تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: هل يحصل للمتخلف عن العمل الصالح أجر مع نيته له ؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي هل يحصل للمتخلف عن العمل الصالح أجر مع نيته له ؟

    مسألة : هل يحصل للمتخلف عن العمل الصالح أجر مع نيته له ؟!

    بالنظر في المسألة المذكورة يمكن تقسيم من تخلف عن العمل الصالح بعد أن نواه وهمَّ به إلى قسمين :
    القسم الأول : من كان يعمل هذا العمل في حال عدم العذر ، ثم عجز عنه – مع رغبته فيه – ، فإنه يكتب له أجر العمل كاملاً .
    والدليل على ذلك : ما خرجه البخاري ( 2996 ) عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " إذا مرض العبد أو سافر ، كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً " [1] .
    القسم الثاني : أن لا يكون من عادته عمل هذه الطاعة في حال عدم العذر ؛ ولكنه همَّ بعملها ، فهذا القسم لا يخلو من حالات :
    الحالة الأولى : أن يهم بالطاعة ثم يتركها كسلاً وتهاوناً ؛ فهذا يثاب على الهم الأول ، ولكن لا يثاب على الفعل ؛ لأنه لم يفعله بدون عذر .
    والدليل على ذلك : حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربه – عز وجل – قال : قال : " عن الله – عز وجل كتب الحسنات والسيئات ؛ ثم بيَّن ذلك : فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملة ، فإن همَّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة ... " [2] .
    الحالة الثانية : أن يهم بالطاعة ، ويعزم عليها ، ولكن يتركها لحسنةٍ أفضل منها ؛ فهذا يثاب ثواب الحسنة العليا التي هي أكمل ، ويثاب على همه الأول للحسنة الدنيا .
    والدليل على ذلك : حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أنَّ رجلاً قام يوم الفتح فقال : يا رسول الله ! إني نذرت إنْ فَتَحَ الله عليك مكة أنْ أُصلي في بيت المقدس ركعتين . قال : " صلِّ هاهنا " ، ثم أعاد عليه ، فقال : " صلِّ هاهنا " ، ثم أعاد عليه ، فقال : " شأنك إذاً " [3] .
    وجه الاستدلال : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أرشد من نَذَرَ الصلاة في بيت المقدس – وهو أدنى من المسجد الحرام – بالصلاة في المسجد الحرام ، لأن ثوابها أكثر ، فيحصِّل صلاةً مضاعفة في المسجد الحرام أكثر من بيت المقدس ، وهو مع ذلك مأجور على نيته بالصلاة في بيت المقدس بالنصوص الأخرى .
    الحالة الثالثة : أن يقترن بالنية قولٌ أو سعيٌ بأسبابها ، ولكن لم يدرك هذا العمل ؛ فهذا وقع فيه نزاع بين أهل العلم على ثلاثة أقوال :
    القول الأول : أنه يكتب له الأجر كاملاً مع المضاعفة ، وهو اختيار القرطبي في أحكام القرآن ( 5 / 325 ط المهدي ) ، والقرطبي في المفهم ( 3 / 745 ) .
    القول الثاني : أنَّ له أجر النية فقط ، وهو اختيار السبكي الكبير – فيما نقله ابن حجر في الفتح ( 6 / 159 ) – ولم يتعقبه ابن حجر ، فلعله يرى رأيه ! وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في شرح رياض الصالحين ( 1 / 37 ) [4] .
    القول الثالث : أنه يكتب له أجر النية مع العمل دون المضاعفة ، وهو اختيار ابن رجب – رحمه الله – في جامع العلوم والحكم ( 663 ط . طارق عوض الله ) .
    ولعل القول الثالث هو الراجح – والله أعلم – ، وذلك لما يلي :
    1 – قال تعالى : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً " [ النساء 100 ] .
    وجه الاستدلال : أن الله – سبحانه – نفى في هذه الآية التسوية بين المؤمنين القاعدين عن الجهاد وبين المجاهدين ، ثم أخبر عن تفضيل المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر بدرجة ، وتفضيل المجاهدين على القاعدين من غير أولي الضرر بدرجات [5] .
    قال ابن عباس – رضي الله عنهما – : القاعدون المفضَّل عليهم المجاهدون درجة هم القاعدون من أهل الأعذار ، والقاعدون المفضَّل عليهم المجاهدون درجات هم القاعدون من غير أهل الأعذار [6] .
