http://www.aldahereyah.net/forums/showthread.php?t=3151






كتب الشيخ الفاضل طارق الحمودي تلميذ سماحة المحدث العلامة محمد المين بوخبزة مقالا يرد فيه شبهة حول شهادة المرأة...

كلمة حق في شهادة المرأة

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل أشرف المرسلين وعلى آله وصبه وسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
فقد سمعت قبل أيام أحد المثقفين المصريين على إحدى القنوات الفضائية العربية وقد سئل عن وجوب إشهاد امرأتين معا في الإسلام , فأجاب بأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما فوجوب إشهاد امرأتين معلل بالنسيان والغلط, فإن كانت هناك امرأة متخصصة في ضبط الوثائق والعقود زالت علة النسيان وجاز الاكتفاء بامرأة واحدة في الشهادة
وهذا كما ترى شيء يشبه الحق وليس منه في شيء. شبهة يحسن أمثال هؤلاء عرضها في صورة يوهمون أنها من دقيق الفهم في الدين. والذي يقف على قشرتها ستعجبه , ويطمئن إليها, خصوصا إن كان من شاكلته, ويتكلم بلغته ! والحقيقة التي أريد إظهارها فوق هذا كله وبعده.
والأصل في هذا قوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُو شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)
ويبين هذا المعنى ويؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم : (النساء ناقصات عقل ودين, أما نقصان عقلها فشهادة إحداهن نصف شهادة الرجل)
وهذا المردود عليه إنما توهم أن السياق دال على تعليل ذلك بذاك. والأمر على خلاف ما توهم و أوهم !
فقد قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط (2/365) في كلام رائع جدا: (وأما (أن تضل) بفتح الهمزة فهو في موضع المفعول من أجله أي (لأن تضل), على تنزيل السبب ـ وهو الإضلال ـ منزلة المسبب عنه , وهو الإذكار, كما ينزل المسبب منزلة السبب لالتباسهما واتصالهما, فهو كلام محمول على المعنى, أي (لأن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت) ونظيره (أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه) و(أعددت السلاح أن يطرق العدو فأدفعه) ليس إعداد الخشبة لأجل الميل إنما إعدادها لإدعام الحائط إذا مال, ولا يجوز أن يكون التقدير (مخافة أن تضل) لأجل عطف (فتذكر) عليه .
وقال النحاس : سمعت علي بن سليمان يحكي عن أبي العباس أن التقدير (كراهة أن تضل) قال أبو جعفر: وهذا غلط إذ يصير المعنى (كراهة أن تذكر) ومعنى الضلال هنا هو عدم الاهتداء للشهادة لنسيان أو غفلة ولذلك قوبل بقوله (فتذكر) وهو من الذكر)
وهذا موطن دقيق يغفل عنه مثل هذا المسؤول المفتون.وينبغي معرفة أحكام بابين من العلم لاستيعاب ما اشار غليه التوحيدي, وهما باب المفعول لأجله أو من أجله من علم النحو وباب المجاز المرسل من علم البلاغة.
ومما يصك به وجه هذا الدعي المتجرء على كلام الله تعالى أنه لو كان الأمر كما يزعم, ما أمر الله بالثنتين , ولاكتفى بوجود الرجل الذي يذكرها إن نسيت. ولو كان هذا كذلك لكان معارضا لمقصد من مقاصد الشريعة الفرعية في الشهادات وهو وجود المطابقة التامة بين كلام الشهود. فظهر والله أعلم أن في اشتراط المرأتين شيئا زائدا على مجرد التذكير وحسب, ولله الحكمة البالغة.ولسنا ممن يدعي معرفة عين الحكمة ولا كل الحكم الإلهية في حكم من أحكام الشرعية!
قال ابن العربي في أحكام القرآن (1/337): (فإن قيل: فهلا كانت امرأة واحدة مع رجل فيذكرها الرجل الذي معها إذا نسيت فما الحكمة فيه ؟
فالجواب فيه أن الله سبحانه شرع ما أراد وهو أعلم بالحكمة وأوفى بالمصلحة وليس يلزم أن يعلم الخلق وجوه الحكمة وأنواع المصالح في الأحكام وقد أشار علماؤنا أنه لو ذكرها إذا نسيت لكانت شهادة واحدة فإذا كانت امرأتين وذكرت إحداهما الأخرى كانت شهادتهما شهادة رجل واحد كالرجل يستذكر في نفسه فيتذكر)
ومما يدل على عدم جواز الاكتفاء بالواحدة ما ذكره ابن العربي في أحكام القرآن وغيره وهو قوله (1/338): (كرر قوله (إحداهما) وكانت الحكمة فيه أنه لو قال (أن تضل إحداهما فتذكر الأخرى) لكانت شهادة واحدة وكذلك لو قال (فتذكرها الأخرى) لكان البيان من جهة واحدة لتذكرة الذاكرة الناسية فلما كرر (إحداهما) أفاد تذكرة الذاكرة للغافلة وتذكرة الغافلة للذاكرة أيضا لو انقلبت الحال فيهما بأن تذكر الغافلة وتغفل الذاكرة وذلك غاية في البيان). وهذه ملاحظة مهمة جدا .
وقد قدر بعض العلماء هنا (فهما) أي (فهما تذكر إحداهما الأخرى) وهذا متناغم مع ما ذكره ابن العربي.وها أنت ترى كيف تكون اللغة وأساليبها فاصلة في مواطن النزاع الحقيقية والوهمية!
قال الآلوسي في روح المعاني (3/60): (قال بعض المحققين: الأوجه من هذا كله تقدير ضمير التثنية أي (فهما تذكر إحداهما الأخرى) وعليه كلام كثير من المعربين)
قلت: الله أعلم, ولعل ما يدل على الفرق بين الرجل والمرأة في ذلك , أنه لا يجوز للقاضي التفرقة بين المرأتين لامتحان كل واحدة على حدة بخلاف الرجلين فإنهما يؤديان الشهادة منفصلين كي لا يأخذ أحدهما عن الآخر,إن كانا يقصدان الزور.وتذكر في هذا قصة طريفة لأم الشافعي حكاها الشافعي نفسه.فقال الحافظ في فتح الباري (5/266): (ومن اللطائف ما حكاه الشافعي عن أمه أنها شهدت عند قاضي مكة هي وامرأة أخرى, فأراد أن يفرق بينهما امتحانا فقالت له أم الشافعي ليس لك ذلك لأن الله تعالى يقول أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)
ومما ينبه إليه ذاك المغرور وغيره أن الله تعالى اشترط ابتداء وجود رجلين ولا بد , فغن لم يوجدا فرجل ولا بد ومعه امرأتان ,كي تكون شهادتهما مقبولة مؤثرة. فلا تجزء شهادتهن وإن كن كثرة إن لم يكن ثمت رجل معهن! وهذا فقط في بعض صور المعاملات المالية لا كلها, وليس لها في مسائل الدماء والأعراض شهادة, وتنفرد بشهادتها في ما لا يطلع عليه إلا النساء كالالحيض والرضاع وغيرها, وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم خبر وشهادة من شهدت أنها أرضعت زوجين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل, وإن كان في شهادة هذه العجوز شيء عند بعض العلماء لأمور أخرى ذكرت في محلها.
قال الإمام الشافعي في الأم ج(/85): (في قول الله عز وجل (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) دلالة على أن لا تجوز شهادة النساء حيث نجيزهن إلا مع رجل ولا يجوز منهن إلا امرأتان فصاعدا لأن الله عز وجل لم يسم منهن أقل من اثنتين ولم يأمر بهن الله إلا مع رجل)
وقد يظن أحد أن في نقصان عقلها نقصانا لقدرها. وهذا لا يلزم, فإن الله تعالى خلق الرجل والمرأة وميز أحدهما بأشياء لا توجد عند الآخر. فليكف شاك أو متشكك عن هذا وليسلم لمن علم وخلق وهو اللطيف الخبير. وهذا شيء يسير مما يجب ذكره انتصارا لحق الله تعالى في هذا الموطن,والحمد لله رب العالمين.