بسم الله الرحمن الرحيموبعد, فلا يخفى على ذوي الفهم و التدقيق و الغوص في العلوم و التحقيق,أن تحصيل الفقه الاسلامي من مهمات الأمور, لحض الحبيب المصطفى عليه أيما حض, كما جاء عن سيدنا ابن عباس ـ عليه السلام ـ كما في المسند و غيره و هو صحيح مرفوعا:" من يرد الله به خيرا يفقه في الدين", و فضل الفقه معروف قدره, كتبت في شرفه المؤلفات ما بين صغير و كبير و متوسط.
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله
لكن الذي يهمني الآن هو الكلام على المنهجية الصحيحة ـ إن شاء الله ـ لتحصيل الفقه الاسلامي.
و لتحصيل الفقه طريقتان:
الأولى: التحصيل عن طريق دراسة كتب شروح الحديث, "كفتح الباري شرح صحيح البخاري"...إلخ.
هذه الطريقة لن تعدم فائدة, لكن فائدتها قاصرة,لأن الطالب سيتشتت ذهنه قفد يجد في الحديث الواحد خمسة أحكام من أبواب شتى, ولن يستطيع ترتيب المسائل في ذهنه كا هي في كتب الفقه خاصة.وقد كان علماء الصحوة في بداياتهم ينصحون بها ثم بعد مرور عشرات السنين تبين لهم قصورها و قلة مردودها.
قد يقول قائل:هذه الطريقة التي ذكرت أنها قاصرة, هي طريقة السلف من القرون المفضلة,كالأيمة الأربعة...
أقول:لأن هؤلاء العلماء كانت أدوات الفهم عندهم سليقة مع قوة الحافظة, لأن العجمة لم تكن قد استحكمت بعد. ولهذا لما رأى العلماء بداية غزو اللغات الأخرى لغة العرب فزعوا إلى تدوين المؤلفات في اللغة و الأدب و النحو و علم الاشتقاق...إلخ.
لذلك من جاء بعدهم لم يتخذ نفس طريقتهم, فدونت الكتب الفقهية البحثة على الأبواب المعروفة الآن, و انتشرت كتب المذاهب الفقهية الأربعة و أبصبح لها تابعون أسسوا مدارسها.
قلت: و لذلك تجد كثيرا من الاخوة الذين أرادوا اتخاذ هذه الطريقة وسيلة للتفقه في الدين,قلما يستمرون, فتجد أحدهم يبدأ بشرح عمدة "الأحكام" ثم لا يكمله فينتقل إلى " سبل السلام"... و هكذا ينتقل بين الكتب وهو لم يؤسس لفقهه, و لا ينتبه لاختلاف مذاهب الشراح و أصولهم و قواعدهم, فيحصل له تخبط يعيقه عن الاستمرار. وهذا معروف و مشاهد.
الطريقة الثانية: التحصيل عن طريق دراسة الكتب التي تعنى بالفقه خاصة, مرتبة على الأبواب جامعة لمسائل الأبواب, حاصرة لمسائل كل باب.
وهذه طريقة العلماء بعد تدوين المذاهب الأربعة,و إذا ألقينا نظرة صغيرة إلى أصحاب الكتب التي استفادت منها الأمة لوجدت أنهم كانوا على هذه الطريقة, أنظر إلى الطحاوي الحنفي و البيهقي الشافعي و ابن عبد البر المالكي و ابن قدامة الحنبلي و هل تعرف النسفي و الزيلعي و العيني؟ الأحناف, و عبد الله بن وهب و ابن قاسم وبن مهدي و مصعب الزهري و ابن العربي و القرطبي؟ المالكية,و ابن الجوزي و وابن تيمية و ابن القيم و ابن رجب؟ الحنابلة, و السبكي و النووي و الذهبي و ابن كثير؟ الشافعية.
هؤلاء علماؤنا رضينا علمهم و درسنا على كتبهم , فلم لا نرضى طريقتهم في الطلب؟.
فأفضل طريقة الآن هي دراسة الفقه عن طريق أحد هذه المذاهب المتبعة{الحنفي و المالكي و الشافعي و الحنبلي و الزيدي و الظاهري} شرط ألا يتعصب للمذهب بعد معرفته الحق بدليله دون تقليد,لأن كثيرا من الطلبة يهرب من تقليد الامام مالك فيسقط في تقليد الشوكاني أو الصنعاني...
بل إذا ظهر له الحق بعد دربة على الفقه و غوص في كتبه مع تحصيل الأصول و القواعد يجب عليه اتباع الحق.
و للتوسع في هذا الباب عليك أخي الحبيب بكتاب"برنامج فقهي للمبتدئين" للشيخ عبد العزيز القارئ ـ حفظه الله ـ فقد أجاد و أفاد.
لماذا المذهب المالكي؟
اخترت المذهب المالكي,لأسباب منها:
أني درست على كتب المذهب المالكي.
ثانيا: مذهب الامام مالك ررر مذهب أهل المدينة و هو أصح مذاهب الأمصار في الأصول و الفروع كما قال شيخ الاسلام ابن تيميةررر.وله رسالة ضمن الفتاوي"صحة أصول مالك و أهل المدينة"[1] انتصر فيها للمذهب المالكي و بين صحة أصوله و فروعه.