    2 – قوله تعالى : " ومن بخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله " [ النساء 100 ؟ ] .
    وجه الاستدلال : أنَّ من خرج مهاجراً ثم مات قبل أن تتم هجرته فإنَّ له أجر المهاجر الذي تمت هجرته ؛ ولا يحصل على أجر المضاعفة بدليل ما سيأتي في الذي بعده ، أو يقال : أن هذه المسألة خارج البحث ، وذلك أنَّ هذه المسألة فيمن بدأ بالعمل وشرع فيه ثم أدركته المنية فيحصل على أجر العمل مع المضاعفة !
    3 – قوله – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث : " إلا شركوكم في الأجر " .
    وجه الاستدلال : أنَّ قوله – صلى الله عليه وسلم – : " ما سرنا مسيراً ، ولا قطعنا وادياً " وفي اللفظ الآخر : " ما سلكنا شعباً " يدل على أنَّ لهم أجر هذه الأعمال ولم يتعرض للمضاعفة ، فإذا نظرنا إلى حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – المتقدم : " ... فمن همَّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة ... " اتضح لنا أنَّ المضاعفة معلَّقة على مباشرة العمل والفعل ، وهذا الذي من أهل الأعذار لم يباشر العمل وإن همَّ به ، فلا يحصل إلا على أجر العمل فقط .
    4 – حديث أبي كبشة الأنماري – رضي الله عنه – مرفوعاً : " ... إنما الدنيا لأربعة نفر : عبدٍ رزقه الله مالاً وعلماًفهو يتقي ربه فيه ، ويصل به رحمه ، ويعلم لله فيه حقاً فذا بأفضل المنازل ، وعبدٍ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول : لو أنَّ لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان ؛ فهو بنيته فأجرهما سواء ، وعبدٍ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يُخْبَطُ في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ، ولا يصل فيه رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقاً ؛ فهذا بأخبث المنازل ، وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً ، فهو يقول : لو أنَّ لي مالاً لعملت فيه بعمل فلانٍ ؛ فهو بنيته ، فوزرهما سواء " [7] [8].
    وجه الاستدلال : أنَّ قوله – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث : " فهو بنيته ، فأجرهما سواء " أي : أنَّ نيته الصادقة أبلغته أجر من جمع بين العلم والمال ،
    ونقول : أنَّ أجر العمل ثابت بنص هذا الحديث دون المضاعفة ، لما سبق بيانه في الذي قبله ، ولما في الحديث الآتي .
    5 – حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : أن فقاء المهاجرين أتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا : قد ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلى ، والنعيم المقيم . فقال : " وما ذاك ؟! " . قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم ، وتسبقون به مَنْ بعدكم ؟! ولا يكون أحدٌ أفضلَ منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم " . قالوا : بلى ، يا رسول الله ! . قال : " تسبحون ، وتكبرون ، وتحمدون في دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين مرة " .
    قال أبو صالح : فرجع فقراء المهاجرين لرسول الله –صلى الله عليه وسلم – فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ، ففعلوا مثله . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " [9] .
    وجه الاستدلال : أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم- أخبر بأنَّ من فعل الصدقة والعتق مع العمل الذي أرشد إليه فقراء المهاجرين بأنه أفضل من فقراء المهاجرين الذين لا يجدون ما يتصدقون به ويعتقون مع حرصهم على ذلك ، فقال : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " .
    6 – أنَّ من مقتضى حكمة الله وعدله – سبحانه – أنْ لا يساوى القائم بالعمل والطاعة بغيره ممن همَّ بالعمل دون أن يعمله – وإن كان من أهل الأعذار – من كل وجهٍ ؛ فيتميز العامل بالمضاعفة .
    وبهذا الذي اخترناه – بإذن الله – تجتمع به النصوص ، وتتفق الأدلة ، وتستقيم الدلالة دون معارضة ، والله أعلم .

