الشباب ويخشين أن يفوتهن قطار الزواج، أو مدفوعات بالحاجة المادية "فتلجأ المرأة الفقيرة عادة للرضوخ لرغبة الرجل الغني في الزواج منها سرا"، ومثل هذه الحالات تكثر بين كبار المسؤولين ورجال الأعمال.
وتسبب هذه الزيجات السرية في الغالب نزاعات بين الزوجين، خصوصا بعد أن تجد المرأة نفسها مضطرة لكشف الزواج بعد حملها أو وضعها لمولود، وتكثر إثارة النزعات المترتبة عن مثل هذه الزيجات السرية أمام مصلحة النزاعات الأسرية، وأمام المحاكم المختصة، وغالبا ما يجد المسؤولون في كتابة الدولة لشؤون المرأة أنفسهم أمام الحرج إذا تعلق الأمر بمسؤول سام في الدولة سيتم استدعاؤه للتفاوض معه أو إرغامه على تحمل مسؤولياته الأسرية، وقد سعت مدونة الأحوال الشخصية إلى منع الزواج السري عبر فرضها لإجراءات لابد من اتخاذها لإكمال الزواج، منها ضرورة إبرام عقد الزواج أمام ضابط رسمي للحالة المدنية تسجل فيه كل المعلومات عن الزوجين بما في ذلك زيجاتهم السابقة.
ورغم النصوص التشريعية التي صدرت خلال السنوات الأخيرة وسعت للحد من الطلاق والتفكك الأسري، فإن ظاهرة الطلاق ما تزال في وتيرة متصاعدة بين كافة مستويات المجتمع الموريتاني، من أغنياء وفقراء، يقبلون جميعا على الطلاق وعلى الزواج السري، كما يحجمون جميعا عن تعددية الزوجات علنيا على الأقل.
* المصدر : العربية