ثالثا: المذهب المالكي, مذهب أهل الحديث في زمانه, و مالك أمير المؤمنين في الحديث كما وصفه بذلك يحيى بن معين ـ رحمه الله ـ فهو مذهب أصل اعتماد على الأحاديث و الأثار و سند مالك السلسلة الذهبية.
رابعا: عراقة المذهب المالكي, فهو ضارب بجذوره في التاريخ الاسلامي و حكم مدة تزيد على الإثنى عشر قرنا, فلا شك في وجود ثراء في كتبه في القضاء و السياسة الشرعية و الجهاد....إلخ.
مراحل التحصيل:
رأيت ورقة منهجية وضعها أخونا الحبيب عبد الرحمان المغربي و هي للأستاذ محمد الطاهر العمراوي ـ حفظه الله ـ, وهي جيدة فأحببت أن أضيف عليها ما فتح الله به. وسأجمع بين طريقة المغاربة و المصريين فهي مفيدة جدا لتأسيس الفقه.
المرحلة الأولى:
1ـ يبدأ الطالب " بمتن الأخضري" المسمى"هداية المتعبد السالك" و ليقتن معه شرح العلامة صالح عبد السميع الآبي{في المذهب المالكي عالمان: الأبي ـ بضم الهمز ـ متقدم و الآبي ـ بالألف الممدودة ـ متأخر من علماء الأزهر ـ رحمه الله ـ.} بتحقيق الأستاذ أحمد مصطفى قاسم الطهطاوي ـ حفظه الله ـ فهو بحق خادم المذهب. طبعة دار الفضيلة.
وبعد ضبط المتن جيدا و فهمه مع الشرح, ينتقل إلى:
2ـ"متن العشماوية" و عليه بشرح العلامة الآبي و إن وجد تحقيق الطهطاوي فحسن.فإن ضبط المتن مع الشرح جيدا, انتقل لشرح العلامة المحقق شيخ مشايخنا عبد العزيز بن الصديق الغماري ـ رحمه الله ـ المسمى" إتحاف ذوي الهمم العالية بشرح العشماوية" وهو شرح بالدليل. طبعة دار البشائر.
فإن ضبطه و ضبط أدلته جيدا, انتقل للمرحلة الثانية.
هذا في الفقه أما في أصول الفقه, فعليه ألا يبدأ في الأصول حتى يقرأ بعض فروع الفقه, كي يستطيع تطبيق الأصول على الفروع. و إليك التفصيل:
بعد الانتهاء من المرحلة الأولى, تبدأ بقراءة شرح أبيات مقدمة في الأصول....من المرشد المعين من مختصر "الدر الثمين" و التي مطلعها:
الحكم في الشرع خطاب ربنا المقتضي فعل المكلف افطنا...
ثم تثني بشرح"منظومة ابن أبي كف الموريتاني" للعلامة محمد يحيى الولاتي الشنقيطي الحوضي ـ رحمه الله ـ و عليك بطبعة دار ابن حزم فهي أفضل الطبعات.
فتضبطهما جيدا, و تختبر نفسك عن طريق طرح السؤال ثم الإجابة عليه,فإن كانت صحيحة فقد ضبطتهما و إلا فلا تنتقل منه حتى تحكمهما.
المرحلة الثانية:
1ـ تدرس " المرشد المعين" للعلامة ابن عاشر الأندلسي ررر. بشرح العلامة محمد ميارة تلميذه, و اقتصر فقط على "مختصر الدر الثمين" لأن "الدر الثمين" غير مناسب في هذه المرحلة,لأن المتن الصغير لا يصلح له إلا الشرح الصغير.{ يمكن الاستعانة ب"الدر الثمين" لكن بتحقيق المستشار الهاشمي, فقد نصحني به شيخي الحسن الكتاني ـ فرج الله عنه ـ}, و إن أردت تثبيت المسائل فاقرأ شرح "المرشد المعين" للأستاذ احمد الطهطاوي,طبعة دار الفضيلة.وهو لا يذكر إلا مشهور المذهب.
ويمكنك الاستعانة ب" العرف الناشر لأدلة و فقه ابن عاشر" للشيخ المختار مومن الجزائري الشنقيطي, و هو شرح مع الدليل, لكنه لا يتابع على بعض ترجيحاته في المذهب.طبعة دار ابن حزم.
2ـ ثم تثني "بمتن العزية" لأبي الحسن الشاذلي ـ رحمه الله ـ بشرح العلامة الآبي الأزهري ـ رحمه الله ـ وهذا المتن فيه بعض مسائل النكاح و الأضحية و البيوع....وذلك لتتأهب للدخول في الرسالة.
بالنسبة لأصول الفقه في هذه المرحلة:
1ـ تدرس "متن الورقات" للجويني بشرح العلامة محمد محمد الحطاب, بتحقيق أحمد الطهطاوي.طبعة دار الفضيلة.
ملاحظة: بعد هذه المرحلة لا بد لك من أخذ قسط من علم المنطق,لأن أغلب كتب الأصول مبنية علة قواعد منطقية.فعليك بكتاب العلامة عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني ـ حفظه الله ـ "ضوابط المعرفة و أصول الاستدلال و المناظرة" الطبعة الثامنة دار القلم.
[COLOR="DarkRed"]المرحلة الثالثة:[
1ـ تدرس شرح "الرسالة" للقيرواني و عليك بشرح العلامة الآبي, بتحقيق الطهطاوي طبعة دار الفضيلة.وقد زادها ذلك التحقيق بهاء . و" الرسالة" عليها شروح كثيرة تعد و لا تحصى, و الهدف ليس هو استقصاء الشروح بل الهدف هو فك أقفال المتون فقط. وعليك بشرح الحافظ أحمد الغماري عليها و هو بالدليل.دار الكتب العلمية.
2ـ"متن الإرشاد" لابن عسكر العراقي من مالكية العراق ـ رحمه الله ـ, متنه هذا أفضل ترتيبا من "الرسالة" جامع للمسائل محرر أيما تحرير,وعليك بتحقيق الطهطاوي عليه. ثم بشرح الكشناوي المالكي ـ رحمه الله ـ و هو أوسع شرح و ينقل من كتب المذهب الأخرى.
بعد هذه المرحلة تكون قد مررت على الفقه كاملا و عرفت أبوابه و الحمد لله .
بالنسبة للأصول:
فبعد أن تكون حصلت شيئا من "علم المنطق", و عرفت لغة القوم, فتدرس في هذع المرحلة:
كتاب العلامة المحقق المالكي المدقق الشيخ حسن المشاط المكي ـ رحمه الله ـ المسمى" الجواهر الثمينة بذكر أدلة عالم المدينة" بتحقيق تلميذه الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان ـ حفظه الله ـ طبعة دار المدينة, و هو شامل لكل أبواب الأصول على مذهب المالكية.
و بعد دراسته و ضبطه جيدا. تكون قد مررت على جل أبواب الأصول.
المرحلة الرابعة:
1ـ"مختصر الدردير" مع الشرح المعروف بالشرح الصغير مع حاشية الصاوي.
2ـ"متن مختصر خليل" مع الشرح الكبير للدردير ـ رحمه الله ـ
3ـ "شرح خليل" للعلامة أحمد الشنقيطي بالدليل.
وقد كان العلامة الأصولي المالكي الأمين الشنقيطي ررر يود شرح" متن خليل" بالأدلة, لكن قدر الله و ما شاء فعل قبض قبل البدء فيه. رحمه الله رحمة واسعة.
و للمختصر شروح كثيرة لكن تذكر القاعدة" فك الأقفال" فقط, كي لا تضيع بين المختصرات دون الانتقال إلى المطولات.
بالنسبة للأصول:
فعليك بكتاب"نثر الورود على مراقي السعود" للعلامة الأمين الشنقيطي ررر.تكميل حبيب الله الشنقيطي. طبعة دار ابن حزم.
ثم إن أردت التوسع فعليك "بتنقيح الفصول" للقرافي بشرح حلولو اليزليتني ـ رحمه الله ـ
بعد المرور بهذه المراحل الأربع, و ضبط مؤلفاتها, يمكنك الذهاب لمطالعة أمات المذهب المالكي و الشروح الحديثية لهم{ ربما أخصص كتب أهل الحديث من المالكية في موضوع آخر إن شاء الله}
ثم الانتقال إلى أصول الفقه المقارن"كمفتاح الوصول" للشريف التلمساني ررر و عليه تحقيق الأستاذ فركوس ت حفظه الله ـ.
لا أنسى هنا كتب القواعد الفقهية:
1ـ"إيصال السالك إلى قواعد مذهب مالك" للونشريسي, بتحقيق علامة ليبيا صادق الغرياني المالكي.
2ـ "قواعد الامام المقري"
3ـ" الفروق" للقرافي.مع أنوار البروق في أنواع الفروق.
على الطالب الاستعانة ب:" الفقه المالكي و أدلته" للعلامة الحبيب بن طاهر و هو في ثلاثة مجلدات إلا أنه لم يبوب باب الجهاد أو قل "السياسة الشرعية" و البيوع. وذكر أنه سيفرد للبيوع كتابا خاصا.
و كذلك ب"مدونة الفقه المالكي و ادلته" للعلامة صادق الغرياني الليبي, و هو كامل شامل إلا أن الأول أفضل من حيث التقعيد و الترجيح, و في كل خير.
وفي الختام... فما كان من صواب فمن الله وحده و ما كان من خطإ فمني ومن الشيطان و الله و رسوله منه براء. و أنبه الإخوة الكرام أني اعتمدت على ذاكرتي فقط في هذا الموضوع ليعذروني إن كان هناك سقط في اسم أو تصحيف أو غفلة... و الله ولي التوفيق..
و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و آله أجمعين.
أخوكم أبو العباس المالكي الأثري
ـــــــــــــــ ــــــــ
[1]: وقد طبعت مستقلة بتحقيق العلامة أحمد الطهطاوي ـ بارك الله فيه ـ طبعة دار الفضيلة.