    مسألة : ما هو رأي ابن القيم – رحمه الله – في هذه المسألة ؟!
    عرض ابن القيم – رحمه الله لهذه المسألة في كتابه ( طريق الهجرتين ) ( 936 ) وأطال الكلام حولها ، وذكر الأدلة والاعتراضات ، ثم ذهب إلى تقسيم أهل الأعذار إلى قسمين :
    القسم الأول : معذورٌ من أهل الجهاد غلبه عذره ، وأقعده عنه ، ونيته جازمة لم يتخلف عنها مقدورها ، وإنما أقعده العجز ؛ فهذا الذي تقتضيه الأدلة أنَّ له مثل أجر المجاهد ... [10] .
    القسم الثاني : معذور ليس من نيته الجهاد ، ولا هو عازمٌ عليه عزماً تاماً ، فهذا لا يستوي هو والمجاهد في سبيل الله ... .
    قلت : أما القسم الثاني فهو خارج مسألتنا ، لأنه لم ينو الجهاد ؛ فهو كمن مرَّ على خاطره مروراً سريعاً لم يعقد فيه نية .
    فالذي يظهر أنَّ ابن القيم – رحمه الله – في مسألة المعذور العازم على الجهاد : أنَّ له الأجر مع المضاعفة – وهو القول الأول في المسألة – هذا الذي فهمته من مجموع كلامه ؛ ومن ذلك قوله : ... لأن قاعدة الشريعة أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل ، أو مقدمات الفعل نُزِّل صاحبه في الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام ... ثم استشهد على كلامه .
    ________________________
    [1] وقد ذكر ابن حجر – رحمه الله – في شرحه على هذا الحديث عدة أحاديث بمعنى هذا الحديث ؛ فلتنظر .

    [2] أخرجه البخاري ( 6491 ) ،

    [3] أخرجه أبو داود ( 3305 ) .

    [4] والذي يظهر أنَّ الشيخ – رحمه الله – تراجع عن رأيه هذا ، ففي شرح الأربعين النووية اختار : ( أنه يكتب له الأجر كاملاً ) فلعله يقصد دون المضاعفة ؛ وشرح الأربعين النووية أظنه متأخر عن شرح رياض الصالحين فيكون هو المعتمد ، والقول المذكور أعلاه منسوخاً ؛ فليحرر !!

    [5] ذهب ابن القيم – رحمه الله – في كتابه ( طريق الهجرتين ) ( 644 ) إلى أنَّ الصواب في فهم الآية : أنَّ الآية دلت على أنَّ القاعدين عن الجهاد من غير أولي الضرر لا يستوون هم والمجاهدون ، وسكت عن القاعدين من أولي الضرر ، فلم يدلَّ على حكمهم بطريق منطوقها ، ولا يدل مفهومها على مساواتهم للمجاهدين ... إلخ .

    [6] لم أجد من أخرج هذا الأثر ، وإنما ذكره ابن رجب – رحمه الله –في جامع العلوم والحكم ، وفي الآية أقوال أخرى .

    [7] أخرجه الترمذي ( 4 / 153 / ح 2325 ط . بشار ) وقال: حديث حسن صحيح ، وهذا لفظ الترمذي ، وأخرجه احمد في المسند ( 29 / 561 ط . الرسالة ) وانظر تمام تخريجه هناك . وصححه الألباني .

    [8] وهذا الحديث استدل به أيضاً القائلون بأن له أجر العمل مع المضاعفة !

    [9] أخرجه البخاري ( 843 ) ، ومسلم ( 595 ) واللفظ له .

    [10] الذي يظهر من مجمل كلام ابن القيم – رحمه الله – أنه يرى أنَّ له مثل أجر المجاهد مع المضاعفة ، والله أعلم .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: هل يحصل للمتخلف هن العمل الصالح أجر مع نيته له ؟

    أما شيخ الإسلام فقد تعرض لهذه المسألة في مواضع كثيرة في مجموع الفتاوى ، ولعلي أجمع فيما بعد بين هذه المواضع وأحرر فيها رأيه - رحمه الله - .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    406

    افتراضي رد: هل يحصل للمتخلف عن العمل الصالح أجر مع نيته له ؟

    بارك الله فيك يا شيخنا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    656

    افتراضي رد: هل يحصل للمتخلف عن العمل الصالح أجر مع نيته له ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حمدان الجزائري مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك يا شيخنا
    وفيك بارك .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •