الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :
اختلف العلماء في مسالة كم تجزيء البدنة ( الجزور ) في الأضحية والهدي , وهذا الاختلاف تبعا لاختلاف الروايات في ذلك .
القول الأول : أن البدنة تجزيء عن عشرة
وذهب إلى ذلك سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ في إحدى الروايتين عنه وَبِهِ قَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَابْن خُزَيْمَة مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ فِي صَحِيحِهِ وَقَوَّاهُ وَاحْتَجَّ لَهُ اِبْن خُزَيْمَة بِحَدِيثِ رَافِع بْن خَدِيج كما سيأتي .
انظر الفتح (5|367)
القول الثاني أن البدنة تجزيء فقط عن سبعة
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَسَالِمٌ وَالْحَسَنُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِي ُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ
المغني (21|454)

أدلة القول الأول :
1- مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (1583) ، وَالنَّسَائِيُّ (4409) وابن ماجة (3251) ، وَأَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ "(6|55) ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ "(9|318) والحاكم (4|256) من طريق حسين بن واقد عن عَلْباءَ بْنِ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : { كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَحَضَرَ الْأَضْحَى ، فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ سَبْعَةً وَفِي الْجَزُورِ عَشَرَةً } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وهذا إسناد صحيح إلا أن الحسين بن واقد ثقة ربما وهم .
فربما وهم في هذا الحديث وخصوصا أنه جاء في بعض الروايات عنه على الشك .
فقد أخرجه ابن حبان في صحيحه (9|318) سواء إلا أنه قال : وفي البعير سبعة أو عشرة .

2- أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي " الْمُسْتَدْرَكِ " (4|256) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : { نَحَرْنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ بَدَنَةً ، الْبَدَنَةُ عَنْ عَشَرَةٍ ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِيَشْتَرِكْ الْبَقَرُ فِي الْهَدْيِ } .
وَقَالَ صَحِيحٌ : عَلَى شَرْطِ مُسْلِم
قال شيخنا رحمه الله في الإرواء : (4|253) وهو شاذ كما أشار إليه الذهبي في تلخيصه .
قال الذهبي : وخالفه ابن جريج ومالك وزهير عن أبي الزبير فقالوا " البدنة عن سبعة " وجاء عن سفيان أيضا ذلك .

3- روى أحمد في مسنده (41|131) وابن خزيمة في صحيحه (4|290) و البيهقي في المعرفة (15|188) والسنن الكبرى (5|235) مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ ، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ سَبْعِينَ بَدَنَةً عَنْ سَبْعِمِائَةِ رَجُلٍ ، كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةٍ } .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ في المعرفة (15|188): فقد روي عن معمر بن راشد ، وسفيان بن عيينة ، عن الزهري ، بهذا الإسناد أنهما قالا : « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة عام الحديبية في بضع عشرة مائة » ، وعلى ذلك تدل رواية جابر بن عبد الله ، ومعقل بن يسار ، وسلمة بن الأكوع ، والبراء بن عازب ، وكلهم شهدوا الحديبية ، ثم اختلفت الرواية عن جابر فروي عنه أنهم كانوا ألفا وخمسمائة ، وروي عنه أنهم كانوا ألفا وأربعمائة ، وهذا أصح لموافقته معقل بن يسار وسلمة والبراء ثم روى أبو الزبير ، عن جابر ، أنهم « نحروا البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة »
وبمعناه روي عن سليمان بن قيس ، وعمرو بن دينار ، عن جابر ، فكأنهم « نحروا السبعين عن بعضهم ، ونحروا البقر عن الباقين عن كل سبعة واحدة »

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي " الْمَغَازِي " : رِوَايَةُ مَنْ رَوَى الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ أَثْبَتُ مِنْ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ عَشَرَةٍ ، فَإِنَّ الْهَدْيَ كَانَ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَدَنَةً .
وَالْقَوْمُ كَانُوا سِتَّ عَشْرَةَ مِائَةً .
نصب الراية (11|410)
4- عن ابن مسعود مرفوع : الجزور في الأضحى عن عشرة "
عند الدارقطني في سننه (2|243) والطبراني في الكبير (10|163) من طريق أيوب أبو الجمل نا عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود
وأبو الجمل ضعفه الدارقطني وغيره وعطاء بن السائب مختلط .
انظر مجمع الزوائد(4|26) والإرواء (4|254)
5-عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذِى الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأَصَابُوا إِبِلاً وَغَنَمًا . قَالَ وَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ فَعَجِلُوا وَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ ، فَأَمَرَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ ، ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشْرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ ، وَكَانَ فِى الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ « إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا » . فَقَالَ جَدِّى إِنَّا نَرْجُو - أَوْ نَخَافُ - الْعَدُوَّ غَدًا ، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ . قَالَ « مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَكُلُوهُ ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ ، وَسَأُحَدِّثُكُ مْ عَنْ ذَلِكَ ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ »
أخرجه البخاري في صحيحه (3075) ومسلم (1968)
قال الإمام النووي رحمه الله : هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ قِيمَة هَذِهِ الْغَنَم وَالْإِبِل فَكَانَتْ الْإِبِل نَفِيسَة دُون الْغَنَم بِحَيْثُ كَانَتْ قِيمَة الْبَعِير عَشْر شِيَاه ، وَلَا يَكُون هَذَا مُخَالِفًا لِقَاعِدَةِ الشَّرْع فِي بَاب الْأُضْحِيَّة فِي إِقَامَة الْبَعِير مَقَام سَبْع شِيَاه ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْغَالِب فِي قِيمَة الشِّيَاه وَالْإِبِل الْمُعْتَدِلَة ، وَأَمَّا هَذِهِ الْقِسْمَة فَكَانَتْ قَضِيَّة اِتَّفَقَ فِيهَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نَفَاسَة الْإِبِل دُون الْغَنَم .
شرح النووي لصحيح مسلم (6|461)


أدلة القول الثاني
1- عَنْ جَابِرٍ قَالَ : { نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ }
أخرجه الجماعة إلا البخاري
وقد رواه عن أبي الزبير عن جابر عدة من الثقات
منهم مالك وأبو خيثمة وزهير وعزرة بن ثابت وابن جريج وغيرهم
وله شاهد من حديث أنس بن مالك عند الطحاوي في شرح معاني الآثار (4|175)
وشاهد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الجزور والبقرة عن سبعة".
قال الهيثمي : (3|287) : رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه حفص بن جميع وهو ضعيف.
ومن حديث عن الشعبي قال: سألت ابن عمر قلت: الجزور والبقرة تجزئ عن سبعة؟ قال: يا شعبي ولها سبعة أنفس؟ قال: قلت: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الجزور عن سبعة والبقرة عن سبعة؟ قال: فقال ابن عمر لرجل: أكذاك يا فلان؟ قال: نعم. قال: ما شعرت بهذا.
عند أحمد في مسنده (5|409)
وفي إسناده مجالد بن سعيد وهو ضعيف
وقد الجمهور هو الراجح إن شاء الله .